فؤاد أبو فضل- السوق في مخيم جرش، الذي يُعرف محليًا باسم مخيم غزة، يكاد يكون خاليًا من الناس، على الرغم من أن الوقت بعد الظهر والطقس معتدل، الأزقة تمتلئ بهدوء شبحي وسكون كالح، والطاولات "البسطات" التي من المفترض أن تتلون بأصفر الليمون وأخضر الخيار وأحمر الفلفل غامضة، لونها لون الطاولة الخشبية، أجوف، لأنها لا تغطيها الخضار للأسف، عدم الحركة في السوق ليس حدثًا نادرًا بسبب عرس طربي أو جنازة محزنة، بل لأن معدلات البطالة فيه تصل إلى 90 بالمئة، والقلة من التجار الذين يبقون مثل مصلّح الأحذية حسام، الذي يجلس ويفك تطريز حذاء واحد في صمت محله، فيعملون بمعدل بطيء يعكس عدم الرواج لمنتجاتهم.
تتفوق معدلات البطالة في المخيم، الذي يقع على بعد خمسة كيلومترات من الآثار الرومانية الشهيرة في مدينة جرش، على المعدلات الوطنية الأردنية بـ 70 بالمئة، إذ تقول التقارير الوطنية والدولية إن معدلات الفقر في الأردن تتراوح بين 24 و35 بالمائة، فيما تتجاوز معدلات البطالة 20 بالمائة، يلوم المقيمون في المخيم الفجوة الساحقة بينهم على عدم حصولهم على الرقم الوطني، الرقم المكون من 10 أرقام الذي يدل على الجنسية الأردنية ويسمح للمواطنين بالعمل في كثير من المهن، من قبيل التوظيف في الحكومة إلى الجيش، ليمتلكوا بيوتًا وسيارات، وليحصلوا على التأمين الصحي.
حسب ما قال عبدالله البدراع، الذي وُلد في المخيم في 1988 وتخرج من الجامعة متخصصًا في الهندسة المدنية: "نحن لدينا حقوق محدودة لأننا لا نملك الرقم الوطني قدمت لشركات أكثر من مرة وما وظفوني الفكرة أن الشركات تريد رقمًا وطنيًا."
الآن، يقطن في الأردن أكثر من 200,000 لاجئ مسجل، وأكثر من 64,000 لاجئ يسكنون في مخيم جرش ذاته، الذي تأسس كمخيم للطوارئ في عام 1968 من أجل إيواء 11,500 لاجئ فلسطيني ونازح من قطاع غزة نتيجة الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 ولكن فقط 5 بالمئة منهم لديهم رقم وطني، مما يضغط بشكل اقتصادي واجتماعي على الغزاويين الذين يعتبرون المخيم والأردن وطنهم.
على سبيل المثال، أدهم، بائع ملابس وعمره 32 عامًا، قال: "إذا أراد غزاوي أن يشتري سيارة أو قطعة أرض فمن اللازم أن يجد شخصًا مخلصًا وموثوقًا فيه ليسجل السيارة أو القطعة باسمه يجب أن تكون هناك ثقة بينك وبينه وإذا أراد أن يفتح محلًا فمن اللازم أن يستأجره لأنه من الممنوع أن يمتلك محلًا."
على أي حال، بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967، عندما استولت إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، نزح بعض الفلسطينيين من الضفة وغزة إلى الأردن، حيث سكن كثيرون منهم في مخيمات الأونروا ظل الأهل من الضفة مواطنين أردنيين، فيما ظل الأهل من غزة لاجئين بدون الرقم الوطني الأردني لمدة 75 سنة.
وقال البدراع: "الفرق بيننا وبين الأشخاص في مخيم سوف، مثلًا، هو فقط الرقم الوطني نحن فلسطينيون وهم فلسطينيون ولكن تجدهم في الجيش، وتجدهم في البلدية، وتجدهم في الحكومة والله لدينا محاسبون، ولدينا مهندسون، ولدينا عباقرة، ولدينا مخترعون أنا مولود هنا وعايش هنا وآكل وأشرب من البلد لكن بعد 35 سنة ليس عندي رقم وطني وليس عندي جنسية."
رغم الصعوبات التي يواجهها الغزاويون، يعتقد بعضهم أن قرار الحكومة الأردنية بعدم منحهم الرقم الوطني يعود لضمان حق العودة إلى غزة وبلدهم فلسطين، مدير لجنة الخدمات في المخيم، كايد عامر إسماعيل غيث، قال: "الآن لم يتبقَّ فلسطينيون سوى أبناء قطاع غزة أبناء مخيم سوف أو الوحدات يحملون الجنسية الأردنية الفلسطينيون في أمريكا يحملون الجنسية الأمريكية لو تريد إسرائيل غدًا أن تفاوض على حق العودة للاجئين فسوف تعتبر أن أبناء مخيم سوف هم أردنيون، والفلسطينيون في أمريكا هم أمريكيون الآن من يتبقى؟ لم يتبقَّ إلا هذا الجزء، فمن المهم أن يتم الحفاظ على أن يبقى أبناء قطاع غزة يحملون الجنسية الفلسطينية."
لكن البدراع لا يوافق، وقال: "أبدًا، أبدًا ما أتنازل عن أرضي فلسطين على سبيل المثال، لو خيروني بين الجنسية الكندية والرجوع إلى بلدي، فكنت أريد أن أرجع إلى بلدي لكن أنا مثل أي شخص في المخيمات يجب أن آخذ رقمًا وطنيًا لأنني أحب الأردن وأنا وُلدت فيها وأنا ممتنّ للملك لماذا ليس لدي جنسية؟ أريد أن أخدم البلد لماذا ليس لدي رقم وطني وعندما يصير حق العودة نعود لفلسطين؟ حق العودة لا يميز بين الغزاوي وبين الضفاوي. لا.. حق العودة هو حق العودة."
في غضون ذلك، يبقى الغزاويون في المخيم معلقين بين القلق المالي والعسر النقدي الذي يعيشونه في الأردن والخوف والهلع والذعر واليأس الذي يشعرون به لأهلهم وأبنائهم الضائعين في خراب غزة.
أضاف البدراع: "ابني وأمه ذهبوا إلى غزة للزيارة وعلقوا في الحرب هم في غزة، في الحرب لا نعرف متى سيرجعون."
المفارقة في هذه القصة أنه، سواء في ظلال دمار غزة أو في آثار جرش الرومانية، الغزاويون ينتظرون أن تُحل مشاكلهم وتتحسن حياتهم وتُحترم حقوقهم، لكن تجدونهم محدودين لا يعطونهم الفرصة ليُظهروا أنفسهم، ويظهروا مهاراتهم وقدراتهم التي يعرفونها بسبب موضوع الرقم الوطني.