اخبار البلد -رصد - قبل ساعات من رحيل وزارة الشاب سمير الرفاعي تحت ضغط شعبي عارم، كان العقل المركزي للدولة الأردنية يسأل بشكل ملح عن الشخصية السياسية التي يمكن لها أن تخلف الرفاعي على رأس منصب سياسي أضحى مستهدفا من قبل الشارع على وقع تأثيرات الربيع العربي في تونس ومصر، إذ أكد المدير السابق للمخابرات الجنرال محمد الرقاد وسانده رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري أنه يستحيل تقبل فكرة أو كلفة بقاء سمير الرفاعي، وأنه يتعين التغيير.
لم يكن يتوقع أحدا أن يخالف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني نهجه في تأليف الوزارات، إذ فاجأ مقربين منه بإختيار الجنرال معروف البخيت رئيسا للحكومة خلفا للرفاعي، خلافا لقاعدته في عدم تجريب المجرب، إذ سرعان ما مال الشارع الأردني الى خيار البخيت نظرا لنظافة يد ولسان الرجل، وفوقها عفته المالية ونزاهته، وطهره الوطني، خصوصا وأن وزارته الأولى لم يكتب لها النجاح بسبب التآمر الذي لا تخطئه العين وقتذاك من قبل مدير المخابرات محمد الذهبي ورئيس الديوان الملكي باسم عوض الله، اللذان أوقعا حكومته الأولى في سلسلة من المشاكل والأزمات المفتعلة في مسعى للقضاء على شعبية وحظوة البخيت لدى العاهل الأردني، الذي كان واثقا بأن مسننات الدولة تعمل بشكل سلبي وسافر ضد البخيت.
في اليوم الأول من شهر فبراير 2011 كان التكليف الملكي يصدر للبخيت بتأليف وزارته الجديدة، لكن التكليف طغى عليه الماضي السيء لوزارة البخيت الأولى، وبعد ساعات من التكليف الرسمي كان الإعلام وصالونات عمان السياسية تدفع دفعا مريبا نحو تذكير الشارع الأردني بأن البخيت هو الذي وقف خلف إباحة ترخيص إقامة كازينو وصالة قمار في الأردن خلافا للشرع والقانون، كما أنه بسبب ولايته الدستورية يعتبر مسؤولا مسؤولية تامة عن تزوير إرادة الأردنيين في إنتخابات 2007، التي أنجبت برلمانا مزورا تقاسمه الذهبي وعوض الله في مشهد لا يليق أبدا بالدولة الأردنية.
بشجاعة وإقدام شكل البحيت وزارته الثانية رغم صعوبات شديدة واجهته فكر معها بالإعتذار عن قبول التكليف، وبشجاعة نادرة فوض البرلمان الأردني التحقق بلا مواربة في موضوع الكازينو، إذ برأه البرلمان بأغلبية طفيفة، وتحمل وزير السياحة الأسبق أسامة الدباس وزر القضية، لكن الدمامل في وجه وزارة البخيت الثانية ما لبثت أن ظهرت مجددا، إذ تفجرت الصدامات الأمنية مع الحراكات الشعبية، فكان مشهد دوار الداخلية صادما لكثيرين، قبل أن تتجلى شهوة الحراكات الشعبية بالصدام مع الأمن في ساحة النخيل، وقبلها بقليل إعتداءات متظاهرين إسلاميين على قوات الشرطة بالسيوف والخناجر.
وفي وقت لاحق تفجرت قصة تسفير السجين والمدان بقضايا فساد رجل الأعمال خالد شاهين الى بريطانيا للعلاج، وإذا به يظهر سائحا في عاصمة الضباب الأمر الذي شكل صدمة للرأي العام الأردني، وقبل أن تسوى هذه القضية بإعادة شاهين مخفورا بحبكة حكومية إعلامية هزلية، كانت هذه القضية قد قضمت من رصيد الإحترام والنزاهة لدى الجنرال البخيت، رغم أن وزارته كانت منكبة بلا كلل أو ملل على إنضاج التعديلات الدستورية التي يطالب بها الشارع الأردني.
في بداية شهر سبتمبر 2011 كان المزاج الشعبي ينقلب بشدة ضد وزارة البخيت الثانية، وصارت مفاصل الدولة في إجتماعاتها الخاصة تناقش الموعد الأمثل لرحيل وزارة البخيت، وليس فكرة الرحيل نفسها التي بدت محسومة، إذ تعرض البخيت ومعه تجربته الثانية في الحكم الى الدسائس والوقيعة، فتردد في كواليس القرار الداخلي أن رئيس البرلمان السابق فيصل الفايز قد إشتهى مقعد البخيت، كما أن رئيس الديوان الملكي السابق خالد الكركي حرض ضد البخيت لدى مرجعيات عليا، وطوال المدة التي قضاها البخيت رئيسا للحكومة لم يتوان مدير المخابرات السابق محمد الذهبي من التحريض ضد حكومة البخيت، بل وسجلت أوساط البخيت وقتذاك أن الذهبي يقيم إجتماعات تنسيقية في منزله لنواب ينتمون الى دائرته الضيقة لتنشيط مساع برلمانية هدفها إسقاط وزارة البخيت.
ولاحقا ظهرت مذكرة برلمانية مفاجئة وقع عليها 70 نائبا ورفعت الى العاهل الأردني وكان موضوعها الأساس عدم القدرة على التعاون والإنسجام مع وزارة البخيت، خصوصا بعد تفاقم المشاكل الداخلية المتعلقة بموضوع الإنتخابات البلدية التي جهزت لها وزارة البخيت، علما أن النواب كانوا عبر هذه الرسالة يقطعون الطريق على تحالف بين الجنرال محمد الرقاد والبخيت، فقد كان البعض يعتقد أن رحيل البخيت سيكون ضربة للرقاد، إذ تلقى النواب مرادهم، فبعد لحظات من إبلاغ البخيت بضرورة أن يبادر الى إخلاء موقعه كان الجنرال الرقاد يضع إستقالته بين يدي العاهل الأردني