تشهد سوريا حربا أهلية منذ أذار 2011 نتيجة ما سمي بموجات الربيع العربي التي شهدتها بعض بلدان المنطقة العربية أنذاك ، وما شهدته من تغيرات سياسية وأمنية وأنظمة الحكم فيها وتشارك في الحرب القوات الحكومية وفصائل وتنظيمات مسلحة مدعومة من الخارج ، نتج عنها تدخلات خارجية وانقسامات داخلية على المستويين الرسمي والعسكري وسيطرة خمس دول على البلاد و هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران واسرائيل .
وعادت الأحداث الأمنية في سوريا لتطفو على االسطح من جديد الأسبوع الماضي وتتوجه وسائل الاعلام صوبها ، متزامنة مع اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان بين اسرائيل وحزب الله والجهودالسياسية والدبلوماسية لوقف الحرب على غزة قبل عودة ترمب الى البيت الأبيض .
ومع تصاعد تلك الأحداث سقطت مدينة حلب الأسبوع الماضي بعد اعادة السيطرة الحكومية عليها في 2016 بأيديقوات المعارضة السورية بوقت سريع وغير متوقع ودون مقاومة أثارت الدهشة والتساؤلات حولها داخليا وخارجيا ، وهي من أصل 14 محافظة تشكل مساحة سوريا وتقع في الشمال على الحدود التركية ولها قيمة للحكومة السورية وللمعارضة ، وتحاول الفصائل المسلحة التقدم على جبهات متفرقة نحو محافظة حماة يصاحبها أحداث متسارعة وتطورات ميدانية في سوريا و تسجيل موجات نزوح جماعي بسبب الاشتباكات وبروز مخاوف من التقسيم الى أربع دويلات بالساحل والشمال والشمال الشرقي والجنوب .
وفسر باحثون سياسيون ما حدث ، بأنه فشل استخباراتي سوري ايراني روسي .
يبلغ عدد سكان حلب ثلاثة ملايين نسمة يشكلون ربع سكان سوريا معظمهم من المسلمين السنة والعرب الأكراد والتركمان وهي أكبر من دمشق وتبعد عنها 310 كم ، وهي تحت النار وتمثل العاصمة الثانية والعاصمة الاقتصادية وعاصمة الثقافة لسوريا ، واشتهرت على مر التاريخ باسم حلب" الشهباء " ، وهي أحدى أقدم المدن المأهولة في التاريخ فهي مأهولة منذ تأسيسها عام 5000 قبل الميلاد .
تعتبر حلب مركزا صناعيا وتجاريا وزراعيا كبيرا تساهم بنسبة 24% من الاقتصاد السوري وتصدر للخارج بما نسبته 50% من صادرات سوريا ، وتصنع مئات الأنواع من المنتجات التي تغزو أسواق العالموكانت لسنوات طويلة درع الاقتصاد السوري وحصنه المنيع ، وتساهم بنسبة 30% في قطاع الصناعة السوري تحتضن نحو أربعة الاف مصنع ومنشأة حرفية ، ونسبة 30% من قطاع الزراعة في سوريا ، وتشكل 60% من صناعة الأدوية و35% من صناعة النسيج ، وثلث القوة العاملة في سوريا ، وطريق دولي الى الأردن وتركيا و أوروبا .
والوضع الاقتصادي السوري هش وسيء جدا ويعاني من تبعات عقوبات قيصر الأميركية المفروضة على سوريا ، وقد بلغت خسائر حلب بسبب الحرب السورية 65 مليار دولار ، و75% من مصانع حلب فقدها الاقتصاد ، وقد أثرت الحرب على مركز حلب كقوة صناعية وزراعية وتسببت باغلاق المئات من المنشات الصناعية منذ 2011 .
ويتوقع الخبراء أن تشهد الليرة السورية المزيد من الخسائر بسبب احتلال حلب ، وأن الموارد المالية السورية بشكل رئيسي تعتمد على الايرادات التي تأتي منها ، وسيؤثر انقطاعها سلبا في قدرة الحكومة السورية على مواجهة الانفاق الاقتصادي والخدماتي وتداعي الاقتصاد السوري وسوء الأوضاع المعيشية للمواطنين .
وقالت الحكومة السورية ، أن احتلال حلب هدفه تدمير اقتصاد سوريا وقد بلغت خسائره 600 مليار دولار في 13 عاما وأنها بحاجة لتكاتف الجميع للخروج من أزمتها ويجب تكثيف العمل لتوفير المساعدات الاغاثية لسوريا للنازحين من مناطق الصراع .
وقد فسرت الادارة الأميركية ما حدث في حلب أنه نتيجة للاعتماد السوري على روسيا وايران حيث روسيا ضعفت وايران أضعفت وحزب الله مني بخسائر في لبنان ولم بمقدوره توفير الحماية عن ذي قبل ، فيما علق الرئيس الأميركي المنتخب بأن الشرق الأوسط أمام مشكلة خطيرة ، بينما حذرت الأمم المتحدة من عواقب وخيمة تترتب على النزاع في سوريا على الصراع الاقليمي والعالمي .
فيما أكدت روسيا وايران دعمهما غير المشروط لسوريا في استعادة النظام الدستوري .
وتحدثت ايران عن اختلافات في وجهات النظر بينها وتركيا بشأن ما يجري في سوريا ، حيثترى أن القوى الفاعلة على الأرض السورية جماعات " ارهابية تكفيرية " بينما رؤية تركيا أنها قوى معارضة لم تستمع لها القيادة السورية أو تستجيب لمطالبها ، وتقول أيران أن انعدام الأمن في سوريا يتماشى مع أهداف اسرائيل . ووفقتقارير اعلامية فان ايران أرسلت العشرات من الفصائل والحرس الثوري جوا الى سوريا ووصول فريق استشاري عسكري ايراني الى سوريا .
و أعلنت تركيا عن عرضها الوساطة بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة ومن الضروري التوصل لتسوية بينهما و الحكومة السورية بحاجة الى حوار ومصالحة مع شعبها والمعارضة حقنا للدمار والدماء .
و دعا بيان دولي مشترك ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا سوريا لانهاء الأزمة دبلوماسيا عبر القرار الأممي رقم 2254.
ومن جانبها ، أشارت اسرائيل أنها تراقب الوضع عن كثب في سوريا وأن ايران ترسل أسلحة الى سوريا وسنمنعذلك ، فيما تتهم سوريا وايران اسرائيل بأنها تحرك الجماعات المسلحة داخل سوريا.
و أعلن العراق ، أن الجيش العراقي أغلق الحدود البرية بالكامل مع سوريا لمنع عمليات هروب أو تسلل وحدوده معها هي الأفضل أمنيا وجاهز للدفاع عنهاوالتي تمتد على طول 600 كم في حال حدوث أي طارئ ولا مؤشرات لدخول أي فصيل عسكري من العراق الى سوريا وتؤكد متانة اجراءاتها الأمنية وأن تأمين الحدود أولوية قصوى للعراق ، وعززت قواتها والياتها العسكرية مع مراقبة الأجواء بطائرات مسيرة ونصبت أسلاك شائكة وكاميرات حرارية وتعمل منذ وقت على بناء جدار عازل في سياق التحصينات الحدودية وتحت الانشاء حاليا .
ويرى مراقبون عراقيون ، أن انخراط العراق بالصراع الدائر في سوريا سيكون له تداعيات سلبية .
وفي الجانب الأردني ، فقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني دعم استقرار سوريا ووحدة أراضيها ، وأعلنت وزارة الخارجية أن الأردن يراقب الوضع في سوريا ويدعو الى الحل السياسي للأزمة السورية .