استعادت الجبهة الجنوبية سخونتها في نهاية الأسبوع واستهدف حزب الله للمرة الأولى بصواريخه مستعمرة "بيت هلل” بعد نهار دام عمدت في خلاله مسيّرات إسرائيلية إلى استهداف أكثر من منطقة وبينها سيارة بين وادي جيلو والبازورية، ما أدى إلى استشهاد أحد كوادر حزب الله علي نزيه عبد علي "جون” الذي نعاه الحزب وهو من بلدة عيتيت، فيما أدت الغارة على بلدة دير سريان إلى استشهاد الفتى حسن عماد كريم ووفاة يوسف يحيى متأثراً بجرحه.
ورداً على هذه الاعتداءات، أصدر حزب الله بياناً جاء فيه: "دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة وخصوصاً الاعتداءات التي طالت قريتي كفركلا ودير سريان وإصابة مدنيين، أدخلت المقاومة الإسلامية على جدول نيرانها المستعمرة الجديدة بيت هلل وقصفتها لأول مرة بعشرات صواريخ الكاتيوشا”.
50 صاروخاً على كريات شمونة
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن حوالي 50 صاروخًا تم إطلاقها من جنوب لبنان نحو كريات شمونة وبيت هلل، وأصيب مصنع في كريات شمونة بصاروخ بحسب القناة 12، ودوت صفارات الإنذار في مناطق عدة في الجليل الأعلى للتحذير من عمليات إطلاق صواريخ. كما استهدف حزب الله التجهيزات التجسسية في موقع "راميا”، وقصف مواقع "المنارة” و”بركة ريشا” و”المالكية”.
سبق ذلك، غارتان معاديتان على منطقة المحمودية وغارة على محطة الكهرباء في مشروع بلدة الطيبة وغارة على منزل في بيت ليف وفشل مسيّرة إسرائيلية في إصابة دراجة نارية في رب ثلاثين. وزعم جيش الاحتلال في بيان "أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف منصة إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله وبنية تحتية إضافية في منطقة مرجعيون، ردًا على إطلاق حزب الله نحو 30 قذيفة صاروخية من جنوب لبنان”. وطال القصف المدفعي أطراف عيترون وبلدات راميا ومروحين وبيت ليف ومارون الراس ومحيط "بركة النقار” جنوب شبعا.
تحذير الرعايا
وتأتي هذه المستجدات في وقت يتأهب لبنان والمنطقة لتطورات عسكرية دراماتيكية تحسباً لرد ايران وحزب الله على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس” إسماعيل هنية في طهران والقائد الجهادي فؤاد شكر "السيد محسن” في الضاحية الجنوبية، وسط تواصل البيانات التحذيرية من عدد من الدول لرعاياها لمغادرة لبنان. وناشدت فرنسا عبروزارة خارجيتها رعاياها مغادرة لبنان فور الإمكان، وقالت "إن لبنان في سياق أمني متقلب جداً، نلفت مجدداً انتباه الرعايا الفرنسيين إلى أنه ما زالت هناك رحلات تجارية مباشرة وغير مباشرة متوافرة إلى فرنسا، وندعوهم إلى اتخاذ تدابير الآن لمغادرة لبنان فور الإمكان”.
وقامت الخارجية الأمريكية بتحديث توصياتها إلى رعاياها، وأكدت أن "من يختار عدم مغادرة لبنان من رعايانا، عليه إعداد خطط طوارئ للاحتماء في أماكن سكنهم”. وأشارت إلى أن هناك شركات طيران ألغت أو علقت رحلاتها للبنان، فيما خيارات الطيران التجاري ما تزال متوفرة. ودعت مواطنيها الراغبين في مغادرة لبنان إلى حجز "أي تذكرة متاحة لهم”.
وحثّت الحكومة البريطانية مواطنيها في لبنان على مغادرة البلاد فوراً. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في بيان "التوترات مرتفعة والوضع مرشح للتدهور السريع. وبينما نعمل على مدار الساعة لتعزيز وجودنا القنصلي في لبنان فإن رسالتي للمواطنين البريطانيين هناك واضحة وهي: غادروا في الحال”. كما أوصت ايطاليا والسعودية رعاياها بمغادرة لبنان فوراً وعدم السفر إليه. وأهابت وزارة الخارجية الأردنية "بالمواطنين عدم السفر إلى لبنان في الوقت الراهن، حرصاً على سلامتهم، وطلبت من رعاياها المقيمين والمتواجدين في لبنان المغادرة في أقرب وقت ممكن”.
وتوالت مؤشرات اقتراب الرد على العدوان الإسرائيلي، واعلن المتحدث باسم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة "إن حزب الله قد يهاجم أهدافاً "أوسع وأعمق” تشمل المدنيين إلى جانب الأهداف العسكرية داخل إسرائيل رداً على اغتيال فؤاد شُكر”.
اجراءات تحسباً للتصعيد
وفي خطوة معبّرة، قام الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بزيارة الضاحية وتقديم التعازي بالشهيد فؤاد شكر، مؤكداً "أننا هنا لنتضامن مع كل الذين يقاتلون اسرائيل ويتصدون للتعدي الاسرائيلي إن في لبنان أو غزة أو الضفة أو في كل مكان”، مضيفاً "هذا أقل واجب ونحن واحد من الجنوب إلى الجبل إلى الضاحية الى كل مكان”. وتأتي خطوة جنبلاط في ظل توجيهات من الحزب الاشتراكي وهيئة "تيار المردة” في قضاء بعبدا للمناصرين "بفتح منازل في الجبل وغير منطقة لاستقبال الاخوة النازحين من الجنوب والضاحية بما هو متعارف عليه من قيم وحسن ضيافة أهل الجبل ومراعاة المعدلات الطبيعية لأسعار ايجار الشقق والتعامل مع مقتضيات المرحلة بمنتهى التضامن الوطني والاجتماعي والإنساني”.
وبدأت حكومة تصريف الاعمال وكأنها في أجواء التصعيد، وتكثفت الاستعدادات على الصعيد التمويني والصحي والطبي تحسباً لأسوأ السيناريوهات الحربية التي قد تنشأ عن الرد والرد على الرد، مع العلم أن معظم شركات الطيران العربية والعالمية أوقفت حركة الملاحة والرحلات إلى بيروت.
4 سنوات على تفجير مرفأ بيروت
ولم تحجب السيناريوهات الحربية التي يتم التداول بها ذكرى تفجير مرفأ بيروت بعد مرور 4 سنوات على أكبر انفجار غير نووي خصوصاً أن هذا التفجير وما خلّفه من قتل ودمار حفر في وجدان اللبنانيين، وما يزيد من قهر وألم أهالي الضحايا الذين نظموا مسيرتين من ساحة الشهداء ومركز فوج إطفاء بيروت نحو مرفأ بيروت تحت عنوان "الناس بوجه المجرمين مستمرون لتحقيق العدالة” هو أن العدالة ما زالت مغيّبة بسبب تعطيل التحقيق وكف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي يعوّل عليه أهالي الضحايا لإصدار القرار الظني، كما يعوّلون على المدعي العام التمييزي بالتكليف القاضي جمال الحجار لإبطال المذكرة الإدارية التي أصدرها المدعي العام التمييزي السابق غسان عويدات إلى الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية لعدم تنفيذ المذكرات الصادرة عن المحقق العدلي بذريعة "التمرد واغتصاب السلطة”.
وقد شارك عدد من نواب المعارضة في القوات اللبنانية والكتائب وتحالف التغيير في هذه الذكرى حيث ألمح بعضهم إلى مسؤولية حزب الله عن تخزين النيترات في المرفأ، كذلك شاركت في التجمع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جنين هينيس-بلاسخارت التي شددت على "أن الغياب التام للمحاسبة عن كارثة من صنع الانسان كهذا الانفجار يعد أمراً مذهلاً”. وتوقعت "من السلطات المعنية أن تعمل بلا كلل لإزالة جميع العوائق أمام التحقيق سواء كانت هيكلية أو سياسية”، ولكنها رأت أن "ما يحدث هو العكس تماماً”.
وسجّل عدد من السياسيين مواقف بينها للرئيس سعد الحريري الذي قال "أربع سنوات على جريمة المرفأ، وما زال البحث جارياً عن الحقيقة”.وأضاف: "وحدها العدالة يمكن أن تنصف الشهداء الأموات والأحياء، وتعيد بعض الوهج لبيروت”.
وأكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط أنه "آن الأوان ان تنكشف الحقيقة، وأن ينعم أهالي وذوو الشهداء الذين قضوا بهذا الانفجار بالعدالة”.
وكتب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل "لن ننسى… لن نسامح!”. فيما النائب نديم الجميل غمز من قناة حزب الله قائلاً: "أوقات السلاح غير الشرعي والدويلة اللي بتدمّر الدولة وبتخزّن نيترات بين البيوت أخطر من كل الأعداء”.
من جهته، قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي "نصلّي من أجل سير العدالة في تحقيق انفجار مرفأ بيروت في ذكراه الرابعة”، وأضاف "نجدد إدانتنا لهذا التفجير ونجدد تعازينا القلبية لأهالي الضحايا ونقدم صلاتنا لشفاء الجرحى، ونطالب برفع التدخلات السياسية والحزبية عن القضاء لكي يستطيع التحرك من اجل العدالة والحقيقة لكي لا يتكرر مثل هذا الجرم، كما نطالب بتحقيق دولي طالما التحقيق المحلي معطل للسنة الرابعة”.
اما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل فألمح إلى عوامل خارجية، وكتب عبر موقع "اكس”: "واضح ان هناك تقاطعا خارجياً داخلياً على عدم كشف الحقيقة بجريمة المرفأ في 4 آب. في اصرار على عدم تقديم معلومات من أي جهاز مخابرات خارجي وأي صورة من أي قمر صناعي، وبالمقابل في اصرار على وقف المسار القضائي بلبنان”. واضاف "لما بيكون في هيك تقاطع كبير على المصالح، بتكون القصة أبعد بكتير من اهمال وتقصير وظيفي. هل ممكن يبقى امل بمعرفة الحقيقة لأهل الضحايا والجرحى والمتضررين وكل اللبنانيين المألومين؟ نتوجه لقضاة لبنان، وبخاصة المعنيين بينهم، والمعني الأول، بأن يعملوا شغلهم ويطلع القرار الظني، والا يستحوا ويروحوا على بيتهم! واجبكم الحقيقة اولاً والعدالة ثانياً، وحقنا نحصل عليهم منكم”.
تجدر الإشارة إلى أن اتهامات من قبل الثنائي الشيعي وُجّهت إلى المحقق العدلي بالتعاطي سياسياً وباستنسابية في التحقيقات وتم التهديد بـ”قبعه” من قبل مسؤول التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا. ورغم مرور 4 سنوات على تفجير المرفأ، لم تصدق وعود السلطة السياسية بالكشف عن حقيقة ما حصل في غضون 5 أيام. وما زال تخزين 2750 طناً من نيترات الامونيوم لغزاً مخفياً من دون كشف مَن استقدم هذه المواد وخزّنها في العنبر 12 ولصالح مَن.
اللافت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كتب عبر منصة "إكس”: "لبيروت من قلبي سلام لبيروت”، وقال "لقد مرّت أربع سنوات على الانفجار ولا أزال أفكر دائماً في اللبنانيين، وأؤكد مجدداً التزام فرنسا الراسخ تجاه لبنان ومطالبتنا بتحقيق العدالة لجميع الضحايا”.
كذلك، دعا البابا فرنسيس "لتحقيق العدالة في الذكرى الرابعة لتفجير مرفأ بيروت والذي راح ضحيته الأبرياء والعزّل، وإلى العمل من أجل خروج لبنان من أزماته، وإلى تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ووقف هذه الحرب التي تُهدّد دول وشعوب المنطقة في إسرائيل ولبنان وسوريا”.
وتزامناً مع التحرك، نقلت قناة MTV عن مصادر المحقق العدلي "أن التحقيق سيُستأنف والقرار الظني سيصدر، وفي عام 2025 لم نعد نتحدث عن ملف التحقيق في ملف 4 آب لأن الحقيقة ستكون ظهرت والقاضي البيطار وصل إلى الحقيقة”.