لنبدأ من إضاءات التقرير السنوي لشركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) لسنة 2022.
- ارتفعت مبيعات الطاقة الكهربائية إلى شركات التوزيع بنسبة 6 % في 2022.
- ارتفعت كلفة شراء نيبكو للطاقة من مصادر التوليد المختلفة بنسبة
5.5 % لتصل إلى 71 فلسا للكيلوات/ ساعة، مقابل 67 فلسا في 2021.
- شكل الغاز الطبيعي 99.9 % من الوقود المستهلك في محطات التوليد بدون حساب محطة العطارات وما حرقت من الصخر الزيتي. فيما شكل الديزل والوقود الثقيل مجتمعين حوالي 1 في الألف من الوقود المستخدم في توليد الكهرباء.
- في 2022 شكلت الطاقة المتجددة من الرياح 8 % من مجمل مشتريات نيبكو من الطاقة الكهربائية والطاقة الشمسية 11 % والعطارات 5 % فيما استوردت الشركة 1 % من مشترياتها من مصر والباقي (74 %) من مشاريع التوليد التقليدية التي تستخدم الغاز الطبيعي.
نستنتج من أعلاه أن قطاع الطاقة الكهربائية في الأردن معزول بشكل كبير عن تقلبات أسعار النفط العالمية وأيضا أسعار الغاز الطبيعي المسال وذلك لاعتماده أساسا على الغاز الطبيعي عبر الأنابيب والطاقة المتجددة وحديثا على الصخر الزيتي من مشروع العطارات. والقرينة الواضحة هنا أن كلفة الكيلوات على نيبكو زادت فقط بأقل من 6 % في سنة 2022 التي ارتفع فيها سعر النفط بمعدل يتجاوز 50 % عن 2021. ذلك أن الغاز الطبيعي عبر الأنابيب له_ بحسب ما رشح من اتفاقية الغاز_ سعر أقصى وسعر أدنى مرتبطان بسعر برميل نفط برنت، حيث الحد الأدنى للسعر هو 5.56 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، عندما يكون سعر النفط 30 دولارًا للبرميل أو أقل، والحد الأعلى عند 11 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية عند سعر نفط 320 دولارًا للبرميل أو أعلى.
مما يعني أن كلفة الغاز ترتفع بنسبة 1 % فقط عند ارتفاع برميل برنت بنسبة 10 %. والطاقة المتجددة والتي شكلت 19 % من مشتريات نيبكو سعرها غير مرتبط بتاتا بسعر النفط ناهيك عن الطاقة الكهربائية المنتجة من المشاريع الصغيرة على أسطح البنايات والتي لا تدخل في حسابات نيبكو وتساهم بحوالي 10 % من مجموع الطاقة الكهربائية المستهلكة وطنيا.
بالتزامن مع مناعة ومرونة قطاع الطاقة الكهربائية الأردني في مواجهة أي ارتفاع كبير بأسعار النفط فإن حصة النفط من إجمالي خليط الطاقة الأردني في انحسار مستمر. فقد شكل النفط 45 % من خليط الطاقة الكلي في 2021 (محسوبا بالكمية لا الكلفة) بانخفاض ملحوظ عن مستوى 2020 (48 %) و 2019 و2018 (54 % للسنتين) و 2017 (57 %).
ما يزيد من التفاؤل بمناعة الاقتصاد الأردني ضد ارتفاع أسعار النفط أن انخفاض استهلاك النفط ليس انخفاضا نسبيا فقط بل انخفاض سنوي بالأرقام المطلقة أيضا. فقد انخفض استهلاك النفط في 2021 عن 2020 بنسبة 3 % فيما انخفض استهلاك 2020 عن 2019 بنسبة 21 %. وكان استهلاك الاقتصاد الأردني من النفط في 2021 أقل من مستوى 2017 بنسبة 30 %.
هو إذن أمر جلي وواضح. نمو مطرد سنوي في كهربة الاقتصاد الأردني وابتعاد تدريجي مستمر عن النفط ومشتقاته. أي انتقال القطاعات المختلفة إلى استهلاك أكبر للكهرباء على حساب المشتقات النفطية مثل استبدال سيارة بنزين بسيارة كهرباء أو تحويل التدفئة من بويلر الديزل الى التكييف الكهربائي وتغيير مصنع مرجل الديزل إلى التسخين بالطاقة الكهربائية. وربما إذا ما ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير في الفترة المقبلة فإن هذا سيسرع من الانتقال إلى الكهرباء في قطاعات اقتصادية متعددة كالنقل والصناعة والزراعة وغيرها.
كذلك فإن ارتفاع أسعار النفط عالميا سيترجم إلى رواج اقتصادي في دول الخليج العربي الشقيقة والتي يسكن ويعمل فيها مئات الآلاف من الأردنيين العاملين. مما سيترجم حتما إلى زيادة حجم الصادرات الأردنية وارتفاع في حوالات المغتربين ونمو السياحة الخليجية والاستثمار الخليجي في الأردن ناهيك عن احتمال زيادة المساعدات الخليجية المباشرة وغير المباشرة للأردن.
أخيرا فان ارتفاع سعر النفط عالميا قد يساهم في إجبار الحكومة الأردنية على التخلي عن الواقع الاحتكاري الحالي في سوق المشتقات. فالشكوى الشعبية من ارتفاع أسعار المشتقات قد تعني إجبار الحكومة على التخلي عن إعطاء كل حلقات التزويد هوامش ربحية عالية ومضمونة والتوجه تحو سوق للمشتقات النفطية فيه منافسة تامة حقيقية.
على الأغلب لن يصل النفط إلى 150 دولارا للبرميل. لكنه إن وصل هذه المستويات قد يكون أكثر نفعا للاقتصاد الأردني من هبوطه إلى 50 دولارا للبرميل.
المهم أن تكون السياسة الوطنية للطاقة واضحة في تشجيع وعدم عرقلة التحول المطرد لكهربة القطاعات الاقتصادية والاستفادة من التقدم في تقنيات الطاقة المتجددة، خصوصا في التخزين لزيادة حصة الطاقة المحلية، والتركيز بشكل ملح على توفير مصدر آخر للغاز الطبيعي من محيطنا العربي مع نهاية الاتفاقية الحالية للغاز بعد حوالي 12 سنة. لأن الغاز الطبيعي سيبقى _غالبا_ جزءا مهما من خليط الطاقة لسنوات قادمة.