يحيى شقير-خلافاً للتيار العالمي وللمعايير الفضلى في عدم إقرار تشريعات منفصلة للانترنت يبدو أن الحكومة الأردنية "صاحبة اسطوانة الولاية العامة" سربت مشروع قانون المواقع الالكترونية لسنة 2012 كبالون اختبار لمعرفة ردود الفعل تجاهه.
ويجيء مشروع القانون بعد أيام قليلة من نشر لائحة "اعداء الانترنت" التي تعدها سنوياً منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تتخذ من باريس مقراً لها حيث انضمت للقائمة البحرين إضافة إلى كل من سورية والسعودية بعد أن خرجت منها ليبيا وتونس.
تفكير الحكومة الأردنية, أو الجهات التي تقف خلف هذا المشروع, برد الفعل تجاه "تكنولوجيا الحرية" هو نفس التفكير الذي كان خلف معاقبة "جوتبرغ" مخترع الطباعة أو من كانوا ضد تعليم الفتيات بحجة "انهن سيكتبن رسائل حب".
تتناسى الحكومة الأردنية أن الانترنت أصبحت أكبر وسيط في العالم وأهم وسيلة عرفها التاريخ للمواطن في إلتماس وتلقي وبث المعلومات.
وقد شاهد العالم في قمة مجموعة الثماني الكبار بتاريخ 27/5/2011 مؤسس موقع التواصل الإجتماعي Facebook, مارك زوكربيرج يحاضر بزعماء الدول الصناعية الثماني الكبرى, حاثا اياهم على عدم محاولة إقرار تشريعات للانترنت.
كما تتناسى الحكومة أن تكنولوجيا الاتصالات في تطور دائم, وخلال سنوات قليلة لن يكون ضرورياً وجود مزوذين لخدمة الانرتنت ISP حيث ستكون مجموعة من الأقمار الصناعية المرتبطة ببعضها وتدور حول الكرة الأرضية بمهمة تسهيل الإتصال بين مئات ملايين الأجهزة لاسلكياً.
وبفعل "تكنولوجيا الحرية" هذه أصبحت الأفكار والآراء تخضع لنظام السوق الحر, ولم تعد الدولة أو نخبة قليلة Lords of the press تحتكر ما يبث من معلومات وتفرض سيطرتها على العقل العام. ويعتقد عند كثير من الباحثين أن الانترنت وتكنولوجيا المعلومات المتسارعة التطور ستهزم (الديكتاتوريات المنتخبة) وأن العالم يصغر كل يوم بفعلها وأصبح كرة زجاجية, فحرية التعبير حق طبيعي وجد قبل الدول والقانون يكشف عنها ولا ينشئها. إنها "تكنولوجيا الحرية" التي ستهزم "القاضي بثوب الجنرال" عون الخصاونه.
وهنا سيكون وضع الحكومة الأردنية وغيرها ممن يفكرون بالطريقة ذاتها تماماً كالإمام البدر في اليمن في منتصف القرن الماضي الذي كان يقتني جهاز الراديو الوحيد في اليمن ويستخدم المعلومات التي يسمعها للترويج لأبناء شعبه أنه "مكشوف عنه الحجاب", فمثلاً كان يسمع خبراً بالراديو عن فيضانات وأمطار غزيرة في الهند ويخبر بذلك مستمعيه, وبعد اسابيع عندما يعود التجار والبحارة اليمنيين من الهند ويخبرون عن وجود أمطار فيستغرب الناس البسطاء عن قدرة إمامهم على معرفة الغيب.
كان ذلك قبل جيلين من الزمان أما الآن فلم تعد مثل هذه الحيل تنطلي على أحد.
والآن لنعد إلى لب الموضوع ففي الأسباب الموجبة لمشروع القانون تزعم الحكومة أنه يجيىء ليجعل "من هذا القطاع ذراعاً قوياً في ممارسة الحريات والتعبير عن الرأي, وفي الوقت ذاته يحافظ على منظومة القٍيّم المجتمعية مترابطة ومتماسكة لما لها من أهمية في بناء مجتمع واع مدرك لما يدور حقيقة, وهذا ما يجب ان تكون عليه".
وفي الوقت الذي تتم فيه المطالبة بالغاء دائرة المطبوعات والنشر لانتهاء صلاحيتها "حتى علب السردين لها وقت تنتهي فيه صلاحيتها للاستهلاك" يضخ المشروع دماً جديداً في الدائرة مع أنه سبق أن قرر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها الثلاثاء 8/3/2011 البدء الفوري في إجراءات دمج دائرة المطبوعات والنشر وهيئة الإعلام المرئي والمسموع لتصبح تحت مسمى "هيئة تنظيم قطاع الاعلام". - هذا مثال على عدم البناء التراكمي عند الحكومات الأردنية-.
الحكومة الأردنية تفعل كالحكومة السورية تماماً
مشروع القانون يخالف أولاً الدستور الأردني الذي أصبح الدستور ينص على عبارة "تكفل الدولة" 3 مرات في كفالة التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والنشر.
كما يخالف المشروع نص المادة 128 التي تنص:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
على الجميع الانتباه مبكرا, فما يحدث لا يضر الصحافيين فقط إنما يؤشر على عدم جدية الحكومة بالمضي بالإصلاح. فلا اصلاح ولا ديمقراطية من دون حرية صحافة.
على نقابة الصحافيين والصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية ولجنة التوجيه الوطني النيابية التحرك الفوري لمواجهة حملة الردة عن الحريات العامة والطبيعية, فحرية الصحافة ليست منحة من أحد, إنما حق طبيعي للإنسان وعندما جاء القانون جاء ليكشف عنها بهدف حمايتها ولم ينشئها القانون لينتقص منها كلما شاءت الحكومة, فحرية التعبير ليست جمارك ترفعها أو تخفضها الحكومة لتحريك السوق.
صحيح أن وسائل الإعلام الجديدة وخاصة الانترنت "جننت" الحكومة الأردنية, لكن لم تجننها وحدها, فقد جننت ايضا زين العابدين بن علي وحاكمة قرطاج, وجننت سوزان مبارك. الاعلام الجديد له وسائله, ومن إحدى الوسائل التي استعملها "الصحافي العالمي" في كشف ما "عمايل" حاكمة قرطاج أنهم بالتعاون مع عدد من النشطاء كانوا يرصدون طائرة الرئاسة التونسية وكم مرة حطت في مطارات اوروبا فاكتشفوا أنها في إحدى السنوات رست 30 مرة في مطارات العواصم الاوروبية, ثم عملوا مقارنة مع التصريحات الرسمية التي صدرت عن وكالة الأنباء التونسية عن زيارات رئيس الدولة للخارج فوجدوا أنها 3 زيارات, وهنا بدأت مجموعات "الفيس بوك ويو تيوب" بدحرجة القصة في العالم وهذا يسمى Mirroring بلغة الإعلام الحديث, والبقية تعرفونها.
ومؤخرا قدم المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة فرانك لارو تقريره السنوي لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وقال فيه ان "الانترنت هي واحدة من أقوى أدوات القرن 21 من أجل زيادة الشفافية في تيسير الوصول إلى المعلومات وتسهيل مشاركة المواطنين في بناء المجتمعات الديمقراطية".
واضاف ان الانترنت تتمتع بالحماية المقررة لحرية التعبير كما تنص عليها المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأكد أن قيام عدد من دول العالم بفرض تسجيل لمواقع الانترنت غير مبرر ولا يتناسب مع المعايير الدولية, مشيرا إلى أن الترخيص للترددات سببه ندرتها.
وخلافاً لتقرير المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة تنص المادة 7 من مشروع القانون أن "مدة الترخيص وفق هذا القانون (5) سنوات يجدد بعدها عبر الطرق الرسمية, وتصدر هذه التراخيص من دائرة المطبوعات والنشر ووفق قانونها".
الأردن دولة طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق العربي لحقوق الإنسان وأية تقييدات على حرية التعبير يجب أن تتماشى أولاً مع التقييدات المقبولة في المادتين 19 من العهد و32 من الميثاق ويجب أن تقتصر على الوفاء بهدف مشروع.
وغني عن القول أن الأردن دولة طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, وتم نشر ذلك في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006 كما تم نشر الميثاق العربي لحقوق الإنسان في الجريدة الرسمية, (صادق الأردن على هذا الميثاق مبكرا وتم نشره في الجريدة الرسمية مرتين الاولى بتاريخ 16/5/2004 بعدد 4658 والثانية بتاريخ 16/9/2004 بعدد 4675 وذلك لوقوع خطأ في نشره بالصيغة التي يتطلبها القانون. وبدأ نفاذ الميثاق بتاريخ 24/1/2008 ودخل هذا الميثاق حيز التنفيذ في 16/3/2008).
ويلاحظ أن المواثيق الدولية تكرر ثلاث كلمات لضمان حرية الرأي والتعبير وهي: استقاء (آو التماس) وتلقي وبث المعلومات.
كما أن مواقع الإنترنت التابعة للصحف اليومية مثلاً, تضم مواد بصرية وسمعية, فهل تحتاج لترخيص من الحكومة بموجب اللائحة الجديدة, وتقدم كفالة مالية بقيمة 15 الف دينار? وذلك سنداً للمادة 6 من المشروع التي تشترط أيضاً فيمن يرغب بالتسجيل او الترخيص لمزاولة انشطة النشر الإلكترونية الاخبارية ان يكون اردني الجنسية. فهل يعني ذلك منع غير الأردنيين من إنشاء موقع أو مدونة على الانترنت, كما في السعودية مثلاً?.
كم تنص المادة 12 - ج "للمدعي العام اصدار امر بحجب الموقع عن الشبكة الالكترونية في حال مخالفته هذا القانون". أفلا يحترم قاضي محكمة العدل الدولية السابق مبدأ "شرعية العقاب" وأنه لا يجوز فرضه من المدعي العام - الذي لا يجوز له أصلاً وزن البينة- إنما بقرار من المحكمة?
المادة 15: "كل من يخالف هذا القانون ولم يقم بالحصول على التراخيص اللازمة من دائرة المطبوعات والنشر يغرم مبلغ (20) الف دينار ويطبق عليه قانون الجرائم الالكترونية وقانون العقوبات".
هناك في الأردن مئات آلاف الأطفال لهم حسابات على facebook مثلاً, وبوجب المشروع عليهم تسجيل مواقعه بدائرة المطبوعات ومن لا يفعل ذلك يكون معرضاً لغرامة 20 الف دينار. ما المنطق خلف هذا المشروع?!
إن مثل هذه الغرامات سيكون لها تأثير سلبي Chilling effect على زيادة الرقابة الذاتية عند المواطنين بما يعادل الرقابة المسبقة. ومثل هذه الأرقام الفلكية في الغرامات لا توجد حتى في قانون حماية البيئة ونظام حماية البيئة البحرية عند إلقاء نفايات ملوثة في البحر.
ما يجري في الأردن هو أكبر ضربة توجه لحرية التعبير وحرية الصحافة بعد عام 1997 عندما أصدرت الحكومة آنذاك قانون المطبوعات والنشر رقم 27 والذي أصدرت محكمة العدل العليا قراراتها الثلاثة بعدم دستوريته. وكان من نتائج ذلك القانون تراجع مكانة الأردن في كافة التقارير الدولية لحرية الصحافة, لكن ارتفع مؤشر الأردن في استقلالية القضاء وحكم القانون.
إن دولة القانون هي التي تلتزم نصا وروحا بدستورها وقوانينها والتي يجب أن تتناغم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وهناك فرق بين مصطلحي حُكم القانون أو سيادة القانون Rule of law والحُكم بالقانون Rule by law فلا ديمقراطية بلا حريات صحافية ومن يخشى نقد الصحافة ليجلس في بيته.
ويجيء مشروع القانون بعد أيام قليلة من نشر لائحة "اعداء الانترنت" التي تعدها سنوياً منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تتخذ من باريس مقراً لها حيث انضمت للقائمة البحرين إضافة إلى كل من سورية والسعودية بعد أن خرجت منها ليبيا وتونس.
تفكير الحكومة الأردنية, أو الجهات التي تقف خلف هذا المشروع, برد الفعل تجاه "تكنولوجيا الحرية" هو نفس التفكير الذي كان خلف معاقبة "جوتبرغ" مخترع الطباعة أو من كانوا ضد تعليم الفتيات بحجة "انهن سيكتبن رسائل حب".
تتناسى الحكومة الأردنية أن الانترنت أصبحت أكبر وسيط في العالم وأهم وسيلة عرفها التاريخ للمواطن في إلتماس وتلقي وبث المعلومات.
وقد شاهد العالم في قمة مجموعة الثماني الكبار بتاريخ 27/5/2011 مؤسس موقع التواصل الإجتماعي Facebook, مارك زوكربيرج يحاضر بزعماء الدول الصناعية الثماني الكبرى, حاثا اياهم على عدم محاولة إقرار تشريعات للانترنت.
كما تتناسى الحكومة أن تكنولوجيا الاتصالات في تطور دائم, وخلال سنوات قليلة لن يكون ضرورياً وجود مزوذين لخدمة الانرتنت ISP حيث ستكون مجموعة من الأقمار الصناعية المرتبطة ببعضها وتدور حول الكرة الأرضية بمهمة تسهيل الإتصال بين مئات ملايين الأجهزة لاسلكياً.
وبفعل "تكنولوجيا الحرية" هذه أصبحت الأفكار والآراء تخضع لنظام السوق الحر, ولم تعد الدولة أو نخبة قليلة Lords of the press تحتكر ما يبث من معلومات وتفرض سيطرتها على العقل العام. ويعتقد عند كثير من الباحثين أن الانترنت وتكنولوجيا المعلومات المتسارعة التطور ستهزم (الديكتاتوريات المنتخبة) وأن العالم يصغر كل يوم بفعلها وأصبح كرة زجاجية, فحرية التعبير حق طبيعي وجد قبل الدول والقانون يكشف عنها ولا ينشئها. إنها "تكنولوجيا الحرية" التي ستهزم "القاضي بثوب الجنرال" عون الخصاونه.
وهنا سيكون وضع الحكومة الأردنية وغيرها ممن يفكرون بالطريقة ذاتها تماماً كالإمام البدر في اليمن في منتصف القرن الماضي الذي كان يقتني جهاز الراديو الوحيد في اليمن ويستخدم المعلومات التي يسمعها للترويج لأبناء شعبه أنه "مكشوف عنه الحجاب", فمثلاً كان يسمع خبراً بالراديو عن فيضانات وأمطار غزيرة في الهند ويخبر بذلك مستمعيه, وبعد اسابيع عندما يعود التجار والبحارة اليمنيين من الهند ويخبرون عن وجود أمطار فيستغرب الناس البسطاء عن قدرة إمامهم على معرفة الغيب.
كان ذلك قبل جيلين من الزمان أما الآن فلم تعد مثل هذه الحيل تنطلي على أحد.
والآن لنعد إلى لب الموضوع ففي الأسباب الموجبة لمشروع القانون تزعم الحكومة أنه يجيىء ليجعل "من هذا القطاع ذراعاً قوياً في ممارسة الحريات والتعبير عن الرأي, وفي الوقت ذاته يحافظ على منظومة القٍيّم المجتمعية مترابطة ومتماسكة لما لها من أهمية في بناء مجتمع واع مدرك لما يدور حقيقة, وهذا ما يجب ان تكون عليه".
وفي الوقت الذي تتم فيه المطالبة بالغاء دائرة المطبوعات والنشر لانتهاء صلاحيتها "حتى علب السردين لها وقت تنتهي فيه صلاحيتها للاستهلاك" يضخ المشروع دماً جديداً في الدائرة مع أنه سبق أن قرر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها الثلاثاء 8/3/2011 البدء الفوري في إجراءات دمج دائرة المطبوعات والنشر وهيئة الإعلام المرئي والمسموع لتصبح تحت مسمى "هيئة تنظيم قطاع الاعلام". - هذا مثال على عدم البناء التراكمي عند الحكومات الأردنية-.
الحكومة الأردنية تفعل كالحكومة السورية تماماً
مشروع القانون يخالف أولاً الدستور الأردني الذي أصبح الدستور ينص على عبارة "تكفل الدولة" 3 مرات في كفالة التعبير عن الرأي وحرية الصحافة والنشر.
كما يخالف المشروع نص المادة 128 التي تنص:
1- لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
على الجميع الانتباه مبكرا, فما يحدث لا يضر الصحافيين فقط إنما يؤشر على عدم جدية الحكومة بالمضي بالإصلاح. فلا اصلاح ولا ديمقراطية من دون حرية صحافة.
على نقابة الصحافيين والصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية ولجنة التوجيه الوطني النيابية التحرك الفوري لمواجهة حملة الردة عن الحريات العامة والطبيعية, فحرية الصحافة ليست منحة من أحد, إنما حق طبيعي للإنسان وعندما جاء القانون جاء ليكشف عنها بهدف حمايتها ولم ينشئها القانون لينتقص منها كلما شاءت الحكومة, فحرية التعبير ليست جمارك ترفعها أو تخفضها الحكومة لتحريك السوق.
صحيح أن وسائل الإعلام الجديدة وخاصة الانترنت "جننت" الحكومة الأردنية, لكن لم تجننها وحدها, فقد جننت ايضا زين العابدين بن علي وحاكمة قرطاج, وجننت سوزان مبارك. الاعلام الجديد له وسائله, ومن إحدى الوسائل التي استعملها "الصحافي العالمي" في كشف ما "عمايل" حاكمة قرطاج أنهم بالتعاون مع عدد من النشطاء كانوا يرصدون طائرة الرئاسة التونسية وكم مرة حطت في مطارات اوروبا فاكتشفوا أنها في إحدى السنوات رست 30 مرة في مطارات العواصم الاوروبية, ثم عملوا مقارنة مع التصريحات الرسمية التي صدرت عن وكالة الأنباء التونسية عن زيارات رئيس الدولة للخارج فوجدوا أنها 3 زيارات, وهنا بدأت مجموعات "الفيس بوك ويو تيوب" بدحرجة القصة في العالم وهذا يسمى Mirroring بلغة الإعلام الحديث, والبقية تعرفونها.
ومؤخرا قدم المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة فرانك لارو تقريره السنوي لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وقال فيه ان "الانترنت هي واحدة من أقوى أدوات القرن 21 من أجل زيادة الشفافية في تيسير الوصول إلى المعلومات وتسهيل مشاركة المواطنين في بناء المجتمعات الديمقراطية".
واضاف ان الانترنت تتمتع بالحماية المقررة لحرية التعبير كما تنص عليها المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وأكد أن قيام عدد من دول العالم بفرض تسجيل لمواقع الانترنت غير مبرر ولا يتناسب مع المعايير الدولية, مشيرا إلى أن الترخيص للترددات سببه ندرتها.
وخلافاً لتقرير المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة تنص المادة 7 من مشروع القانون أن "مدة الترخيص وفق هذا القانون (5) سنوات يجدد بعدها عبر الطرق الرسمية, وتصدر هذه التراخيص من دائرة المطبوعات والنشر ووفق قانونها".
الأردن دولة طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق العربي لحقوق الإنسان وأية تقييدات على حرية التعبير يجب أن تتماشى أولاً مع التقييدات المقبولة في المادتين 19 من العهد و32 من الميثاق ويجب أن تقتصر على الوفاء بهدف مشروع.
وغني عن القول أن الأردن دولة طرف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية, وتم نشر ذلك في الجريدة الرسمية بتاريخ 15/6/2006 كما تم نشر الميثاق العربي لحقوق الإنسان في الجريدة الرسمية, (صادق الأردن على هذا الميثاق مبكرا وتم نشره في الجريدة الرسمية مرتين الاولى بتاريخ 16/5/2004 بعدد 4658 والثانية بتاريخ 16/9/2004 بعدد 4675 وذلك لوقوع خطأ في نشره بالصيغة التي يتطلبها القانون. وبدأ نفاذ الميثاق بتاريخ 24/1/2008 ودخل هذا الميثاق حيز التنفيذ في 16/3/2008).
ويلاحظ أن المواثيق الدولية تكرر ثلاث كلمات لضمان حرية الرأي والتعبير وهي: استقاء (آو التماس) وتلقي وبث المعلومات.
كما أن مواقع الإنترنت التابعة للصحف اليومية مثلاً, تضم مواد بصرية وسمعية, فهل تحتاج لترخيص من الحكومة بموجب اللائحة الجديدة, وتقدم كفالة مالية بقيمة 15 الف دينار? وذلك سنداً للمادة 6 من المشروع التي تشترط أيضاً فيمن يرغب بالتسجيل او الترخيص لمزاولة انشطة النشر الإلكترونية الاخبارية ان يكون اردني الجنسية. فهل يعني ذلك منع غير الأردنيين من إنشاء موقع أو مدونة على الانترنت, كما في السعودية مثلاً?.
كم تنص المادة 12 - ج "للمدعي العام اصدار امر بحجب الموقع عن الشبكة الالكترونية في حال مخالفته هذا القانون". أفلا يحترم قاضي محكمة العدل الدولية السابق مبدأ "شرعية العقاب" وأنه لا يجوز فرضه من المدعي العام - الذي لا يجوز له أصلاً وزن البينة- إنما بقرار من المحكمة?
المادة 15: "كل من يخالف هذا القانون ولم يقم بالحصول على التراخيص اللازمة من دائرة المطبوعات والنشر يغرم مبلغ (20) الف دينار ويطبق عليه قانون الجرائم الالكترونية وقانون العقوبات".
هناك في الأردن مئات آلاف الأطفال لهم حسابات على facebook مثلاً, وبوجب المشروع عليهم تسجيل مواقعه بدائرة المطبوعات ومن لا يفعل ذلك يكون معرضاً لغرامة 20 الف دينار. ما المنطق خلف هذا المشروع?!
إن مثل هذه الغرامات سيكون لها تأثير سلبي Chilling effect على زيادة الرقابة الذاتية عند المواطنين بما يعادل الرقابة المسبقة. ومثل هذه الأرقام الفلكية في الغرامات لا توجد حتى في قانون حماية البيئة ونظام حماية البيئة البحرية عند إلقاء نفايات ملوثة في البحر.
ما يجري في الأردن هو أكبر ضربة توجه لحرية التعبير وحرية الصحافة بعد عام 1997 عندما أصدرت الحكومة آنذاك قانون المطبوعات والنشر رقم 27 والذي أصدرت محكمة العدل العليا قراراتها الثلاثة بعدم دستوريته. وكان من نتائج ذلك القانون تراجع مكانة الأردن في كافة التقارير الدولية لحرية الصحافة, لكن ارتفع مؤشر الأردن في استقلالية القضاء وحكم القانون.
إن دولة القانون هي التي تلتزم نصا وروحا بدستورها وقوانينها والتي يجب أن تتناغم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وهناك فرق بين مصطلحي حُكم القانون أو سيادة القانون Rule of law والحُكم بالقانون Rule by law فلا ديمقراطية بلا حريات صحافية ومن يخشى نقد الصحافة ليجلس في بيته.