اخبار البلد_ أ.د نضال يونس_ يذكرني السباق المحموم لبعض الراغبين في الترشح لرئاسة الجامعة الأردنية، بحالنا حين كنا طلاباً في المدارس عندما يبحث المعلم عن ترشيح عريف للصف، إذ يبادر أصحاب العضلات المفتولة والطول الفارع، أو الذين تربطهم بالأستاذ علاقة النسب والقرابة حتى وإن كان مستواهم الدراسي متواضعا، بالسعي بشتى الطرق للفوز بالمنصب الكبير، رغم أنهم لا يملكون أي شيء من مقومات العريف الناجح الذي يفترض فيه أن يكون نموذجا للطلبة في الالتزام والتحصيل الدراسي سوى امتيازهم بفنون الفهلوه والفتوة!!
تلك القصة تبدت أمامي وأنا اسمع عن بعض الذين لم يسجلوا انجازاً يذكر في مسيرتهم العلمية والإدارية ولا يترددون في تسويق أنفسهم كمرشحين لشغل الموقع الأكبر في الجامعات الأردنية الذي شغر باستقالة الأستاذ الدكتور عادل الطويسي، وهو ما جعل آخرين يستخفون بقيمة المنصب، ما حدا بهم لطرح أسماء أساتذة وأكاديميين كانت حتى أمس القريب أبعد ما ترشح له رئيس قسم،وليس عميد كلية،وإذ بها بين عشية وضحاها تقدم كمرشح لرئاسة الجامعة الأعرق في الأردن.
واقع الحال الجديد الذي ارتسم على إثر مفاجئة قرار الاستقالة يظهر مدى تراجع الوعي الديمقراطي في وسطنا الأكاديمي، والسبب في ذلك يعود لغياب الممارسة الفعلية «لمنظومة النزاهة الوطنية « التي تحدث عنها الملك عبد الله الثاني بمعناها الشامل الذي لا يقتصر على معاقبة الفاسدين بل تشمل حسن اختيار الأشخاص لملء الشواغر القيادية العليا في الدولة وعلى رأسها رئاسة الجامعات الأردنية، حيث ظلت الجامعات الأردنية مرتهنة لسياسة التزكية، أو خاضعة لقرارات التكليف من وزراء التعليم العالي، وبالتالي أصبح مسرح الجامعات الأردنية مغلقاً باحتكاره على بعض الأسماء التقليدية التي تنتقل من منصب لأخر ومن موقع لموقع، دون اي اعتبار للطاقات البشرية والكفاءات العديدة التي قد تظهر من داخل الجامعات الأردنية.
المرحلة الراهنة بمستجداتها ومتغيراتها المنتظرة تمثل واحدة من أخطر المراحل في تاريخ التعليم العالي الأردني، وهي مرحلة تحتاج لتكثيف جرعات الوعي الديمقراطي في الوسط الأكاديمي، واستشعار أعضاء هيئات التدريس والعاملين في الجامعات بأهمية دورهم التوعوي، ودورهم الهام في المشاركة الفاعلة في وضع الأسس والتعليمات التي يمكن من خلالها اختيار الرئيس القادم، بالإضافة إلى حتمية أن يكون الوسط نفسه مدركاً لأهمية المرحلة المفصلية في مسيرة إصلاح التعليم العالي الأردني، وحاجتها للتعاطي المسؤول معها قبل البدء في الدفع بعجلة الاستقلالية الجامعية التي نمني أنفسنا أن تكون استقلالية كاملة أسوة بالعالم أجمع.
أزعم بأن النجاح في التحضير لمرحلة ما قبل اختيار الرئيس أهم بكثير من مرحلة الاختيار نفسها، فهي من شأنها أن تسهم في نجاح التجربة الأولى في اختيار رئيس ونواب رئيس يكونون ممثلين حقيقيين لإرادة الجامعات الأردنية، يكون المعيار الوحيد في اختيارهم الكفاءة، بعيداً عن الدخول في دهاليز المصالح التي لن تفرز سوى قيادات جامعية مهترئة من شأنها أن تبقي التعليم الجامعي في نفق التراجع الذي لم تغادره إلا لتعود إليه وذلك منذ نحو عقد ونيف.