يعتبر نادي الصداقة الرياضي أحد أبرز أندية قطاع غزّة، إذ حصد طوال تاريخه الطويل أكثر من خمسين بطولةً رسميّة، ولا سيّما في لعبة كرة الطائرة؛ ولكن ذلك كلّه قد يصبح من الماضي فقط، بعدما فقد النادي، الذي تأسس عام 1976، عدداً كبيراً من منتسبيه وأبنائه، خلال حرب الإبادة، التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023
أدّت حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال، إلى توقف النشاط الرياضي كلياً على أرض فلسطين، منذ اليوم الأول، واستشهاد أكثر من 323 رياضياً، حسب بيانات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم؛ وكان لنادي الصداقة الرياضي نصيب الأسد من هذه الأرقام، مقدماً 20 شهيداً في مختلف الألعاب والرياضات، وعلى رأسهم نجما الفريق الأول في الكرة الطائرة، إبراهيم قصيعة وحسن زعيتر.
ويحتفظ تاريخ نادي الصداقة بألقاب لا حصر لها في لعبة الكرة الطائرة، إذ يوصف بـ"ملك اللعبة" في قطاع غزّة، بعد أن تمكن من الحصول على 20 بطولة للدوري من أصل 24 بطولة ممكنة، بالإضافة إلى 21 بطولة للكأس، وثماني بطولات للسوبر، ومعها عدد كبير من الألقاب على مستوى الكرة الطائرة الشاطئية. وكان نجما فريق الكرة الطائرة، إبراهيم قصيعة وحسن زعيتر، قد ساعدا "المدفعجية" في التتويج برباعية الألقاب المحلية، خلال موسم 2022-2023 (دوري الاحتراف الجزئي، وكأس قطاع غزّة، وكأس السوبر، وكأس الطائرة الشاطئية)، فيما نال إبراهيم قصيعة الميدالية البرونزية في بطولة غرب آسيا للكرة الطائرة الشاطئية 2023 مع منتخب فلسطين، واشتهر الثنائي بحالة انسجام استثنائي داخل الملعب وخارجه، قبل أن يستشهدا معاً في مجزرة احتلالية طاولت مخيم جباليا، في الـ14 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مخلفة 31 شهيداً.
وإلى جانب نجمي الفريق الأول، ودع نادي الصداقة مدربه ومدرب منتخب فلسطين للشباب في الكرة الطائرة، المحاضر الجامعي، وسام جاد الله، بعد قصف احتلالي طاول منزله في حي الشيخ رضوان (مدينة غزّة)، في الـ12 من شهر ديسمبر/كانون الأول 2023. وأكد رئيس نادي الصداقة الرياضي، حازم شحادة، في حديث حصري مع "العربي الجديد" أن: "استشهاد 20 رياضياً من نادي الصداقة، وعدد كبير من الرياضيين الفلسطينيين في قطاع غزّة، ما هو إلا دليل واضح على عنجهية الاحتلال الإسرائيلي، وسياسته المتشبعة بغريزة القتل، ولكن ذلك يدخل أيضاً في مشروع التضحيات التي قدمها نادي الصداقة، وبقية الأندية في قطاع غزّة طوال السنين الماضية". وأضاف شحادة أن تقديرات النادي الأولية تشير إلى: "خسارة نادي الصداقة نحو مليون دولار، نتيجة تدمير الاحتلال مقر النادي وملعبه المعشب والمرافق التابعة له، إلى جانب الصالة المغطاة".
نادي الصداقة... رحيل في كل الألعاب
فقد نادي الصداقة عدداً من أفراد فريقه الأول لكرة القدم، الذي توج سابقاً بلقبي دوري الدرجة الممتازة في قطاع غزّة، خلال موسم 2016-2017، وكأس قطاع غزّة عام 2013، حيث ودع كلا من اللاعبين: محمد حمدان وعدي عبد الله وعيسى زياد صلاح، ومدرب أكاديمية فريق كرة القدم، يوسف هاني سالم، ولاعبيْه السابقيْن، نعيم بارود وخالد حمادة، بالإضافة إلى المشرف الرياضي على لعبة كرة القدم، رائد بارود. وبالإضافة إلى شهدائه في لعبتي الكرة الطائرة وكرة القدم، ودع النادي مدربه المميز في لعبة كرة الطاولة، إيهاب هللو، الذي رحل في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى جانب عدد كبير من أفراد أسرته، بعد مسيرة مميزة نال فيها عدداً من الألقاب لاعباً ومدرباً للفئات السنية في نادي الصداقة، ثم على مستوى الفريق الأول.
وفي محاولة لحصر أسماء الشهداء في نادي الصداقة الرياضية بفعل آلة القتل الإسرائيلية منذ السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكد مساعد مدرب الفريق الأول للكرة الطائرة، عبد الرحمن طافش، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن النادي فقد كلاً من اللاعب عبد الله صالح، والمدرب سونير صقر، المتخصصين في الألعاب القتالية، مضيفاً: "لم يكتفِ الاحتلال باستهداف اللاعبين والمدربين، إذ أدت مجازره المختلفة إلى استشهاد رئيس رابطة جماهير نادي الصداقة الرياضي، منتصر نوفل، بالإضافة إلى أعضاء الرابطة: رائد أبو زهير وحسن العفيفي ومحمد حجازي، وكذلك استشهاد سائق حافلة النادي لأكثر من 30 عاماً، غالب بهلول".
طافش: كنت أتمنى أن يسأل عنا منظّمو البطولات العربية
ويصف قائد نادي الصداقة سابقاً، عبد الرحمن طافش، أنباء رحيل زملائه التي توالت في الأشهر الماضية بأنها كانت "أنباءً صادمة"، مضيفاً: "وصل إلي خبر استشهاد زميلي المدرب، وسام جاد الله، عبر رسالة نصية، وحاولت أن أكذب نفسي، لأن وسام كان بمثابة رفيق الدرب، وكانت قد جمعتنا جلسة صداقة على البحر قبل الحرب بيومين، وعلمت لاحقاً أنه استشهد إلى جانب شقيقه، بعد فترة من استشهاد شقيقه الأول، وهذا الأمر ترك عندي حسرة كبيرة، لأنني لم أتمكن من مواساة أي منهما في وداع الآخر، كما لم أتمكن بفعل الحرب من توديعه أو حضور جنازة وسام". واختتم أحد أبرز وجوه فريق الكرة الطائرة الغزيّة حديثه مع "العربي الجديد" برسالة إلى الأندية والجماهير العربية، قال فيها: "كنت أتمنى أن يسأل عنا المنظمون والمسؤولون عن البطولات العربية، خاصة أننا كنا ضيوفاً دائمين على البطولات هناك، ولكن - للأسف- أقيم عدد من البطولات ونحن نموت، ولم يهتم بأمرنا أحد".
صالح جعفراوي.. أحد لاعبيه
اشتهر صالح جعفراوي، خلال حرب الإبادة الاحتلالية على قطاع غزّة، باعتباره مصدراً ميدانياً لملايين المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن جعفراوي كان معروفاً قبل ذلك بأنه أحد لاعبي نادي الصداقة الرياضي، وأحد أبرز لاعبي كرة الطاولة في قطاع غزّة عموماً، إذ أحرز المرتبة الرابعة في منافسات فردي الرجال، خلال آخر بطولة لكأس قطاع غزّة في كرة الطاولة التي أُقيمت منافساتها في منتصف شهر سبتمبر/أيلول 2023. ويأمل نادي الصداقة الاستفاقة من كل صدماته، في أقرب وقت ممكن، وأن يعيد بناء ما هدمه الاحتلال، كما يصف رئيسه حازم شحادة، الذي اختتم حديثه مع "العربي الجديد" بالتأكيد على رسالة نادي الصداقة الرياضي المستقبلية، قائلاً: "إذا كانت هناك نهاية قريبة للحرب، سنعيد بناء نادي الصداقة من جديد، ولن نتوقف عن إيصال رسائلنا، إذ إننا نرى الأمل في عيون أبناء النادي الذين ما زالوا على قيد الحياة".