اعتاد الزوج العنيف على ضرب زوجته ضرباً مبرّحاً. كان بارعاً في اختلاق الأسباب وافتعال المشكلات التي تؤدي به، في نهاية الأمر، إلى تكسير أثاث البيت، وتوجيه اللكمات إلى وجهها، واستعمال حزامه الجلدي ضرباً بلا رحمة على سائر أنحاء جسدها الضئيل المرتجف الضعيف، موجّهاً لها أقذع الشتائم والإهانات التي تنال من شرفها، ثم يصفق الباب خلفه بعنف ويغيب حتى الفجر.
تقضي ليلها وحيدةً باكية، تمسح الدماء النافرة من أنفها، وتضع قطع الثلج على موضع الكدمات، كي لا تنتفخ وتتورّم، وتنشغل في تحضير أكاذيب غير مقنعة عن تعرّضها للسقوط، ولغيرها من الحوادث المنزلية التي تتعرّض لها ربّات البيوت في العادة.
قبل أن يعود إليها سكراناً مترنّحا باكياً معتذراً، يقبل يديها ويتوسّل لها أن تسامحه، ويُقسم أنه نادم على فعلته الشنيعة، وأنه لن يعود إلى تكرارها أبداً. يطيّب خاطرها بكلمات رقيقة، ويحاول تبرير سلوكه بسبب طفولته القاسية، لأن والده كان عصبياً سريع الغضب متحجّر القلب، يضرب أمّه باستمرار، ويضربه وإخوته بلا رحمة، فيرقّ قلبها وتُسامحه وتحضنُه ويبكيان سوياً. وفي اليوم التالي تغطّي آثار الضرب بمساحيق التجميل وتنطلق إلى عملها.
وما إن تمضي بضعة أيام، حتى يتكرّر السيناريو ذاته حرفياً، لتظلّ أسيرة دائرة العنف والاعتذار، غير قادرةٍ على البوح لأقرب الناس، خشية غضبه. كانت تحمد الله أنها لم تحمل رغم مرور ثلاث سنوات على زواجها. وفي مرّة، وبعد إلحاح كبير من صديقةٍ كان يراودها الشك، لكثرة الحوادث التي تدّعي حدوثها، استجمعت قواها، وهمست لصديقتها بما يجري في حياتها من تعنيف وضرب وإهانات، وأخبرتها أنها عاجزة عن إعلام أهلها، لأنهم كانوا غير موافقين على الزواج منذ البداية، لكنها تحدّت إرادتهم، وأصرّت على موقفها. ولذلك تظنّ أن عليها تصبر وتصمت، وترضى بنصيبها، وتقلع شوكها بيدها وتتحمّل نتيجة قرارتها.
نصحتها الصديقة التي جنّ جنونها بعدم العودة إلى البيت، حفاظاً على سلامتها، وعرضت عليها الإقامة في منزلها إلى حين حصولها على الطلاق، وأقنعتها باستشارة محام قد يُساعدها على الخلاص. وهكذا جاءت إلى مكتبي بصحبة صديقتها، متخفّية تتلفّت حولها مذعورة، مرتجفة، متردّدة. هدّأت من روْعها قدر الإمكان، وطمأنتها أنها في أمان تام، وأن كل ما سوف تقوله سيبقى سرّاً، إذا لم تقرّر المضي في دعوى الطلاق. سردت تفاصيل مروّعة عن العلاقة الخاصة التي تصنّف اغتصاباً بالمعنى الحرفي للكلمة، وكشفت عن ذراعيها وساقيها التي طغى عليها اللون الأزرق جرّاء الضرب المتكرّر. وتحدّثت بإسهاب عن ارتباكها وحيرتها وتضارب مشاعرها بسبب تراوح مزاجه بين العنف الشديد والحنان الفائض في لحظات صفائه النادرة. واعترفت بأنها تشفق عليه، لأنها على يقين أنه يعاني مرضاً نفسياً يجعله غير قادر على التحكّم بتصرّفاته لحظة الغضب، ولم تنكر أنها ما زالت تحبّه رغم كل شيء، لكنها عاجزة عن الابتعاد عنه، لأنه متعلّق بها، ولن يوافق تحت أي ظرف على الطلاق.
حاولتُ كتم غيظي، والتحلي بأكبر قدر من الحياد المهني، وافقتها بأن زوجها مضطربٌ نفسياً، وواجهتها بأنها أيضاً تعاني عقدة استوكهولم، حيث تتعلق الضحية عاطفياً بالجاني. شرحتُ لها ما يمكن أن يقدمه لها القانون من وسائل الحماية، وأصررت عليها بضرورة الحصول على تقرير طبيب شرعي يثبت الحالة، ويسهل عليها الحصول على الطلاق. بكت بحرقة، وهي تقول: لا أستطيع، لا أستطيع. ... ثم استأذنت بالخروج مسرعة.
لم أشاهدها ولم أسمع منها بعد ذلك، إلى أن أوردت الأنباء المحلية خبراً عن مصرع سيدة ثلاثينية بعد تعرّضها للضرب المفضي إلى الموت على يد زوجها، وكانت الضحية تحمل اسمها ذاته!