نريد لدائرة المخابرات أن تكون وطنية ويحكمهاأبناء البلد!!!
تعود حكايتي مع هذا الشخص "محمد الذهبي" إلى عام 2006 حينما أرسل لي الدكتور أحمد العويدي العبادي رسالة يخبرني فيها أن محمد الذهبي طلب منه التفاوض على إعادة جواز سفري الأردني المحتجز من قبل الدائرة مقابل التوقف عن الكتابة بحق بعض الشخصيات التي يراها الذهبي من المحرمات.
حينها كانت إجابتي الأولى للدكتور العبادي "إذا كان جواز سفري كرم من عند أبوه للذهبي خليه عنده، وإذا كان جواز سفري هو حق لي لكوني أردني فسآخذه رغماً عنه". تبادلنا الرسائل بعد ذلك وقام الدكتور العبادي بإقناعي أن الأمر لا يعدو كونه مناورة وقال: "خذ جوازك وافعل بعدها ما تريد" فرددت عليه "إنني إذا وعدت لن أخلف" ولكن وبعد تفكر وافقت ضمن شروط لسبب واحد وهو الرد على مدير مخابرات الزرقاء آنذاك والذي لا أعرف اسمه حيث أخبر والدتي "أن ابنها لا يصلح له أن يكون أردنياً" فأجابته "أم محمد بما ينبغي وما قصرت"، فعلت ذلك لكي يطمئن قلب أمي وهذا أقل ما يمكن ان أقدمه لها في زمن تنكر جهاز المخابرات للأردنيين والأردنيات على السواء ولم يبق على إدارته بقيادة الذهبي إلا أن تقيم "محاكم تفتيش" ولكن هذه المرة ليست للإسبان المسلمين على أيدي الصليبيين إنما للأردنيين وبالذات الذين تعود أصولهم لشرق الأردن من قبل "المتأردنين" ولكي أقطع الطريق على من يتصيدون في العتمة فإني أعني بالأردني هنا "كل من سكن الأردن وكان وفياً لترابه بغض النظر من أين أتى"، أما "المتأردنون" فهم الذين جاؤوا لمغانم، وحزموا حقائبهم وأعدّوها لمغادرة الوطن بعد أن يتمّوا النهب والسلب لمقدرات الوطن.
حينما حصلت على الجواز ركنته في درج مكتبي البيتي حيث اعتبرته "مزوراً" لأنه لم يصدر بإرادة وطنية وإنما هو وليد اتفاق "دهلزة وكذب" وخداع للواقع الذي تعيشه البلاد. لكن حينما عدت للأردن في العام الماضي قمت بتجديد الجواز في دائرة جوازات عجلون ولم يستغرق الأمر أكثر من خمسة عشر دقيقة ودون موافقة أمنية.
قبل عدة شهور من عودتي إلى الأردن تحدثت إلى الذهبي بعد أن أقيل من منصبه عبر الهاتف وسألته عن طبيعة الاتفاق وإعاد ةالجواز، وللحق سؤالي لم يكن استفهامياً بقدر ما هو دراسة ومحاولة معرفة للرجل، حيث دأبت على تطبيق مقولة "اعرف عدوّك" ولكي نخفف من الوطء لكلمة "عدو" لنقل "اعرف خصمك". فالذهبي كان يشكل خصماً للأردنيين جميعاً حتى أولئك الذين يعملون داخل الدائرة من شباب الأردن.
الذهبي حينها بدأ يتمسح بالملك والملكة ويقول "فعلنا هذا من أجل الملك والملكة" وتركته يتحدث عن ولائه لهما بحكم أنه كان يسعى لمنصب جديد، ويعلم أن مكالمته قد تكون مسموعة. تركته يتحدث وانا أصغي له كالتلميذ إذ لا يمكن لي أن أقاطعه وقد أتتني فرصة السماع له وكما يقولون "لسان الرجل مخبره".
تبين لي حينها أنني أمام تاجر وليس رجل دولة، فالمتاجرة بالشعارات والوطنية تماماً كالمتاجرة بالسكر والطحين والرز مع فارق أن الشعارات تدر أكثر وتأتي بالملايين والمناصب. ولو أردت الوصول لنافقت الملك وانضممت إلى تلك الجوقة التي خدعت الوطن والقيادة وخدعت حتى أنفس أفرادها.
حينما قدمت الأردن في عهد الفريق محمد الرقاد والذي باعتقادي - قد يخالفني البعض- قد أصلح الكثير في جهاز المخابرات، كان وجه الدائرة مختلفاً جداً عن الماضي، عن عهد طارق علاء الدين الذي شرد الأردنيين وعهد الذهبي الذي جنّس الأغراب وقبض الملايين. كانت الوجوه في الدائرة مبتسمة إلى حد تبقي على ملامحها وسحنتها الأردنية –نحن الأردنيون لم يعهد علينا الابتسام ولو فعلنا لتغيرت ملامحنا-. وأحسستأن جهاز المخابرات عاد وطنياً، ونحذر من أن يعود إليه "ذهبي آخر" فهو مازال يحتاج الكثير من العمل لإصلاحه حيث أن فترة تخريبه على أيدي الذهبي ومن هم على شاكلته قد امتدت لعقود. ربما الخطى بطيئة في عملية الإصلاح هذه بعض الشيء لكن هذا لا يعني أن نيأس، فمازال هناك مخلصون يريدون للأردن أن يرتفع شأنه، ويريدون لإخوتهم من الأردنيين الخير ويريدون للوطن خيراً.
لهذا أنصح "من يسمون أنفسهم معارضة خارجية" أن يقدموا رؤاهم ومعارضتهم من خلال الوطن وحسب، ومن خلال حوار مجدٍ لا من خلال رفع شعارات ربما هي أكبر بكثير من حجم تلك المعارضة. ثم لتكن معارضتنا وفق مبادئ لا وفق أهواء شخصية. فالإصلاح مادام ممكناً خير من التغيير إن كان يقود إلى دموية البلاد وتفتيت أواصر وعلاقات شعب يريد أن يخرج من محنته.
لم أكن متفائلاً بالاصلاح كما أنا عليه اليوم رغم سوداوية الآراء المطروحة في الشارع الأردني، وليست مطالبنا مستحيلة، فالذهبي وغيره الكثيرون يقبعون اليوم بانتظار محاكمات نريدها أن تكون صارمة وعادلة وشديدة، ولو حدث أن تساهلت الحكومة بهذا الأمر فإن ردة فعل الشارع ستكون أقسى بكثير مما يتوقعه الآخرون، كما نطالب باستحداث قوانين تصل إلى الإعدام في بعض الحالات، لأن من يبيع جنسية الوطن هو خائن مثل الجاسوس الذي يبيع معلومات لجهات أجنبية.
لابد من خطوات جريئة للإصلاح وبدونها سيكون لدينا في الأردن آلاف من عينة "الذهبي" ولن يبيعوا الجنسية فقط، بل سيبيعوا حتى البشر عبيداً ليكتنزوا الملايين.
نريدها أحكاماً قاسية ليرتدع الأخرون، كما نريد أن نجمع إلى الذهبي كل فاسد مهما علا شأنه ورمقت مكانته، حتى "ننخل" الأردن من الفاسدين ويعود الأردن لأهله الصالحين.
عاش الأردن وعاش أبناؤه المخلصون والسجن لكل أعدائه مهما علت مراتبهم.
–ليعذرني الأمير لاستخدام عبارته "ننخل" فقد أعجبني هذا المصطلح-صلاح المومني