بعد عديد المحاولات والرعايات العربية لاجتماعات تجري الدعوة إليها للحوار الفلسطيني /الفلسطيني (اقرأ: الفتحاوي/ الحمساوي غالباً بمشاركة حلفاء هذين الفصيلين الأكبر) على درب انجاز "الوحدة الوطنية الفلسطينية"، دخلت موسكو- ولاحقاً بكين- على الخط ودعت إلى مثل هذه اللقاءات /الحوارات. أما المحاولة الأحدث فهي الدعوة الصينية الجديدة يوم 21-7-2024، والتي وافقت عليها الأطراف لكنها بقيت حتى اللحظة الأخيرة محاولة مظللة باحتمالات النجاح أو الفشل، على الأقل حتى تاريخ كتابة هذا المقال يوم (22) الجاري.
منذ البداية، أحاطت شكوك عميقة بإمكانية نجاح هذه المحاولات "غير العربية" بعد فشل المحاولات "العربية"، رغم امتلاك هذه الأخيرة لروافع أساسية جوهرها دكتاتورية الجغرافيا حيناً، وقوة التأثير السياسي حيناً آخر، علاوة على إثر قوة المال حيناً ثالثاً… وغير ذلك من روافع مساندة. ومع ذلك، ورغم الشكوك ومشاعر الإحباط الرسمي (بل والشعبي) العربي ناهيك عن الفلسطيني، رحب الجميع بكل محاولات "التدخل الخارجي الحميد" روسيّاً كان أم صينيّاً أم –إن لزم- من بلدان صديقة أخرى. وفي سياق هذا التفاؤل الحذر جداً، تزايد الاقتناع بأن الصين (التي أثبتت براعتها في الوساطات) ما كانت لتستضيف هذا اللقاء الفلسطيني/ الفلسطيني لولا وجود أمل في النجاح.
في هذه المحاولة الصينية المتجددة، راهن البعض على إمكانية النجاح أيضاً بفضل قوة التحدي الخطير الراهن، سواء بما ينطوي عليه من مخاطر جسيمة، أو من فرص معقولة لتقليل الخسائر وتعظيم المكاسب في مواجهة الحلف الإسرائيلي/ الصهيوني- الأمريكي/ الغربي في الحرب الفظيعة على القطاع من جهة، والحرب الدموية الهادفة إلى إعادة احتلال الضفة الفلسطينية (والقدس) والدفع باتجاه تهويدهما من جهة أخرى، علاوة على "معركة اليوم التالي" ( وهي، في جوهرها، معركة سياسية) المطروحة (دولياً سياسياً وميدانياً) على الطاولة من جهة ثالثة. وفي هذا النطاق، فإن الخطر يكمن في أن الفشل في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية (التي سبق لي ووصفت غيابها بعبارة: "النكبة الثالثة" في تاريخنا) سيرمي كل الأثمان الغالية المدفوعة من دماء البشر والحجر والشجر الفلسطيني في "بحر" قطاع غزة وفي "بحر" الضفة الغربية (البحر الميت!!!) وسيجعل "اليوم التالي" يوماً أسوداً (أو احمراً) بدل أن يكون يوم دولة فلسطينية ينادي بها العالم وباتت-أكثر من أي وقت مضى- مطلباً دولياً بعد أن كانت مطلباً عربياً وإسلامياً. وكل ذلك تحقق بمفاعيل ملحمة السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب إبادة وتطهير عرقي استهدف أهل قطاع غزة (دون أن يهمل استهداف أهل الضفة الغربية، وحرب استنزاف في شمال فلسطين / جنوب لبنان) وما واكب كل ذلك من حالة انفضاح وتعرية لدولة الاحتلال عالمياً تم إنجازها بقوة "المقاومة المسلحة" من جهة، وبقوة "المقاومة السياسية- الدبلوماسية" (أساساً في محكمتي العدل والجنايات الدولية)، زائداً الهيئة العامة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى إضافة إلى منظمات حقوق الإنسان وغيرها.
وطالما أن الإنجازات حتى الآن كبيرة وكثيرة، وطالما أن التحديات والمخاطر كبيرة وكثيرة أيضاً، ولأن العالم (المتفهم لنا على الأقل) بات يأخذ علينا (إقرأ: لا يحترمنا) بسبب إصرارنا على بقاء الانقسام (نكبتنا الثالثة)، بتنا نلحظ تزايد الاقتناع بضرورة تجاوز"الاشتراطات الكبيرة" التي يطرحها الطرفان الفلسطينيان المنقسمان، والاكتفاء- لاعتبارات "الانجاز الممكن والسريع"- بالاتفاق الجدّي والفوري على تشكيل إطار قيادي موحد مؤقت لحين إجراء انتخابات لاحقة في وقت مناسب للجميع، يضم جميع القوى الفلسطينية الفاعلة. وحقاً لم أعد أفهم، والله لم أعد افهم، بل ولا أستطيع أن افهم، لماذا (طالما أن "الوحدة الوطنية الناجزة" غير ممكنة الآن، لا موضوعياً، ولا في وقت معقول زمنياً)… لماذا لا يتم الاتفاق على تشكيل إطار قيادي مؤقت أو أقلها وفد مشترك (مجرد وفد مشترك) يتصدى للتحديات الهائلة التي تجابهنا والتي وضعت القضية الفلسطينية على مفترق طرق خطير، يتضمن الآمال الكبار وإمكانية تحقيقها، مثلما يتضمن مقاتل نحن في غنى عنها!!!
الخطر يكمن في أن الفشل في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي سبق لي ووصفت غيابها بعبارة: "النكبة الثالثة" في تاريخنا، سيرمي كل الأثمان الغالية المدفوعة من دماء البشر والحجر والشجر الفلسطيني في "بحر" قطاع غزة وفي "بحر" الضفة الغربية (البحر الميت) وسيجعل "اليوم التالي" يوماً أسوداً، أو احمراً.