كشف معتقلون فلسطينيون مفرج عنهم من سجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، عن «استمرار ارتكاب جرائم التعذيب العنيف والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة بحق آلاف المدنيين على نحو منهجي ممن اعتقلوا في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي» وفق ما بين «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» أمس الأربعاء.
وأشار إلى أنه تابع إفراج الجيش الإسرائيلي عن عشرات المعتقلين من منطقة «زيكيم» شمال قطاع غزة، أول أمس الثلاثاء، وخلال لحظة الإفراج عنهم، أطلق الجيش الإسرائيلي النار في اتجاههم، وأجبرهم على السير والهرولة مئات الأمتار حتى يتمكنوا من الوصول إلى المناطق المأهولة بالسكان، حيث وصلوا وهم في حالة يرثى لها نتيجة التعب الذي زاد من سوء الحالة الصحية التي يعانون منها أصلانتيجة تعرضهم للتعذيب والتعنيف على مدار مدة الاعتقال، وقد وصل 33 منهم الى مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا شمالي القطاع لتلقي العلاج.
ووفق المرصد، شهادات المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم أن القوات الإسرائيلية ماضية في نهج التعذيب الشديد والانتقامي من المعتقلين الفلسطينيين رغم إدراكها أنهم مدنيون.
واعتبر أن استمرار هذا التعذيب هو نتيجة طبيعية للتفرد بالشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل في ظل حالة الصمت من المجتمع الدولي، بما فيها الهيئات المعنية في الأمم المتحدة.
وطالب مؤسسات العدالة الدولية والمجتمع الدولي بالخروج من دائرة الصمت، والتعبير عن مواقف صارمة واتخاذ خطوات جدية إزاء ما يتكشف من التعذيب الوحشي القائم على التمييز والانتقام الجماعي ونزع الإنسانية الذي يتعرض له المدنيون والمدنيات الفلسطينيون، والذي وصل إلى حد القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والحقن بالإكراه بمواد مجهولة، وترك ندوب وعلامات فارقة على أجسادهم، مشدداً على الحاجة لإلزام إسرائيل بإنهاء كافة جرائمها ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاختفاء القسري الذي تمارسه بحق الآلاف منهم. وذكر بما أشار إليه تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل، الذي نشر بتاريخ 12 حزيران، بما يتعرض له الفلسطينيون من قطاع غزة بشكل عام، والمعتقلون والمعتقلات الفلسطينيات بشكل خاص، من جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والعنف الجنسي، بما يشمل الإجبار على التعري العلني، بما في ذلك أثناء تغميتهم وربطهم بكرسي وهم راكعون أو وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، واستجوابهم و/أو تعريضهم للإيذاء الجسدي والنفسي أثناء كونهم عراة، وإجبارهم على القيام بأفعال مهينة وهم عراة، مثل الرقص من دون ملابس أثناء تصويرهم.
مرصد حقوقي يدعو المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لإطلاق جميع الأسرى
وذكر أيضا أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تجاهل الجرائم الخطيرة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، بما في ذلك جرائم الحبس غير المشروع، والقتل العمد والتعذيب والاغتصاب والمعاملة اللاإنسانية والاختفاء القسري وتعمد إحداث معاناة شديدة من خلال الحرمان من الرعاية الطبية الضرورية، والحرمان من المحاكمة العادلة، وبخاصة في ظل وجود العديد من التقارير الدولية الموثوقة والمدعمة بالأدلة الصادرة عن المؤسسات الحقوقية والإعلامية التي تؤكد، وبناء على التحقيقات التي أجرتها، على ارتكاب التعذيب والعنف ضدهم بشكل واسع النطاق ومنهجي، بما في ذلك جرائم قتل وتعذيب، حيث وردت تقارير إسرائيلية عن مقتل 36 معتقلاً من قطاع غزة خلال 8 أشهر، إلى جانب مئات الشهادات المرعبة التي قدمها مفرج عنهم. كما وردت عشرات الشكاوى عن العنف الجنسي بما فيه التعرية والتحرش اللفظي والحسي، فيما تناولت تقارير أممية وصحافية 7 حالات اغتصاب على الأقل ضد نساء ورجال فلسطينيين معتقلين داخل سجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية.
وجدد مطالبته للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالمضي في التحقيق في كافة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الجرائم لتشمل جميع المسؤولين عنها، والإسراع في إصدار مذكرات قبض بحقهم جميعاً.
كما دعا «الأورومتوسطي» مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلى الاضطلاع بدورها الحقيقي المنوط بها وفقًا لولايتها والالتزام بقواعد النزاهة والاستقلالية الخاصة بعملها، بما يشمل قيامها بالتحقيقات الفورية وإجراء زيارات قطرية لتقصي الحقائق فيما يتعرض له المعتقلون والمعتقلات من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة، ورفع التقارير بشأنها، عوضا عن ترك الأمور لتقدير الجهات الإسرائيلية، وذلك لتمهيد عمل لجان التحقيق وتقصي الحقائق والمحاكم الدولية في النظر والتحقيق وإجراء المحاكمات بشأن الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين قطاع غزة.
ودعا كذلك المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات الإسرائيلية للإفراج عن جميع المحتجزين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم تعسفا، وفي حال تم تقديمهم إلى المحاكمة أن يتم ضمان جميع إجراءات المحاكمة العادلة، ولإعادة رفات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قتلوا في سجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية.
وجدد مطالبته بضرورة الضغط على إسرائيل للتوقف فوراً عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين من تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.
كما طالب بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة خاصة بالجرائم المرتكبة خلال الهجوم العسكري المستمر على قطاع غزة، بالتوازي مع تمكين لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة التي تم تشكيلها عام 2021 من القيام بعملها، بما في ذلك ضمان وصولها إلى قطاع غزة وفتح التحقيقات اللازمة في جميع الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك التحقيق في ظروف مقتل جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قضوا في السجون الإسرائيلية، وما تتعرض له النساء والفتيات الفلسطينيات من جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وكافة أشكال العنف الجنسي.
«تأخرت في الحمام فقام أحد الضباط بكهربتي»!
تحدث المعتقل الفلسطيني المفرج عنه من سجون الاحتلال سمير عبد الله جمال مرجان (23 عاماً) عن تعرضه للضرب الشديد والتعرض للصعقات الكهربائية والإهانات ومحاولة حقنه بمواد مجهولة.
وقال لـ «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»: «اعتقلني الجيش الإسرائيلي في 11 مارس /آذار 2024، من حاجز النابلسي جنوب غربي غزة، أثناء محاولتي للنزوح إلى الجنوب».
وتابع: «نقلوني إلى مركز توقيف قبالة رفح لمدة شهرين ثم نُقلت إلى سجن عسقلان وقضيت هناك شهرين. في المردوان (الممر) عشت أنا والأسرى الآخرون أياماً صعبة. يومياً كنا نعذب بشكل وحشي من ضرب وإهانات بالإضافة لاستخدام الكلاب للهجوم علينا وتخويفنا واستخدام الكهرباء للتعذيب».
وواصل: «في سجن عسقلان، الوضع كان أسوأ فكنت في زنزانة انفرادية وبقيت 12 يوماً من دون طعام».
وزاد: «في التحقيق، كانوا يستخدمون الصعقات الكهربائية للحصول على الاعترافات ويسألوننا عن حماس والأنفاق، وعندما أقول لا أعرف فأنا مدني ولا علم لي بالأمور الأخرى يتم ضربي».
ووفق مرجان «التحقيق كان مصحوباً بالاعتداءات والتعذيب الوحشي وكنت نخضع للتحقيق كل 10 أيام».
في السجن شهد هذا المعتقل المحرر على «معاناة آخرين تردت حالتهم الصحية وساءت، بل وأصيبوا بأمراض دون اهتمام طبي».
وتحدث عن «قيام الجيش بإعطاء بعض الأسرى حقن مجهولة. أنا رفضت أن يتم حقني بها وبسبب ذلك تم ضربي وتعريضي للتعذيب بالكهرباء. التعذيب استمر طوال فترة الاعتقال. ومرة وبسبب تأخري في الحمام، جاء أحد الضباط وقام بكهربتي، وما زالت آثار ذلك موجودة في جسدي، فحتى الحمام محسوب بوقت معين فإن تأخرت عن 4 دقائق سيتم تعريضك للكهرباء. تفاجأت عندما أخبروني أنه سيتم الإفراج عني، ولم أستطع النوم من الفرحة، ثم أخذونا وأنزلونا عند زيكيم وأطلقوا النار في محيطنا».
عذبوا أبكم عدة أيام ليجيبهم على أسئلة
روى المسن س. ع (65 عاماً) لفريق «الأورومتوسطي» تفاصيل عن اعتقاله من منزله في مخيم جباليا وتعرضه للتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز في بركسات غير آدمية وما شاهده من تعذيب لشاب أبكم.
وقال: «دخل الجيش الإسرائيلي إلى مخيم جباليا في شهر مايو/ أيار الماضي، آثرنا على البقاء في المنزل الواقع في حي القصاصيب، خلف عيادة وكالة مخيم جباليا. تقدمت الآليات إلى المنطقة التي نسكن فيها، ودخل الجيش إلى المنزل المتواجدين فيه، أخرجونا جميعاً، واقتادني أنا واثنين من أولاد أخوتي، بعد أن رحلوا الباقين للمناطق الغربية، كان ذلك بتاريخ 21 مايو/ أيار حينما اقتادونا إلى جهة مجهولة، منذ اللحظة الأولى كنا معصوبي العينين ولا نعرف أين نذهب ولا ماذا يحدث حولنا». وأضاف «خلال فترة اعتقالنا التي استمرت قرابة 20 يوماً، كانت وكأنها 20 عاماً، كل يوم له حكاية من التعذيب والضرب والإهانة، حينما يأتي موعد النوم يبدأ الطرق على الأبواب وأصوات مكبرات صوت بموسيقى مزعجة. الطعام شحيح، وبالكاد يحصل الشخص على رغيف خبز وقليل من الجبن، الخروج لدورة المياه بصعوبة وطريقة التعامل مذلة».
وزاد: «لم يراعوا أن عمري 65 عاماً، ولم أكن أكبر الموجودين، هناك شخص تعدى عمره السبعين عاماً. كنا موجودين في مكان أشبه بالبركس، لم يعلم أحد أين مكان وجودنا، هناك الكثير من الأشخاص الذين يصلون هذا المكان الأشبه بمكان توقيف، ويعمل جيش الاحتلال على ترحيل الكثير منهم إلى أماكن لا يعلمها أحد».
وواصل: «خلال فترة اعتقالنا، كان بيننا شخص لا يتكلم (أبكم) استمروا في ضربه وتعذيبه لعدة أيام، يريدون منه أن يجيبهم على أسئلة وهو لا يتكلم».
وتابع: «الأصفاد في أيادينا منذ اللحظة الأولى للاعتقال، حتى عندما نأكل ونذهب لدورة المياه، كانت أيادينا مكبلة. أبلغونا مساء الإثنين أنهم سيفرجون عنا، وهددني أحد السجانين لي: لا تشكو شيئاً أمام الصحافة، وإلا سنصل لك مجددا».
وختم: «أثناء إطلاق سراحنا ظهر الثلاثاء في منطقة زيكيم المحاذية لبلدة بيت لاهيا على الحدود الشمالية الغربية، قال لنا أحد الجنود: أمامكم 4 دقائق فقط للوصول إلى المناطق السكنية، وبعد ذلك من أشاهده سأطلق النار عليه، بدأنا بالجري في ظل الأجواء الحارة، رغم وعورة الأرض وعدم وجود أي مساكن أمامنا على بعد مسافة بعيدة».
ضرب حتى إسالة الدم… وشهيد تحت التعذيب
ثلاث مرات اعتقل الاحتلال عمرو عبد الفتاح العكلوك منذ بدء العدوان على قطاع غزة، آخرها في 5 يونيو/حزيران الجاري، حيث شهد استشهاد معتقل آخر تحت التعذيب.
وقال لـ «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»: «صادفت قبل نحو 5 أيام معتقلا اسمه محمد الكحلوت من سكان الفالوجا شمال غزة، أخبرني أن أتواصل مع أهله إن خرجت وأخبرهم أنه بخير، كان في الغرفة المقابلة لنا وكنت أتحدث معه من الشبك ولم أكن أعرف أني سأخرج».
وتابع: «في اليوم التالي من حديثنا توفي نتيجة تعرضه للتعذيب، ووضع الجيش جثمانه في كيس بلاستيكي من أكياس الموتى ونقلوه لمكان لا أعلم أين».
وزاد «خلال احتجازي، كانت هناك مجموعة من المعتقلين من قطاع غزة، وكانوا يصنفونهم بأنهم أسرى أمنيون يتم قمعهم طوال اليوم وضربهم بشكل وحشي وعشوائي يُطال كل أنحاء الجسد حتى تسيل دماؤهم، محمد قُتل تحت التعذيب الذي كان يتعرض له في أوقات مختلفة طوال اليوم».
بكاء أسير محرر لحظة معرفته باستشهاد شقيقه
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو للحظة معرفة أسير من غزة بعد خروجه من سجون الاحتلال، أن أحد أشقائه استشهد في قصف قبل نحو 40 يوما شمال قطاع غزة.
وأظهر الفيديو المحامي علام حجازي، خلال وجوده في مستشفى كمال عدوان شمال القطاع، بعد وصوله من أحد معتقلات الاحتلال التي قضى فيها ثمانية أشهر، وقيام أحد أقاربه بإبلاغه باستشهاد شقيقه محمد حجازي، عقب سؤاله عنه.
ودخل الأسير المفرج عنه في حالة بكاء صعبة، بعد معرفته باستشهاد شقيقه، الذي قصفه الاحتلال وهو داخل منزله، في حي الصبرة في مدينة غزة قبل أكثر من شهر.
وحجازي، كان إماما في مسجد منطقته وحافظا للقرآن، وتفرق شمله عن عائلته التي نزحت بداية العدوان على القطاع، ولم يتمكن من رؤيتهم حتى استشهد.
وتداول نشطاء عقب استشهاده لقطات لوالدته التي تتلقى العلاج من مرض عضال في قطر، مع شقيقه الصحافي والناشط أحمد حجازي، لحظة تلقيهم نبأ استشهاد ابنهم في قصف للاحتلال.