بين يدي جلال الملك: الأسباب الحقيقية للمشاجرات الطلابية
لا بد من الاعتراف بأن ظاهرة المشاجرات بين طلاب الجامعات قد أصبحت من القضايا الساخنة والملحة لدرجة أنها باتت تستأثر بالرأي العام واهتمام المواطنين ووسائل الإعلام والمسئولين الحكوميين وعلى رأسهم جلالة الملك عبد الله شخصيا نفسه. وقد قرأت العديد من المقالات وشاهدت الكثير من حلقات النقاش المتلفزة حول الموضوع ولكنها جميعا لم تشخص من وجهة نظري الأسباب الحقيقة تلك المشاجرات وألقت اللوم في غالب الأحيان على الطلاب وانعدام العدالة في القبول للجامعات وعلى حساب المكرمات وأوائل المحافظات وغيرها من الأسباب. وقد ثبت من خلال العديد من الدراسات والتحقيقات التي أجرتها الجامعات أن هذه الادعاء غير صحيح وان المشاجرات لا تقع بين الطلاب المقبولين على حساب المكرمات وأوائل المحافظات والطلاب المقبولين على التنافس أو الموازي بل بالعكس أنها تقع في غالب الأحيان بين الطلاب الذين يدرسون على حساب المكرمات ومن أبناء العشائر تحديدا. وبالتالي فان ربط المشاجرات بانعدام العدالة في القبولات ليس له أساس من الصحة وبالتالي يجب أن يتوقف الحديث عن هذا الموضوع لان المكرمات تمثل قمة العدالة لأنها تعطي فرصة للطلاب من المحافظات والبوادي والأرياف والمخيمات ولولاها لما درس الكثير منهم في الجامعات. اما الأسباب الرئيسية للمشاجرات فيمكن إجمالها بما يلي:
1. الطريقة الشاذة التي تتبع في تعيين رؤساء الجامعات والإداريين والتي تعتمد على الواسطات والعلاقات الشخصية أكثر من اعتمادها على التنافس الحر والشفافية ومبدأ تكافؤ الفرص مما يؤدي إلى وصول رؤساء جامعات غير مقنعين لا لأعضاء الهيئات التدريسية ولا للطلاب وفي الغالب يجلسون في مكاتبهم العاجية وينشغلون في كيفية إرضاء الجهات الرسمية التي ساهمت في تعيينهم مما يجعلهم غير قادرين عن اتخاذ القرارات الضرورية لإدارة الجامعة وتراهم حذرين وخائفين ومترددين في اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق الطلبة الذين يخالفون الأنظمة والتعليمات أو الذين يشتركون في المشاجرات.
2. طريقة التدريس في الجامعات التي تعتمد في كثير من الأحيان على المذكرات والدوسيات المكررة منذ عدة سنوات مما يجعل المادة الدراسية قديمة ومملة وغير مفيدة لا يحضرها الطلاب إلا خوفا من الحرمان. هذه الطريقة في التدريس تؤدي إلى عدم وجود دافعية حقيقية للطلاب لحضور المحاضرات أو الدراسة كما أنها تخلق لديهم فراغ طويل وقاتل يدفعهم للتجمعات والاحتكاكات التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الخلافات المشاجرات الفردية التي تتطور إلى مشاجرات جماعية.
3. عدم تكليف الطلاب بإجراء بحوث ودراسات جادة حول المساقات الدراسية تتطلب منهم الرجوع إلى مراجع حديثة في المكتبة العامة والاكتفاء بتكليف الطلاب بأعداد دراسات أو تقارير شكلية مسروقة أو مأخوذة أو مكررة لا تشجع الأساتذة على دراستها ويتم تقييمها بصورة تقديرية ووضع أسئلة بسيطة مريحة للتصحيح تمكن الجميع من النجاح
4. عدم تشجيع الطلاب على استخدام الحواسب المتنقلة لمتابعة المحاضرات واخذ الملاحظات وعدم تشغيل شبكة انترنت لاسلكية في الكليات لتساعد الطلاب على استخدامها وانشغال بها لتحضير دروسهم وأبحاثهم ومتابعة المستجدات في الإخبار والمعلومات. وهذا يدل على جهل بعض الإدارات في إدراك أهمية وجود مثل هذه الشبكات والتي أصبحت من البديهيات في مختلف الجامعات والفنادق والكوفي شوبات.
5. التساهل في إنزال العقوبات التي تنص عليها الأنظمة والتعليمات لكل من يشترك بأعمال الغش والعنف والتراجع أحيانا عن الإحكام التي تصدر بحق بعض المخالفين وإلغائها تحت ضغط أولياء الأمور والنواب والمسئولين مما أعطى الانطباع للطلاب عن عجز الجامعات عن إيقاع عقوبات حقيقية على مرتكبي المشاجرات والمخالفات.
باختصار فإنني أرى أن الأسباب الرئيسية للمشاجرات الطلابية داخل الجامعات إنما تقع على عاتق الإدارات الجامعية وأساتذة الجامعات قبل الطلاب لأنهم فشلوا إداريا وأكاديميا في تطوير العملية التعليمية وخطط دراسية جدية تحتوي على مادة دراسية مناسبة وكافية كما ونوعا قادرة على إشغال اكبر وقت لدى الطلاب وعدم توفير شبكة انترنت لاسلكية وغيرها من وسائل التعليم التكنولوجية التي يمكن أن تساهم في إشغال وقت الطلاب, والتساهل مع الطلاب الذين يخالفون التعليمات ويرتكبون أعمال الغش وإلحاق الضرر بالممتلكات والاشتراك في المشاجرات.
ولذلك أقول بكل أمانة أن الحل الجدي لهذه المشكلة إنما يكمن في تغيير أسلوب الواسطات والتنفيعات في تعيين رؤساء الجامعات والمسئولين فيها بحيث يتم ذلك من خلال الإعلان واختيار الأفضل من بين المتقدمين وضمان أن يكون الرئيس الذي يقع عليه الاختيار موضع ثقة واحترام الطلاب قبل الأساتذة وان يتمتع بشخصية قيادية وإدارية ولديه الجرأة لاتخاذ القرارات السليمة التي تخدم الجامعة والعملية التعليمية دون خوف أو تردد. كما لا بد من تعيين بقية المناصب الإدارية والأكاديمية بنفس الطريقة ومن قبل لجان خاصة دون تنسيب من الرئيس حتى نخلص من الشللية والمحسوبية في التعيينات الإدارية والأكاديمية في الجامعات. كما لا بد من ربط استمرار المنح والمكرمات بسلوك الطلاب بحث تسحب تلك المنح والمكرمات من الطلاب الذين يشتركون في المشاجرات. وأخيرا لا بد من اتفاق جميع الجامعات على عدم قبول أي طالب يطرد من جامعة في أي جامعة أخري ومنع السماح بإدخال أبناء بعض المسئولين والموظفين في الحكومة والأجهزة الأمنية والجيش بالسيارات الحكومية والعسكرية داخل الجامعات.وأخيرا هل يعقل أن تبقي الجامعة الأردنية دون رئيس دائم أكثر من شهرين وهو في نظري من الأسباب التي ساهمت المشاجرات الطلابية لأنهم يشعرون بعدم وجود رئيس للجامعة .
أ. د. عبد المهدي السودي- أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأردنية