أفتى ديوان التشريع والرأي بان الطعن المقدم لدى المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩، لا يقوم على أساس قانوني و /أو واقعي.
وأكد الديوان في رده على كتاب رئيس الوزراء والذي اطلعت عليه عمون، أن المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩ موضوع الطعن تتفق وأحكام الدستور ولا تخالفه.
وقال، إنه بعد العودة للطلب المقدم في الدعوى الإدارية بتاريخ ۲۰۲٣/١٠/٤ وقراءتهما قراءة كاملة متكاملة وليست مجتزأة والتدقيق في كل ما جاء فيهما والتحقق من صحة القرار الصادر عن المحكمة الإدارية المتضمن الدفع بعدم دستورية نص المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩ وإحالة الطلب إلى المحكمة الدستورية لإجراء المقتضى القانوني؛ فإننا نرى بأن الطعن مردود شكلا للأسباب التالية:
أولا : ١- نصت المادة (٣٤) (الملغاة) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩ على ما يلي:
"لا يقطع راتب التقاعد عن الموظفة التي اكتسبت راتباً تقاعدياً عن خدماتها في حالة زواجها وإذا توفيت انتقل راتبها إلى مستحقيه وفاقاً لأحكام هذا القانون إذا ثبت احتياجهم وثبت أيضا أن الموظفة كانت مسؤولة مباشرة عن اعالتهم."
2- وتنص المادة (۱۷) من القانون المعدل لقانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ٢٠١٨، الذي أصبح معمولا به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في ۲۰۱۸/۱۰/۱، على ما يلي:
"يعدل القانون الأصلي بإلغاء المادة (٣٤) منه".
ثانيا: تنص الفقرة (۱) من المادة (٥٩) من الدستور لسنة ١٩٥٢ على ما يلي:
1 - تختص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتصدر أحكامها باسم الملك، وتكون أحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات وللكافة، كما تكون أحكامها نافذة بأثر مباشر ما لم يحدد الحكم تاريخاً آخر لنفاذه، وتنشر أحكام المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ."
ثالثا: تنص الفقرة (أ) من المادة (٤) من قانون المحكمة الدستورية رقم (١٥) لسـنة ۲۰۱۲ على ما يلي:
"تختص المحكمة بما يلي:
أ- الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة."
وبين لديوان أنه بالاطلاع على نصوص الدستور ونص المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩، وحتى تبسط المحكمة الدستورية رقابتها على الطعن المائل لغايات مباشرة اختصاصها الدستوري وبما يحقق الغرض من هذه الرقابة، فإنه لا بد من أن تتصل بالطعن اتصالاً دستوريا وقانونيا بحيث يرد الطعن إلى المحكمة الدستورية مستوفيا لشرائط تقديمه ولجميع عناصر قبول الدعوى الدستورية.
واستشهد في ذلك بقرار المحكمة الدستورية الأردنية رقم (۲۰۱۷/۱) (هيئة عامة تاريخ ۲۰۲۳/۳/۱۹)،
ووجد ديوان التشريع والرأي ما يلي:
1 - إن الدفع بعدم الدستورية ينصب على نص المادة (٣٤) والذي تم إلغاؤه بمقتضى القانون المعدل لقانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ۲۰۱٨ اعتبارا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ ۲۰۱۸/۱۰/۱
٢ - إن الفقرة (1) من المادة (٥٩) من الدستور والفقرة (أ) من المادة (٤) من قانون المحكمة الدستورية، قد عقدتا اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة فحسب.
٣ - بتاريخ ٢٠٢٤/١/١٥ ، قدم الطلب في الدعوى الإدارية والمتضمن الدفع بعدم دستورية المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩، في حين كانت هذه المادة قد تم إلغاؤها بمقتضى التعديل الساري المفعول بتاريخ ۲۰۱۸/۱۰/۱ بما يعني أن الطعن بعدم دستورية المادة (٣٤) قد انصب على نص كان ملغى بتاريخ سابق لتاريخ تقديم الطعن.
4- جاء الدفع بعدم دستورية المادة (٣٤) (الملغاة) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩ بحجة أن هذه المادة كانت سارية المفعول عند وفاة والدة المستدعية وعند صدور قراري لجنة التقاعد المدني رقم ...... تاريخ ۲۰۱۸/۱/۱۷ أي قبل التعديل الذي حصل على تلك المادة بإلغائها بتاريخ ۲۰۱۸/۱۰/۱ بمقتضى القانون المعدل رقم (٣٤) لسنة ۲۰۱۸، فنرى أن في هذا القول مجافاة للقاعدة القانونية القائلة بوجوب السريان المباشر لأحكام التشريع الجديد من حيث الزمان.
أضاف الديوان: وعليه، وحيث أن الفقرة الأولى من المادة (٥٩) من الدستور تنص على أن (تختص المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة...) كما أن الفقرة (أ) من المادة (٤) من قانون المحكمة الدستورية قد صدعت للحكم الذي أرساه الدستور، بهذا الصدد، والذي مؤداه أن الركن الركين للاختصاص المعقود للمحكمة الدستورية، بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة مشروط بكونها سارية المفعول مرعية النفاذ، وحيث أن الطعن الماثل المقدم من المستدعية، بتاريخ (٢٠٢٤/١/١٥) أثناء نظر الدعوى الإدارية، يتناول نص ثبت أنه كان بهذا التاريخ غير نافذ لعلة سبق إلغائه، فإن ما يؤسس على هذا انتفاء اختصاص المحكمة الدستورية للنظر بالطعن بعدم دستورية المادة (٣٤) (الملغاة) من قانون التقاعد المدني رقم (٣٤) لسنة ١٩٥٩ مما يقتضي رد الطعن. (أنظر في ذلك قرار المحكمة الدستورية الأردنية رقم ( ۲۰۲۲/۱) (هيئة عامة)
وأبدى الديوان أسبابا لرد الطعن وفقا لما يلي:
أولا: لا توجد أسباب طعن جدية توحي بوجود شبهة عدم دستورية النص المطعون به على خلاف ما ذهبت إليه محكمة الموضوع الموقرة، فوكيل الجهة المستدعية أورد أسباباً تعتبر في مجملها أوصافاً وأقوالاً مرسلة خالية من الدليل على الجدية التي تتطلبها أحكام المادة (۱۱) من قانون المحكمة الدستورية كسبب لإحالة الدفع للمحكمة الدستورية.
ثانيا: الأصل سلامة كل ما يصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية من قوانين وأنظمة، وأن كل ما يصدر عنهما يتمتع بقرينة الدستورية، وهذا يدفع بالمحاكم الدستورية عند فحصها لهذه الأعمال أن تضع في اعتبارها ألا تقضي بعدم الدستورية إلا إذا كان التعارض بين النص التشريعي المطعون فيه والدستور واضحاً وصريحاً بحيث ينعدم معه السبيل إلى التوفيق بينهما، وكانت عبارات هذا النص التشريعي وصياغته لا تحتمل أي لبس في فهم معناها. ومقتضى ذلك أن قرينة دستورية القوانين والأنظمة تتطلب من المحكمة الدستورية الموقرة ألا تقضي بعدم الدستورية إلا إذا كان ذلك واضحاً وقاطعاً بحيث لا يبقى مجالا للشك في احتمال عدم دستورية هذا القانون.
كما تفترض قرينة الدستورية أن تأخذ المحكمة بالتفسير الذي يجعل القانون متوافقاً مع الدستور، فإذا أمكن تفسير القانون أو النظام على أكثر من وجه وكان أحد هذه الوجوه متفقاً مع الدستور يأخذ القضاء الدستوري بهذا التفسير ما دامت عبارات النص تحتمله، وقد عبّرت عن ذلك المحكمة الدستورية العليا المصرية بقولها ((إن الأصل في النصوص التشريعية هو حملها على قرينة الدستورية بإفتراض مطابقتها للدستور، ومن ثم لا يجوز أن يكون سريانها متراخيا، بل يكون إنفاذها، واعتبارا من تاريخ العمل بها لازماً.
ولا يجوز بالتالي أن يكون مجرد الطعن عليها موقفاً لأحكامها، أو مانعا من فرضها على المخاطبين بها، وذلك أن إبطالها لا يكون إلا بقرار من المحكمة الدستورية العليا إذا ما قام لديها الدليل على مخالفتها للدستور ...))
ثالثا: إن الطعن مردود موضوعا ذلك أن الفقرتان (1) و (6) من المادة (6) من الدستور الأردني لسنة ١٩٥٢ نصتا على ما يلي:
"المادة ٦-١- الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.
٦- تكفل الدولة تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز."
ويرى ديوان التشريع والرأي وفق القرار الذي اطلعت عليه عمون، ما يلي:
1- إن ما أورده وكيل المستدعية من دفوع تتعلق بعدم دستورية المادة (٣٤) (الملغاة) من قانون التقاعد المدني كونها تميز بين الموظف والموظفة الذكر والأنثى وتميز بين ورثة الموظف المتوفى وورثة الموظفة المتوفاة من حيث استحقاق الراتب التقاعدي من حيث أن الراتب التقاعدي للموظف المتوفى ينتقل إلى زوجته وأفراد عائلته المستحقين للراتب التقاعدي دون اشتراط الحاجة والإعالة في حين أن راتب الموظفة (حسب النص المطعون بعدم دستوريته) ينتقل بعد وفاتها إلى مستحقيه إذا ثبت احتياجهم وأن الموظفة كانت مسؤولة مباشرة عن اعالتهم، فإننا نرى بأن هذا القول غير سديد وأنه دفع لا يمس حقوق المستدعية ويجافي الواقع القانوني وحري بالردة للأسباب التالية:
أ- إن أحكام قانون التقاعد المدني تعتبر تنفيذا لأحكام الدستور ولا تخالفه من هذه الناحية، حيث جاء اصدار القانون المطعون بعدم دستورية المادة (٣٤) (الملغاة) التي كانت واردة فيه والمشار إليها أعلاه صحيحا ولم يتعد صراحة الحدود المبينة في القانون، كما أن الجهات المعنية قد أيدت اصداره بالشكل الذي ورد فيه واكتسب بذلك الصفة الشرعية، وهو نص قانوني كان قائما وموجودا ومطبقا منذ مدة تزيد على ستين عاما إلى أن تم إلغاؤه بمقتضى القانون المعدل رقم (٣٤) لسنة ۲۰۱٨، وبالتالي فإنه ليس في ذلك أية مخالفة للدستور وأن طعن المستدعية والحالة هذه يستوجب الرد. عمون
ب- لما كان نص المادة (٣٤) من قانون التقاعد المدني المطعون بعدم دستوريته بداعي مخالفته لأحكام الفقرة (1) من المادة (٦) من الدستور قد تضمن قاعدة عامة تسري على كافة المخاطبين بها وهي الموظفة التي اكتسبت راتبا تقاعديا عن خدماتها فلا يقطع راتب التقاعد عنها في حالة زواجها وإذا توفيت ينتقل راتبها إلى مستحقيه بالشروط المنصوص عليها في تلك المادة ولم تميز بين موظفة وأخرى بل على العكس من ذلك فقد وضعت المادة ذاتها شروطا لانتقال راتب التقاعد لتلك الموظفة والتي لا تعدو أن تكون أمورا تنظيمية وفقا لظروف واعتبارات كثيرة متعددة يعود أمر تقديرها للمشرع الذي يملك بحكم سلطته التقديرية في مجال نهوضه بالمهام التشريعية الموكولة إليه الملاءمة والموازنة بين مختلف الوسائل وأن يضع الشروط التي تتحدد بمقتضاها المراكز القانونية مستجيبا في كل ذلك المقتضيات الصالح العام والتي لم تمس أو تنتقص من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، وبالتالي فإن هذا النص يخلو من أي شبهة دستورية ويجعل الطعن في غير محله.
2- يتمتع المشرع بسلطة تقديرية، يستقل بها في مجال نهوضه بمهامه التشريعية، ع مون، وهذه السلطة ترفده بمكنة، تخوله إجراء المفاضلة بين مختلف الخيارات والبدائل، مستجيباً في كل ذلك لمقتضيات الصالح العام، وضمن هذا السياق يتولى وضع الشروط الموضوعية التي تتحدد بمقتضاها المراكز القانونية التي يتساوى فيها الأفراد أمام القانون، ويتحقق مبدأ المساواة عندما يخضع المشرع جميع المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة، كما يتحقق مبدأ المساواة عندما يأخذ المشرع بقاعدة تطبيق معاملة قانونية مختلفة، على المراكز القانونية المختلفة.
وعليه، ولكل ما تقدم، ولما كان وكيل المستدعية لم يرتسم الأصول المقررة لكيفية إثارة الدفع بعدم دستورية ذلك النص (الملغى) المطعون بعدم دستوريته والشروط المقررة لقبوله المنصوص عليها في قانون المحكمة الدستورية، وأن تلك الأصول المقررة لكيفية إثارة الدفع وإتصال المحكمة الدستورية به، وبالعموم أصول التداعي في المسألة الدستورية، هي من متعلقات النظام العام بإعتبار ان المشرع قد تفيا من ورائها حسن تنظيم وسير العداله، فإن دفع وكيل المستدعية يكون والحالة هذه حريا بالرد، ولا يقوم على أساس من الدستور والقانون، ولا يصلح النقض قرينة سلامة القرار الطعين.