أخبار البلد - اولا و قبل كل شيء ، فأننا نؤكد ان الحلول التي تقترحها اسرائيل لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ليست بسبب ذكائها الخارق او خبرتها الفائقة في التفاوض كما يشاع و ليست بسبب ان المفاوض الفلسطيني غائب او مذهول او غير محترف ، كل هذه الاسباب قد تكون حاضرة بشكل او بأخر ، و لكن السبب الحقيقي برأينا هو ان اسرائيل قوية بما يكفي للتلاعب او الرفض او الالتفاف على كل حل او مقترح او افراغه من مضمونه او وضع بدائل او اولويات تجعل منه حلا غير قابل للتنفيذ .
اسرائيل ، ما كان لها ان ترفض اي حل او تعطله او تفرغه من محتواه لولا قوتها الوقحة و مصدرها الاطلسي كله ، نقرر هذه الحقيقة حتى لا يقع الواحد منا بوهم ان المفاوض الاسرائيلي عبقري و انه يمتلك خبرات لا يمتلكها احد ، بالعكس من ذلك تماما ، اذ ان اسرائيل تكشف عن سذاجة مضحكة في الفبركة و الاختلاف و الالتفاف ، ذلك ان اسرائيل و منذ العام 1967 استطاعت ان تبطل كل القرارات الدولية و المبادرات و التسويات و الافكار و المقترحات و الخطط المقترحة من كل الاطراف الاقليمية و الدولية ذات العلاقة من خلال ما يلي : الرفض المطلق ، وضع الشروط ، طرح افكار جديدة بالمقابل ، تفجير الاوضاع ، هذا من جهة ، اما من الجهة الاسرائيلية فأن الحلول التي اقترحتها اسرائيل ذاتها و منذ عام 1967 و حتى يوم الناس هذا ، فقد تميزت بما يلي :
اولا: الانكار المطلق للحقوق الفلسطينية ، نفي كل المقترحات الاسرائيلية للحل ليس هناك ما يؤكد استناد تلك المقترحات الى مبدأ ان الشعب الفلسطيني له الحق في الامتلاك او السيادة او الامن ، الحل الاسرائيلي عادة ما يقلل ارتباط الفلسطيني بأرضه و تراثه .
ثانيا : استبدال الاولويات ، اذ عادة ما تضع اسرائيل ما تسميه تحسين الظروف الحياتية او حسب التعبير الاسرائيلي (التسهيلات) و (زيادة عدد التصاريح) بديلا عن التسوية السياسية ، عادة ما تضع اسرائيل الرغيف قبل الاستقلال ، و من اجل ذلك فأنها تستخدم هذا الاسلوب للحصول او المقايضة بين الرغيف و الهدوء ، فهنك ارغف اكثر كلما كان هدوء اكثر ، ولا يستطيع كل عباقرة العالم تعريف الامن او الهدوء الذي تطلبه اسرائيل .
ثالثا : التطبيع او التنفيذ المتدرج ، ليس هناك حل اسرائيلي يقدم دفعة واحدة او غير مرتبط او مشروط بظروف اخرى و مطالب متعددة ، الحل الاسرائيلي عادة ما يكون متدرجا و مشروطا و فيه غموض و يقوم على النوايا و التفسيرات الذاتية .
الحل الاسرائيلي يبدو كأنه لغز يستحيل حله على ارض الواقع ، فترجمته و تفسيره و تطبيقه متعلق بالرضا الاسرائيلي و هو رضا لا ينال ولا يصل احد الى امتلاكه .
رابعا : لاحقا لما سبق ذكره ، فأن الحل الاسرائيلي ليس متعلقا بالتدرج الزمني و لكنه يتعلق ايضا بتدرج المعاني ، فالحل الاسرائيلي لا يشمل كل الامكنة في حل واحد ، بل يتم تطبيقه في مكان معين فأذا نجح فأنه يطبق في اماكن اخرى ، و عادة ما يفشل ، فتتراجع اسرائيل عن حلولها ، هذا ما يفسر ان اسرائيل لا تحتفظ ولا تحافظ على اتفاقاتها .
خامسا : الحل الاسرائيلي مرتبط بالاشخاص و ليس بالاستراتيجية ، و هذا يعني ان كل حل تقترحه حكومة اسرائيلية ما لا يبلزم الحكومة التي تليها ، الا اذا كان ذلك الحل يخدم الحكومة الجديدة ، و لهذا فأن كل الحلول التي اقترحتها الحكومات الاسرائيلية لم يتم احترامها او الحفاظ عليها ، ذلك ان الحلول تتغير بتغير الحكومات او رؤسائها ، و هناك امثلة كثيرة اتركها للقارئ ليملأ الفراغات .
سادسا : الحل الاسرائيلي عادة ما يهدف الى بث الفرقة بين افراد الشعب الواحد ، اذ ان الحل المقترح تتم بلورته بطريقة ما يضع الكرة في ملعب الشعب بحيث يكون سببا للجدل و اثارة الخلاف السياسي و الثقافي و الفكري ، و على هذا ، فأن اسرائيل عادة تميل الى وضع حلول متعددة مع اطراف مختلفة من الشعب الواحد . و ذلك لخلق استجابات جديدة بتحديات مختلفة و هو احد اهداف الحلول الاسرائيلية التي تنقلنا الى النقطة التالية .
سابعا : الحل الاسرائيلي عادة ما يهدف عادة الى تفكيك الشعب الواحد من خلال منح اطراف متعددة فيه مكانة قانونية مختلفة من خلال بطاقات شخصية متمايزة و من خلال مزايا بسبب الجغرافيا او امور اخرى .
الحل الاسرائيلي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يتعامل مع الشعب الفلسطيني كوحدة واحدة على الاطلاق ، انه يجزء الحل (مع اطراف) و مع (جهات) و مع (اشخاص) .
ليس هناك حل اسرائيلي لا يهدف الى التفكيك .
ثامنا : الحل الاسرائيلي عادة ما لا يتضمن الاستعانة او الاشارة الى اي دور دولي او عربي .
الحل الاسرائيلي عادة ما يصور الصراع على انه صراع محلي او داخلي و يمكن التوصل الى حله عن طريق اجراءات محليه و كأن الشعب الفلسطيني مجرد جالية او طائفة او اقلية عرقية او اثنية تستطيع اسرائيل ان تتجاوزها او تتغلب عليها .
تاسعا : الحل الاسرائيلي عادة ما ينطوي على العديد من الاجراءات و التعليمات و الشروط ولا تضمن انشاء سياقات و كيانات و شخصيات اعتبارية ، الحل الاسرائيلي عادة ما يربط كل شيء بارادته ، ليس السيطرة الامنية و انما السيطرة على الفضاء العام و يتضمن ذلك التطور و المستقبل و حتى الاحلام .
ماذا تريد اسرائيل اذن من وراء كل هذه الاساليب ؟! اسرائيل تريد بأختصار ان تحصل على هدوء مشكوك فيه ، و تريد ان تمرر مشروع احتلال بأقل ما يمكن من خسائر و انتقادات و تريد ان تشتري وقتا تنهك به اعدائها و تفككهم و تريد ان تحمي مصالحا و مصالح غيرها و تريد ان تبدو و كأنها دولة لا ترفض السلام بل تتعامل به و تبيعه و تشتريه ايضا .
الحل على الطريقة الاسرائيلية
د.أحمد عوض