الـ"ما- بعد- إنسان" (2)..!

الـما بعد إنسان (2)..!
أخبار البلد -   أخبار البلد-
 
ما يزال الإطار النظري لـ»الما بعد إنسانية» غير مُحكم بسبب كثرة الحقول النظرية التي تقدم رؤاها للمفهوم من مواقعها الخاصة. وتشير الوفرة في المداخلات إلى أن الانتقال من «إنسانية»، أو «إنسانوية»، عصر النهضة إلى حتمي بحيث يتعذر تجاهله. ويبدو أن التطور العلمي الحثيث في الآلات والحوسبة وهندسة الجينات والذكاء الاصطناعي مسرِع بحيث يجعل الجميع يلهثون خلفه. وفي قلب النقاش العالمي، ثمة الدعوات إلى تقنين عمليات ذكاء الآلات، والتحذيرات من صعود الروبوتات، ومحاولة التوافق على «أخلاقيات» تضبطها. لكنّ معيارية الأحكام الأخلاقية والتأويلات المفروضة بمنطق القوة والمصلحة تكرر نفس المحاذير. سوف يكون مشروعًا دائمًا لدى القوى النافذة تصنيع كيانات هجينة من البشر والآلات، مهيأة بالأدوات المادية والإغراء البراغماتي للاستجابة لأسوأ الدوافع العدوانية في سياق المنافسة العالمية الوحشية، وذريعة الدفاع عن المصالح.
حسب تعريف موسوعة أوكسفورد البحثية، تتصور نظرية الـ»ما بعد إنسانية» post-humanism منظورًا فلسفيًا لكيفية إحداث التغيير في العالم. وهي تختلف من حيث التأطير المفاهيمي والتاريخاني بشأن كل من «الوكالة» و»الإنسان»، عن تصوُّر «الإنسانوية» humanism (حيث «الوكالة» هي قدرة الفرد على تحديد واستخلاص المعنى من بيئته بتشغيل الوعي الهادف والعمل التأملي والإبداعي). وفي حين يفترض المنظور الإنسانوي غالبًا أن الإنسان كائن مستقل، واعٍ، قصدي واستثنائي في أفعال التغيير، يفترض منظور الما بعد إنسانية أن الوكالة موزعة عبر قوى دينامية من بينها الإنسان، لكنه لا يحدد مقاصدها أو يتحكم فيها بالكامل. وفي المقابل، تتصور فلسفة الما بعد إنسانية الإنسان على أنه: (أ) متشابك جسديًا وكيميائيًا وبيولوجيًا مع البيئة ومعتمدًا عليها؛ (ب) مدفوعٌ إلى العمل بالتفاعلات التي تولّد العواطف، والعادات والعقل؛ و، (ج) لا يمتلك أي سمة فريدة مقصورة عليه، وإنما هو جزء من نظام بيئي متطور أكبر. وثمة القليل من الإجماع في دراسات الـ»ما بعد إنسانية» حول المدى الذي يمكن أن يخلق به الإنسان الواعي التغيير فعليًا، لكن الإنسان يشارك في التغيير.
 

على عكس ما بعد الإنسانية، يُنسب الفضل إلى الإنسانوية في إفراد الذات الإنسانية الواعية والقصدية باعتبارها المصدر المهيمن للوكالة الأكثر استحقاقًا للانتباه. ومنذ نشأتها في «عصر النهضة»، تشكلت الإنسانوية بطرق مختلفة عبر التاريخ، لكنّ الإنسان يُرى في الإنسانوية -كجسم جمعي من الأدبيات- على أنه: (أ) مستقل عن الطبيعة بالنظر إلى الملكات الفكرية لعقله الذي يتحكم بالجسد؛ (ب) قادر بشكل فريد على- ومحفز بـ- الكلام والعقل؛ و، (ج) حيوان استثنائي متفوق على المخلوقات الأخرى. وسوف نجد افتراضات الإنسانوية عن الإنسان في جميع أنحاء الفلسفة الغربية لتعزز ثنائية الطبيعة/ الثقافة، حيث الثقافة الإنسانية متميزة عن الطبيعة. وفي المقابل، يرفض مفكر الما بعد إنسانية هذه الثنائية بسبب فهم الإنسان ككائن متشابك مع بيئته. وعادةً ما يدمج باحث ما بعد الإنسانية في تطوير فكرته بين مجموعة متنوعة من التخصصات، منها، على سبيل المثال لا الحصر: الفن، والعمارة، وعلم التحكم الآلي، وعلم البيئة، وعلم السلوك، والجيولوجيا، والموسيقا، والتحليل النفسي، والفيزياء الكمية.
وهكذا، ركزت الإنسانوية على القيم التي تتمحور حول الإنسان؛ على قيمة وكرامة البشر، والخبرات والقدرات والإمكانيات البشرية، وتقدير صفات مثل العقل والرحمة والأخلاق. والتزم الإنسانويون غالبًا بما اعتبروها المبادئ الأخلاقية التي تعطي الأولوية لرفاهية وازدهار الأفراد والمجتمعات البشرية، وأكدوا على حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، ومسؤوليات البشر تجاه بعضهم البعض وتجاه البيئة. واحتفت الإنسانوية بالعقل البشري وقدرته على فهم العالم، وحل المشكلات، وإحراز التقدم في كل شيء من العلوم إلى الفن والتقنية. كما أكدت على إدامة الشعور بالاستمرارية مع التقاليد البشرية، واحتضان التاريخ والثقافة والإنجازات البشرية. وغالبًا ما استمدت الإنسانوية الإلهام من المصادر الكلاسيكية والحكمة التاريخية.
في المقابل، تتجاوز الما بعد الإنسانية التمركز حول الإنسان، وتتحدى النظرة التقليدية المتمحورة حوله وتتساءل عن الحدود الثابتة والحصرية لما يعنيه أن يكون الإنسان إنسانًا. وكما ذُكر أعلاه، تبحث ما بعد الإنسانية في الإمكانية التي تصبح حقيقية باطراد لتعزيز الإنسان بالتقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، والهندسة الوراثية وعلم التحكم الآلي. ويتطلب تصور الكائنات الهجينة المحتملة مواجهة الأسئلة الأخلاقية الحاسمة حول العواقب المحتملة لتفاعلات الإنسان المعزز، واستكشاف المخاطر والفوائد المتوقعة المرتبطة بهذه التطورات.
من المؤكد أن الإطار النظري للما بعد إنسانية، بتداخل منظوراته وتعارضها، أعقد بكثير من أن يُعرض في عجالة. ثمة تاريخ وأسس النظرية ومقدماتها في فكر الفلاسفة السابقين التي أضاءت عليها التطورات الجديدة. وثمة الكم الهائل من المداخلات التي تظهر كل الوقت للمساهمة في تعريف المفهوم ومحاولة التأثير في الاتجاهات. في المجمل، ما يحدث الآن في العالم المتقدم هو محاولة لإعادة تعريف ماهية الهوية البشرية، وتحدِّ لافتراض ثبات البشر كفئة غير متغيرة، واستكشاف لصيرورةٍ تبدوا حتمية للما بعد إنسان. وحتى لا نكون في الوراء، كالعادة، نحتاج إلى جهد المفكرين والباحثين لمتابعة هذا التطور الوجودي، وإطلاعنا عليه، واقتراح كيفيات لتعاملنا معه.

شريط الأخبار لفتح قنوات للتواصل.. حسان يتواصل هاتفيَّاً مع اعضاء مجلس النوَّاب العشرين المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرات مسيرة للتذكير.. غدا السبت دوام رسمي للمدارس الحكومية 350 يوما للعدوان.. مجازر بشعة في غزة والحدود اللبنانية تشتعل والكشف عن مخطط "البيجر" هل هواتفنا الذكية معرّضة للانفجار .. تقرير مفصّل هل يحضر نصر الله لعمل "من حيث لا يحتسبون؟".. قراءة في خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني قديروف يتّهم إيلون ماسك ب«تعطيل» سيارته «تسلا سايبرترك» عن بُعد تفاصيل 3 أحداث أفجعت الشارع الأردني خلال أسبوع أمطار متفرقة قادمة إلى الأردن.. تعرف على حالة الطقس وفيات يوم الجمعة 20-9-2024 إسرائيل تقصف 100 موقع بلبنان في ثاني موجة ضربات خلال ساعات تفاصيل جديدة حول جريمة قتل شاب والدته وشقيقته في الأردن جمعية البنوك توضح حول انعكاس تخفيض أسعار الفائدة على قروض الأردنيين منتدى الاستراتيجيات يدعو لإعادة النظر في الضريبة الخاصة على المركبات الكهربائية الأردن: إرسال من 120 إلى 140 شاحنة مساعدات أسبوعيا لغزة وسعي لرفع العدد هيئة الطيران المدني: لا تغيير على حركة الطيران بين عمّان وبيروت وزير الشباب الشديفات يلتقي الوزير الأسبق النابلسي البقاعي رئيسا لمجلس إدارة شركة مصفاة البترول الأردنية وزارة "الاقتصاد الرقمي" حائرة بين 079 و077: من الهناندة إلى السميرات! مقال محير يعيد ظهور الباشا حسين الحواتمة الى المشهد.. ما القصة