ولهذا السبب، قام البنك الدولي بتضمين الأمن الغذائي ضمن التحديات العالمية الثمانية التي يجب معالجتها على نطاق واسع. وقد قام البنك بتخصيص مبلغ 45 مليار دولار لمعالجة هذه القضايا وحماية سبل كسب العيش في جميع أنحاء العالم، متجاوزا حجم ارتباطه الأولي المتوقع البالغ 30 مليار دولار الذي أعلنه البنك في أيار (مايو) 2022.
لضمان وجود سياسات فعالة وخطط استجابة، يجب توقع وفهم تطور الأمن الغذائي وردود الأفعال المرتبطة به على الاتجاهات المستقبلية، مع التركيز على أوضاع الأمن الغذائي العالمي في العام 2024 وما بعده، حيث تشير التوقعات إلى استقرار بوتيرة بطيئة في ظل تزايد التفاوتات بين فئات الدخل.
التقرير يشير إلى نقطتين بغاية الأهمية؛ أولا، أن الوضع العالمي للأمن الغذائي يستقر بوتيرة بطيئة، حيث يتعافى العالم ببطء من تداعيات جائحة كورونا والتوترات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، مما يؤثر على الاستقرار الاقتصادي. يتسبب ارتفاع معدلات التضخم، وتشديد السياسات النقدية، وانخفاض الدعم المالي، والظواهر المناخية الحادة في زيادة الضغوط على النمو الاقتصادي العالمي.
ثانيا، يكشف تقرير تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عن الأمن الغذائي عن تفاوتات واضحة بين فئات الدخل، حيث يختبئ وراء الاستقرار العام في الأمن الغذائي العالمي تحديات كبيرة. وبينما تظهر البلدان ذات الدخل المرتفع تحسنا واعدا، تواجه البلدان ذات الدخل المنخفض مكاسب قصيرة الأجل فقط، بينما تتوقع زيادة في عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في البلدان ذات الدخل المنخفض.
يقدر تقرير آفاق الأمن الغذائي العالمي أنه لتوفير شبكة أمان اجتماعي تغطي 25 % من احتياجات السعرات الحرارية اليومية لمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ستحتاج العالم إلى تمويل سنوي يبلغ حوالي 90 مليار دولار حتى العام 2030. هذا يستند إلى توقعات الفترة حتى 2027-2029، ولكن في حالة حدوث تغيرات كبيرة، مثل ارتفاع التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع الأولية، فإن هذه الاحتياجات قد ترتفع بشكل كبير إلى حوالي 120 مليار دولار سنويا. وبالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن تكلفة معالجة سوء التغذية بين النساء والأطفال تتجاوز 11 مليار دولار سنويا، بينما يمكن أن تحتاج تحويلات النظام الغذائي العالمي إلى ما بين 300 و400 مليار دولار سنويا.
تشير هذه الأرقام، حسب تقرير البنك الدولي، إلى أن الإجمالي المطلوب لمعالجة الأمن الغذائي والتغذوي على مستوى العالم يمكن أن يصل إلى 500 مليار دولار سنويا، وهو ما يعد صغيرا نسبيا بنسبة 0.5 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ومع ذلك، يجب مراعاة أن هذا التقدير محتمل أن يكون متحفظا، حيث لا يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الكاملة للسعرات الحرارية أو التغذية الكافية، ولا يعكس الآثار الطويلة الأجل لسوء التغذية الحالي. كما أنه يفرض عبئا ثقيلا بشكل غير متناسب على البلدان منخفضة الدخل، حيث يعادل التمويل المطلوب حوالي 95 % من إجمالي ناتجها المحلي، مما يبرز الحاجة إلى مسؤولية عالمية مشتركة لمواجهة هذه التحديات.