بعد أن تمكنت مسيّرة "يافا" اليمنية الانقضاضية من الوصول لقلب تل ابيب صباح الجمعة الماضي وضرب هدفها، شعرت حكومة الاحتلال بأنه حدث تجاوز كل المقاييس، وأنه أمر لا يمكن السكون عليه، لأنه أعاد للذاكرة عملية "طوفان الاقصى"، وشابهها في الاختراق وضرب منظومتها الأمنية، فكان العدوان على الحديدة، وضرب الأهداف النفطية والكهربائية في الميناء.
لكن ما بعد هذا التطور الخطير بناءً على طبيعة الصراع الذي يأتي ضمن مساندة قطاع غزة في مواجهة العدوان السافر عليه منذ السابع من أكتوبر الفائت، وما ترتكبه إسرائيل من جرائم وحشية بحق البشر والشجر والحجر هناك، فماذا يمكن أن يكون ؟؟
طبعاً اسرائيل اعتمدت سياسية "الصبر"، إذا جاز لنا التعبير، في استيعاب الضربات اليمنية لسفنها وكلّ السفن التي تحاول دخول موانئها من قبل أنصار الله والجيش اليمني، وترك مسألة الرد على تلك الهجمات لكلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وتحالفهما الذي أطلقوا عليه اسم (حارس الازدهار)، والذي أخفق بعد مرور أكثر من سبعة اشهر على تشكيله في تحقيق أهدافه بوقف الهجمات اليمنية في البحرين الأحمر والعربي، بل على العكس تجذر ذلك الرد ووتوسعت العمليات كماً وكيفاً، وما قامت به إسرائيل، ما هو إلا تصرف تقليدي عرف عنها خلال العقود الماضية مع بعض الدول العربية، لكن رفع مستوى الصدام مع النظر للمحتوى العقدي لهذه الجماعة، والتي ترفع شعار الثورة الإيرانية "الموت لإسرائيل والموت لأمريكا"، وتاريخ صراعها مع السعودية وتحالفها العربي، ومع النظام الأسبق بزعامة على عبد الله صالح، وبعد عدة حروب ومعارك استمرت على امتداد أكثر من عقدين، تمكنت هذه الجماعة وبتحالف مع معظم هيكلية الجيش اليمني من تحقيق الانتصارات، وجذرت نفسها في أكبر بقعة من مساحة اليمن المأهولة بالسكان. ويكفي أن تستدل على عمق التأييد الجماهيري لهم من خلال المسيرات المليونية تضامناً مع غزة، والتي تخرج تلبية لدعواتهم كل أسبوع منذ أشهر طويلة.
لكن كيف ستتطور الأمور بين إسرائيل واليمن؟
العميد يحيى سريع الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية أشار في بيان تعقيباً على العدوان الاسرائيلي إلى نقطة هامة وهي أن العدة بدأت لحرب طويلة مع إسرائيل، أي لا تراجع بل هناك توسيع في الهجمات اليمنية على أهداف إسرائيلية، وما الحديث عن إطلاق خمسة آلاف طائرة مسيرة من نوع "يافا" وغيرها من اليمن وغير اليمن "العراق وجنوب لبنان " الذي تم تسريب أخباره بعد ساعات من ضرب مسيرة يافا هدفها، بالإضافة لاطلاق عشرات الصواريخ البالستية والمجنحة من اليمن وخارجها، بالإضافة لإمكانية توجيه ضربة ضد قواعد وأهداف خارج اسرائيل مثل القاعدة الجوية الاسرائيلية في إريتريا على سبيل المثال.
إن اليمنيين قد وضعوا خططاً لمساندة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهي على مراحل مرت أربعة منها، وإن المراحل القادمة أوسع وأشمل، وميزاتها أنها ستشكل مفاجآت غير متوقعة للقريب والبعيد، بناء على تصريحات المسؤولين اليمنيين، وحسب تتبع مؤشر تلك المراحل السابقة والتي تتسم بالصعود السهمي.
إن التكتم الغالب على تصريحات القيادات اليمنية يحمل في طياته جعل القادم يحدث مفاجأة، لأن القيادة اليمنية تعتبر أن كل ما جرى لغاية الآن هو تمهيد لهذه الحرب المفتوحة، وأن بعد هذا الاعتداء هي الحرب الحقيقية التي لا يوجد في أفقها ايّ مجال للدبلوماسية أو التراجع إلا إذا تحقق السقف اليمني بوقف العدوان على غزة ورفع الحصار. بل على العكس، فإن اليمن أصبح من الآن فصاعداً عوناً ميدانياً للقضية الفلسطينية، وشعب فلسطين، على إسرائيل ان تحسب حسابه عند تنفيذ أي هجوم وايّ تصرف ضده وضد قواه الحيّة، سواء كانت في داخل فلسطين أو خارجها، وحتى ضد أي طرف من محور المقاومة ربم. لقد دخل اليمن اليوم في خانة القوة وأصبح محط أنظار التكتلات الدولية، خاصة تلك التي تتبلور على خطى التغيير العالمي، خاصة التكتلات المناوئة للهيمنة الأمريكية الغربية وربيتهما إسرائيل.
إن التكتم الغالب على تصريحات القيادات اليمنية يحمل في طياته جعل القادم يحدث مفاجأة، لأن القيادة اليمنية تعتبر أن كل ما جرى لغاية الآن هو تمهيد لهذه الحرب المفتوحة، وأن بعد هذا الاعتداء هي الحرب الحقيقية.