كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا

كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا
أخبار البلد -  

مُحاسبَةُ النفسَ أمرٌ عظيمٌ ، ينبَغِي أنْ يسعَى إليْهِ كُلَّ مُسلِمٍ ،وكلُّ مُؤمنٍ ، ليملكَ قِيادةَ نَفسِهِ وزمامِها ، ليضبطَ سيْرَها وليكبحَ جِماحَها ،يدفعُها إلى الطاعةِ ويرْدَعُها عن المَعصِيةِ،فيعرفُ ربحَهُ منْ خَسارَتِهِ، ولا يستطيعُ ذلكَ إلا إذا كانَ محاسبًا لِنَفْسِهِ.

وكلَّما قامَ الإنسانُ على محاسبَةِ نَفسِهِ ، أحبَّت الطاعةُ ، وأقبلتْ عليْها ، واستأنَسَتْ بها وبأهلِها ، وكلَّما أهمَلَ الإنسانُ محاسَبَةَ نفسِه كلَّما كرِهَتْ الطاعةُ ،وأنِسَتْ بالمعصِيَةِ وأحبَّت أهلَها.

واللهُ تعالَى يُقسِمُ بالنفسِ الَّلوَّامةِ ، وهي التي تلومُ صاحِبَها إنْ قَصّرَ في خيرٍ أو اقترفَ شرًا ،قالَ تعالى: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) [القيامة:1-2].

فاللهُ – عزَّ وجلَّ - يُحصِي أعمالَ عِبادهِ فِي الدُّنيا ،ويسألُهم عنْ قليلِها وكثِبرِها في الآخرةِ ، قالَ تعالَى : (.فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

وها هُو سيدنُا محمدٌ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – وهو خيرُ منْ أمضَى عُمرَه في طاعةِ اللهِ يُنَبِّهنا للاستعدادِ ليومِ الحسابِ وسؤالِ اللهِ – عزَّ وجلَّ – فقالَ : (" مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا سَيُكَلِّمُ رَبَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَنْ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ ، فَلا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ , وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " . )

وها هُم الصَّحابةُ - رِضوانُ اللهِ عليْهِم - لمْ تشغلْهم الدُّنيا عنِ الآخرةِ فعمِلوا ليومِ الحسابِ ، فكانوا كما قالوا ، وشَهِدَ على صِدقِ قَولِهم ربُّ العزَّةِ - جلَّ جَلالُهُ - فقالَ :(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) )البقرة:202))

مِنْ سلَفِنا الصالحِ رجلٌ يُدعَى "توبةُ بنُ الصِّمةِ" ، حَسِبَ سِنَّهُ يومًا ، فإذا هو ابنَ ستين سنةٍ ، فًحًسٍبَ أيامَها ، فإذا هي نحوَ اثنين وعشرين ألفَ يومٍ وزيادةٍ ، فتصوَّرَ هولَ حسابِ اللهِ لَهُ وعِقَابَهُ على ذُنُوبِهِ معَ أنَّه كانَ مراقبًا لربِّهِ على الدوامِ ، فصرَخَ وقالَ : يا ويلتي ألقَى ربِّي باثنين وعشرين ألفَ ذنبٍ إذا كنتُ قدْ أذنبتُ في كلِّ يومٍ ذنبًا واحدًا. فكيفَ إذا كانتْ ذنوبي لا تُحصى ولا تعدُّ ، ثمَّ تضرَّعَ وتأوَّه وقالَ : عمرتُ دنيَاي وخرَّبْتُ أخراي وعصيتُ مولاي الوهاَّب ، ثمَّ لا أشتهِي النقلةَ مِنَ العُمْرَانِ إلى الخرابِ ، وكيفَ أقدِمُ على الكتابِ والعذابِ بلا عملٍ ولا ثوابٍ ، ثمَّ مِنْ شِدَّةِ تصوُّرهِ لفضاعةِ الموقفِ بينَ يديّ اللهِ ، معَ اشعارِهِ نفسِهِ بالتقصيرِ في طاعةِ اللهِ ، نظرًا لمَقام ِاللهِ ، وهو في الواقعِ غيرُ مقصرٍ ، شهَقَ شَهقةً عظيمةً ووقعَ على الأرضِ ، فحرَّكَه الناسُ فإذا هو مَيتٌ – رحِمَهُ اللهُ - أوَ لسْنَا أيُّها الأخوةُ مِثلَ أولئك القوم ، عُرْضَةً لحسابِ اللهِ ، مسؤوليين يومَ لقاءِ اللهِ تعالى القائل: (.فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

ماذا لو حُدِّدَ لكَ مِيقاتُ يومٍ معلومٍ للوقوفِ أمامَ محققٍ في أمرٍ نُسِبَ إليكَ ، فماذا تَصنعُ ؟ لاشكَّ أنَّكَ تفكرُ طويلاً في هذا الموقفِ ، وفيما عسى أنْ يُوجَّهَ إليكَ من أسئلةٍ ، وكيفَ تُجيبُ وتعملُ حسابًا لكلِّ احتمالٍ حرصًا منكَ على براءَتِكَ مما نُسِبَ إليكَ ، معَ أنَّ المُحَقِّقَ لا يعلمُ منْ أمرِك َإلا ظاهِرَهُ ، وغايةُ مسؤوليتِكَ ضررٌ محددٌ في الدُّنيا . فلماذا لا تفكرُ أخي وأختِي فِي اللهِ ، في مَوقِفِكَ أمامَ رَبِكَ الذي سَيُحاسِبُكَ ولا يخفَى عليه شيءٌ مِنْ أمرِكَ . أفتعملُ حِسَابًا لحسابِ المخلوقِ ضعِيفِ البطشِ ، ولا تعملُ حِسابًا لمحاسَبَةِ الخالقِ ذِي البطشِ الشديدِ ، وإذا كنتَ تخشَى صحيفةَ سوابِقِكَ التي أُثْبِتَتْ في الدنيا ، وهي عُرْضَةٌ للمحوِ والزوَالِ ، فماذا تصنعُ في صحيفةٍ كتَبْتٍها بِنفسِكَ وسطَّرْتَهَا بعملِك وشهودُها أعضاؤك ورقباؤها حفظةٌ كِرامٌ (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )[التحريم:6]

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ : قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى . قَالَ : فَيَقُولُ : فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي . قَالَ : فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيَبًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا . قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ [يمنعه من الكلام]، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِي . قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ . قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ [يسمح له]. قَالَ : فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ) رواه مسلم

وصدقَ اللهُ العظيمُ إذْ يَقولُ : (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)فصلت 21

باللهِ عليْكمْ أخبِرونِي كيفَ يكونُ تقديرُكُم للموقفِ عندَ السؤالِ بينَ يديِّ اللهِ الحقِّ المبينِ يومَ القيامةِ عندَمَا يقوُلُ لكَ :( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء فنقرؤه خائفا وجلا : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)

وعندما يقولُ لكَ : (يا عَبدِي ، أمَا استحييتَ منِّي فبارزْتَني بالقبحِ ، واستحييتَ مِنْ خَلْقِي فأظهرتَ لهم الجميلَ ، أكنتُ أهونُ عليكَ مِن سائرِ عبادِي ، استخففتَ بنظرِي إليكَ فلمْ تكترثْ بهِ ،واستعظمتَ نظرَ غيرِي ، ألمْ أُنْعِمْ عليكَ فماذا غرَّك بِي ؟)

أيها الأحبابُ : أربابُ البصائرِ عَرَفوا أنَّ اللهَ تعالَى لهمْ بالمِرْصَاد ، وأنَّهم سيناقشونَ في الحسابِ ويطالبون بمثاقيلِ الذرِّ مِنَ الخطراتِ واللحظاتِ وتحققوا أنَّه لا يُنجِيهم إلا لزومُ المحاسَبَةِ ، فمنْ حاسبَ نفسَه قبلَ أنْ يُحاسَبَ خفَّ في القِيامَةِ حِسابَهُ وحضرَ عندَ السؤالِ جوابُهُ وحَسُنَ مُنقلبُهُ ومآبُهُ ومنْ لمْ يُحاسِبْ نفسَه دامتْ حسراتُه وطالتْ في عرصاتِ القيامةِ وقفاتُهُ وقادتهُ الى الخِزيِّ والمقتِ سيئاتُهُ وصدقَ اللهُ العظيمُ إذ يقولُ :(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ «6» فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ «7» وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ «8»( الزلزلة


Montaser1956@hotmail.com
شريط الأخبار في سابقة قضائية... الحكم بالإعدام على شخصين بتهمة إضرام النار عمدًا في مخزن نتج عنه وفاتان تهديدات بالقتل تتسبب بنشر 1500 ضابط لمباراة كرة السلة بين ألبا برلين ومكابي تل أبيب توقعات بتخفيض أسعار البنزين ورفع الديزل في الأردن الشهر المقبل "حرارة انفجار ذخيرته تقارب حرارة سطح الشمس".. بوتين يشرح آلية عمل "أوريشنيك" هذا ما قاله نتنياهو عن وقف إطلاق النار والحرب في غزة هذا ما كشفه المجالي بشأن عودة رحلات الملكية إلى بيروت تنويه من إدارة السير 49 مليون دينار موازنة "النقل" في 2025 حافلة ريال مدريد تتعرض لحادث مروري بعد الخسارة أمام ليفربول تنقلات واسعة شملت 6 عمداء و23 عقيدًا في الأمن العام... (أسماء) إرادة ملكية بإعادة تشكيل مجلس أمناء صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية (أسماء) تنويه هام من مؤسسة الضمان الاجتماعي "مفوضية اللاجئين" تعلق حول إغلاق مكاتبها في الأردن وزير العدل يترأس الوفد الأردني المشارك في اجتماع مجلس وزراء العدل العرب الملك يفتتح مركز البحث والتطوير والابتكار في شركة البوتاس العربية الملك لأهل الهية.. أنتم دائما مثال الأصالة والشهامة وأرض مؤتة الخالدة في كرك المجد والتاريخ شاهدة الملك اوعز بتجميدها والشعب يسأل عن ضريبة الكاز التي "رجعت" مع الشتوية وزيرة النقل تستقبل السفير الهندي لبحث تعزيز التعاون في مجال النقل الأعيان يشكل لجانه الدائمة ويختار رؤساءها والمقررين - اسماء الخبير الشوبكي: الـ 3.5 مليون دينار المخصصة من الحكومة للتنقيب عن النفط لا تكفي لحفر بئر واحد !!