وهم المعايير الدولية

وهم المعايير الدولية
د. عبد الله فيصل آل ربح
أخبار البلد -  

اعتادت المجتمعات وضع معيارية تُصنِّف الصواب من الخطأ، والمقبول من المرفوض، تلك المعيارية يضعها عادةً المكوّن المهيمن الذي يفرض ثقافته ورؤاه على بقية المكوّنات في النسيج الاجتماعي. يتم بعد ذلك بناء خطاب ثقافي ممنهج يقوم بشرعية تلك الهيمنة عن طريق فرض معايير النخبة المُسيطرة، والتي تُفصّل الخطاب الثقافي والقيم الاجتماعية بناء على هويتها الأساسية، والتي تعطيها أفضلية على بقية المكونات الهوياتية في المجتمع.

يكثر الحديث عن الطائفية والقبلية في مجتمعات ما يُعرَف بالعالم الثالث، وتتهم النخب السياسية والاجتماعية بفرضها خطاباً أحادياً لا يمثل تلك المجتمعات. غير أن الواقع يوضح كون فكرة فرض «معيارية القوى» أمراً يتبنّاه الغرب ويفرضه على العالم بشكل يفوق فيه مستوى الطائفية والطبقية العشائرية في مجتمعات العالم الثالث.

إن التمايز العِرقي هو نمط التصنيف الأهم في الغرب (أوروبا وأميركا الشمالية). ووفق الواقع المفروض في الغرب، فإن الخطاب الثقافي، المعيارية القيمية تقوم على تفوق العِرق الأبيض. تفترض هذه المعيارية أن نمط التفكير والسلوك للمجموعة المهيمنة يجب ألا يكون مقبولاً من قِبل مكونات المجتمع فحسب، وإنما يفترض أن يكون هو النمط السائد و«الطبيعي» الذي يتوجب على بقية المكونات أن تحذو حذوه وتُقلّده حتى تكون طبيعية وليست شاذة.

فالأنا العامة هي «أنا» العنصر المتفوق، وعلى البقية السير في ركبه.

وحده العنصر المهيمن من يملك سلطة التغيير الراديكالي في القيم الثقافية والاجتماعية، ويحاسب من يختلف معها، لذلك نجد خطابات مثل حقوق الإنسان تنتقل من استعباد وإجهاد السود إلى تصعيد حركة «حياة السود مهمة»، ومن يقود الضغط الإعلامي لها هم أعضاء في النخبة البيضاء. والأمر نفسه ينسحب على مسألة المثلية، فمِن نبذ كامل إلى فرض شديد على الخطاب الإعلامي بقيادة العنصر المتفوق. والفكرة هنا ليست حول حقوق السود أو المثليين أو غيرهم من المكونات الاجتماعية، لكن الفكرة الأهم والأخطر تتمثل في احتكار السلطة الثقافية التي تحدد المنظومة القيمية للمجتمع الغربي التي يتم فرضها على بقية دول العالم، وتجريم من لا ينتمي لها.

وعليه، قد يظهر بعض من المنتمين للعنصر المتفوق بمظهر «غير المتسلط»، باستخدام عبارات مثل: نحن نتقبل الآخر، متسامحون معه، ومُرحّبون به. هنا تكشف اللغة عن العنصرية الكامنة، حتى فيمن يدّعي التسامح! إذ إن مجرد إعطاء الذات «نحن» الحق في التقبل/ التسامح/ الترحيب بـ«الآخر» يؤكد «آخرية» غير العنصر المتفوق، وبالتالي تأكيد تفوق الـ«أنا/ نحن» التي تُعدّ الأصل للمجتمع بأَسره. يتضح هذا بالخصوص عند النزاع عن طريق المنّ بعدم ممارسة العنصرية التي تُصوّر هنا بطريقة أو بأخرى بأنها «حق» قد تم التنازل عنه، وليس سلوكاً مُشيناً تم تجنّبه على أساس أخلاقي، اعتقادي أو حتى قانوني. يحضر هنا بعض المنتمين للعنصر المقهور محاولين «الاندماج» في الـ«أنا» الكبرى، من خلال تبنّي ثقافة وخطاب العنصر المتفوق، علّهم يظفرون باعترافه.

الواقع هنا أنهم يقبلون بالإطار الدوني الذي وضعهم فيه العنصر المتفوق، ويزيدون على ذلك إضفاءهم الشرعية على هذا النمط من التأطير الدوني لمجموعتهم. يدخل هذا في إطار «لوم الضحية» الذي يُحمّل العناصر الأخرى (غير العنصر المتفوق) مسؤولية موقعهم الدوني.

هنا تكمن الخدعة الثقافية التي يقع فيها كثير من مثقفينا العرب، فمن يتبنى خطاب العنصر المتفوق يعتقد أنه قد أصبح جزءاً من هذه الشريحة المتفوقة، أو على الأقل ليس ضمن الشريحة الدونية، وعليه فإنه يتبنى خطابها بشكل أكثر تعصباً من أفرادها أنفسهم! بل يزيد عليه بأن يطبق الشعارات العمومية على أبناء شريحته الأساسية، معتقداً أنه إن بدأ بـ«أناه» التي هي «آخر» بالنسبة للمتفوق، فإنه سيتمكن من دمجها مع الـ«أنا» الخاصة بالعنصر المتفوق، ما يحقق الاندماج الاجتماعي و/ أو العالمي. ما يغيب عن هذا المتحمس أنه يحاول أن يقتحم دائرة مغلقة لا تتسع له، فالـ«أنا» التي يحاول جاهداً الدخول في منظومتها هي دائرة مخصوصة وليست عامّة تتسع للجميع، وبالتالي فإن عليه أن يسعى لنقد خطابها وتوسيعه وكسب الاعتراف بأصل فكرة التنوع فيها قبل أن يلوم مَن «عجز» عن الدخول في إطارها.

وهذا بالضبط ما يشهده، اليوم، في خطاب المؤسسات الدولية حول حقوق الإنسان التي تم اختزالها وتوجيهها لصالح فئات محددة ارتأت المعيارية البيضاء تصعيدها على مستوى الإعلام لتتسيّد المشهد في ظل غياب العديد من القضايا الإنسانية المُلحّة.

لسنا هنا بصدد التقليل من أي قضية أو رفض حقوق أي فئة، لكننا نحاول تسليط الضوء على مشكلة أساسية تتلخص في السلطة المعرفية التي تم فرضها على كثير من المجتمعات، من خلال خطاب لا يشبههم ولا يراعي ثقافتهم. إن عملية التهديد بالنبذ أو الاتهام بانتهاك حقوق الإنسان ليست إلا نتيجة خطاب ثقافي ممنهج وماكينة إعلامية فرضت معيارية فئة معينة على الغرب وانطلقت منه لتفرضه على بقية العالم.
شريط الأخبار مكافحة الفساد تحيل ملف صندوق نهاية الخدمة في "المهندسين الزراعيين" للقضاء تحديد موعد وقف إطلاق النار في غزة الترخيص المتنقل بلواء بني كنانة الأحد صاروخ يمني باتجاه تل أبيب يعلق الملاحة بمطار بن غوريون البنك الاسلامي الاردني يطلق خطة استراتيجية مبتكرة للاعوام (2025-2029) "نحو آفاق جديدة" الاتحاد الأردني لشركات التأمين يوضح حول كتاب متداول: ليس صادرا عن الإتحاد وغير دقيق الاتحاد الأردني لشركات التأمين يوضح حول كتاب متداول: ليس صادرا عن الإتحاد وغير دقيق المحامي شوكت عبيدات شقيق العين هايل عبيدات في ذمة الله «تيك توك» تؤكد عزمها وقف تطبيقها في أميركا يوم غد الصبيحي: قرار يشوّه سوق العمل ويضيّع أموالاً على الخزينة مصري يتزوج اثنتين في ليلة واحدة ويحصل على ثالثة من خبيرة تجميلهما ..(فيديو) الهاتف الذكي عدو نجاح الشباب.. بيل غيتس يكشف عن مخاوفه! من الـ 10 صباحاً وإلى الـ4عصراً.. فصل مؤقت للكهرباء عن مناطق جنوب المملكة.. (أسماء) أجواء باردة نسبياً في أغلب المناطق حتى الثلاثاء وفيات الأردن اليوم السبت 18/1/2025 مؤشر البورصة يرتفع %1.51 في أسبوع اتحاد منتجي الدواجن : الاسعار انخفضت بنسبة 25% الاحتلال يعلن قائمة تضم 95 معتقلا فلسطينيا من المقرر الإفراج عنهم الأحد رسميا.. حكومة الاحتلال تصادق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة 60 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى