"أشعر أنني أختنق، لا أستطيع تجاوز ما حدث لي ولأولادي"، بهذه الكلمات بدأت الناشطة الاجتماعية، الخبيرة بالحماية الأسرية، رنا غنوي، رواية تجربتها المرعبة عقب الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت بلدتها كفر رمان الجنوبية.
ومع بدء القصف صباح أمس الاثنين، قررت عائلة غنوي الاحتماء في غرفة الرياضة داخل المنزل، باعتبارها الغرفة الأكثر تحصيناً، وتقول غنوي لموقع "الحرة" "أدخلت أولادي إليها، لكن شعوراً داخلياً دفعني إلى تغيير رأيي، فانتقلت وإياهم إلى غرفتهم".
طلبت غنوي من زوجها التوجه إلى الدكان لشراء الطعام، لكن "قبل أن يغادر المنزل، سمعنا صوت طائرة تحوم فوقنا، فعرفنا أن الصاروخ في طريقه إلينا".
لم تتردد غنوي لحظة، ركضت نحو أولادها واحتضنتهم بجسدها لحمايتهم، وتشرح "أدرت ظهري للنافذة حتى أتلقى الشظايا، ليبقوا هم على قيد الحياة، وعقب الانفجار، اكتشفت أن غرفة الرياضة قد دمرت بالكامل، والشظايا والزجاج منتشرين في كل مكان. أصيب ابني بحالة انهيار وبدأ بالصراخ: أريد المغادرة، أريد المغادرة".
لم يكن أمام أفراد العائلة سوى الهروب فوراً من المنزل، فصعدوا إلى السيارة وبدأوا رحلة البحث عن الأمان، ليكتشفوا أن الحي تعرض لتدمير واسع. علقت العائلة لساعات في زحمة السير، وفجأة سمعوا صوت صاروخ آخر، وتقول غنوي "نزل الصاروخ على بعد 8 أمتار فقط من الطريق، اشتعلت سيارتان، ورأيت شيئا يتدحرج، اعتقدت بداية أنها مركبة وإذ يظهر أنه صاروخ لم ينفجر".
ترجلت العائلة من السيارة وبدأ أفرادها بالركض والصراخ، وتقول غنوي "لأول مرة أعلم أن الصاروخ أكبر من السيارة، أحمد الله أنه لم ينفجر، بعد أربع ساعات من الهروب، بدأ أولادي يشعرون بالجوع ويحتاجون إلى استخدام دورة المياه، عندها قصدت منزلاً على جانب الطريق، وطلبت من صاحبته بعض الطعام".
استغرقت رحلة عائلة غنوي 14 ساعة للوصول إلى برّ الأمان "بسبب الازدحام المروري الخانق على الطرقات وغياب العناصر الأمنية المكلّفة بتنظيم حركة السير"، كما تقول، مضيفة "وصلنا حوالي الساعة الرابعة صباحاً إلى منزل صديقتي في بلدة المغيرية بإقليم الخروب، في قضاء الشوف، وما زلت أشعر بصدمة مما حدث، فكلما نظرت حولي، أجد صعوبة في تصديق ما مررنا به".
ويشهد جنوب لبنان، منذ صباح أمس، موجة نزوح جماعي لآلاف العائلات بسبب الغارات العنيفة التي يشنها الطيران الإسرائيلي، حيث سارع العديد من سكان القرى المستهدفة إلى مغادرة منازلهم، حاملين ما تمكنوا من متاع، بحثاً عن مأوى بعيداً عن مواقع القصف. ونتيجة لذلك، غصّت الطرقات بالسيارات، لا سيما على الطريق البحري المؤدي من الجنوب نحو بيروت، ما تسبب بازدحام مروري خانق.
"أهوال يوم القيامة"
غادرت العديد من العائلات منازلها في جنوب لبنان دون أن تتمكن من جلب أي أغراض، إذ كان هدفهم الوحيد النجاة من القصف العنيف. ومن بين هؤلاء، سارة، ابنة بلدة معركة الجنوبية، التي وصفت تجربتها بأنها "كأهوال يوم القيامة".
وتقول سارة لموقع "الحرة" "بدأ القصف في الساعات الأولى من الصباح بشكل جنوني، ومع مرور الوقت تفاقم الوضع أكثر، حينها أدركنا أن التصعيد هذه المرة مختلف وأن علينا المغادرة فوراً".
وتضيف: "تهجرنا وواجهنا الموت، فقد كان القصف يحيط بنا من كل جانب. قضينا 12 ساعة في السيارة للوصول إلى منزل أقاربي في قضاء الشوف، في حين تستغرق هذه الرحلة في العادة ساعة واحدة فقط".
وأظهرت مقاطع فيديو زحاماً خانقاً على الأوتوستراد المؤدي إلى بيروت، بينما تصاعد الدخان من الغارات الجوية في المحيط.
وتشدد سارة على أنه "اكتفينا من الحروب والدمار. نريد أن نعيش بسلام وهذا من أبسط حقوق الإنسان. لكن للأسف، في لبنان ننتقل من أزمة إلى أخرى ومن معركة إلى أخرى، وكأنّه كتب علينا كشباب وشابات ألا نفكر في بناء مستقبلنا. فمنذ أشهر وأنا أعمل على مشروعي الخاص، ولكن كل ما خططت له وبدأت بتنفيذه توقف بعد دخول لبنان في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فهل المطلوب من كل لبناني يحلم بمستقبل أفضل أن يهاجر؟".
وخلّفت سلسلة الغارات الإسرائيلية التي طالت مناطق عدة في لبنان، 558 قتيلاً و1853جريحاً، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وبدأ الجيش الإسرائيلي، الاثنين، تكثيف غاراته وتوسيع نطاقها الجغرافي، بعد الهجوم الأعمق الذي نفذه حزب الله منذ الثامن من أكتوبر، حيث استهدف قاعدة "رامات دافيد" الجوية ومجمعا تابعا لشركة "رافائيل" للصناعات العسكرية، مستخدما في هجومه نوعا جديدا من الصواريخ يطلق عليها "فادي 1" و"فادي2 ".
معاناة وقلق
في بلدة عين بعال الجنوبية، عاش هادي مع عائلته لحظات من الرعب مع بدء الغارات الإسرائيلية بشكل مكثف، أصوات الانفجارات كانت تهز الأرجاء، ويقول "كان بقاؤنا في البلدة مستحيلاً، حيث بدا الموت وشيكاً مع استمرار القصف".
لم يجد هادي خياراً سوى الفرار، وفي حديثه لموقع "الحرة" يقول إنه جمع بعض الأمتعة الضرورية بسرعة وانطلق مع أسرته عبر طرق مدمرة وأخرى تعاني من ازدحام شديد "كانت أصوات الانفجارات تلاحقنا في كل خطوة"، يروي هادي بصوت مرتعش، ويضيف "قلبي كان ينبض بقوة من شدة الخوف. كنت أفكر فقط في عائلتي، ماذا لو فقدتهم؟ زاد من كابوسي زحمة السير وأصوات الصراخ من حولي. لم أكن أعلم وجهتنا بالضبط، لكن هدفي كان الوصول إلى بيروت. هناك، سأبحث عن مأوى، سواء كان مدرسة، خيمة، أو حتى الرصيف، المهم أن ننجو بأرواحنا".
وبعد رحلة استمرت حوالي العشر ساعات من المعاناة والقلق، وصل هادي أخيراً إلى بيروت، حيث لجأ إلى منزل أحد معارفه في منطقة رأس النبع، منتظراً أن يستأجر شقة لعائلته في جبل لبنان.
في ظل موجة النزوح الجماعي التي اجتاحت جنوب لبنان، واجهت العديد من العائلات صعوبة في العثور على مأوى، ما اضطر بعضها لافتراش الأرصفة، فيما أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي نداءات عاجلة لتأمين أماكن إيواء.
وسارع عدد من المواطنين إلى عرض منازلهم لإيواء النازحين، حيث بدأت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تهدف إلى نشر أرقام أصحاب المنازل المتاحة لاستقبالهم.
تحرّك رسمي
أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشديد إزاء التصعيد العسكري المتزايد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وفي تصريح صحفي من جنيف، أشار المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ماثيو سالتمارش، الثلاثاء، إلى أن "عشرات الآلاف أجبروا على مغادرة منازلهم خلال الساعات الماضية، وما زال العدد يتزايد بشكل مستمر".
وأصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بسام مولوي، الاثنين، توجيهات إلى المحافظين للتعاون بشكل كبير مع عملية النزوح الكثيفة من المناطق الجنوبية.
وفي اجتماع عقده مولوي مع خلية الأزمة في الوزارة، بحضور مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي، الدكتورة هيلدا خوري، تقرر فتح المدارس والمعاهد الرسمية في عدد من المناطق اللبنانية لاستخدامها كمراكز إيواء للعائلات النازحة.
والثلاثاء، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، سلسلة اجتماعات في السرايا الحكومية لبحث الأوضاع الراهنة والجهود الحكومية لمعالجة التداعيات الإنسانية الناجمة عن الغارات الإسرائيلية على لبنان.
واجتمع ميقاتي مع المنسق المقيم للأمم المتحدة، منسق الشؤون الإنسانية في لبنان، عمران ريزا، حيث تناول اللقاء موضوع المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة للبنان في هذه الظروف الحرجة.
كما التقى رئيس الحكومة مع وزير البيئة ناصر ياسين، منسق "لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية"، الذي أطلعه على الجهود المبذولة لإيواء النازحين وتوفير المستلزمات الضرورية لهم. وأوضح ياسين أن "عدد أماكن الإيواء في المدارس بلغ حوالي 150 مدرسة، في حين تزايد عدد النازحين ليصل ليلاً إلى 16,500 نازح".
وأشار ياسين إلى أن "ميقاتي أوعز إلى الهيئة العليا للإغاثة بمواصلة تأمين الاحتياجات اللازمة لإغاثة النازحين".
وبعد أن واجه النازحون من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية، في فترات سابقة من التصعيد بين لبنان وإسرائيل، مشكلة ارتفاع بدلات إيجار الشقق، ظهرت أزمة جديدة اليوم، تتمثل كما ذكر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، بارتفاع أسعار الفرش التي شهدت زيادة ملحوظة، حيث رفع بعض التجار سعر الواحدة منها من 15 دولاراً إلى 40 دولاراً.
وشهدت مدن لبنانية عدة ازدحاماً كبيراً على محطات الوقود والأفران، فيما أغلق البعض منها أبوابه، ولمنع أي احتكار أو استغلال للمواطنين في ظل الظروف الصعبة، تحركت المديرية العامة لأمن الدولة في الجنوب، حيث أرسلت دوريات إلى المحطات والأفران للتحقق من مخزونها، وقامت بتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين.