نشر الراحل الكبير عددًا من البحوث في المجلات العلمية المحكمة في موضوعات غلب عليها النحو. ومن المجلات التي فتحت له أذرعها لنشر بحوثه: دراسات، ومجلة مجمع اللغة العربية، ومجلة جامعة دمشق، والمجمع العلمي العربي بدمشق، غير أن هذه البحوث، وإن جمعت لاحقا، ونشرت في كتب، لم تصرفه عن التأليف والتصنيف والتحقيق. فقد صنف كتابا هو الأول في موضوعه عن المدرسة البغدادية في النحو. وصدر عن مؤسسة الرسالة ببيروت ودار عمار بعمان 1987. وقبله شارك في تحقيق كتاب « الحروف « لأبي الحسن المزني المتوفى سنة 431هـ (الفرقان: 1983) وصنف كتابا ضخما في النحو بهدف توفير مقرر دراسي متكامل يجمع بين الشمول والأسلوب المبسط العصري الذي لا يخلو من الأمثلة والشواهد، بعنوان «النحو الشافي» وصدر في عمان عن دار البشير1991 ثم أعيد نشره مرارًا في دار المسيرة
ولم يثنه الاهتمام بالتدريس، والبحوث، والإشراف، عن المشاركة في الندوات والمؤتمرات. ففي المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام قدم ورقة في النحو بعنوان «قراءة ابن عامر مصادرها وموقف النحاة منها» 1987 . وفي المؤتمر الدولي الخامس المنعقد في رحاب الجامعة الأردنية قدم ورقة أخرى بعنوان «لغة الشعر في بلاط سيف الدولة الحمداني» 1989 وهو أحد فصول الكتاب «أبحاث في اللغة والنحو والقراءات». (ص191- 225) وفي مؤتمر اللغة العربية الدولي المنعقد في بوخارست 1994 قدم ورقة بعنوان « قراءة عيسى بن عمر «(149هـ) وهذه الورقة هي الفصل الثالث من كتابه « قراءات النحاة الأوائل في الميزان « الذي صدر عن دار المسيرة لاحقا 2010
الحديث النبوي والنحو:
ينفرد الدكتور مغالسة عن غيره بموقف مثير من الاحتجاج بالحديث النبوي في قضايا النحو. فالنحاة انقسموا فرقا في هذا الأمر، فمنهم من يرفض الاحتجاج بالحديث الشريف بحجة أنه روي بالمعنى لا باللفظ، والنحو عماده اللفظُ، وإنْ عني بالمعنى. وفريق منهم لا يرفض ذلك ولكنه يضع شروطا. ويرى الراحل في غير موضع من المواضع التي احتج لها سيبويه (180هـ) بالحديث الشريف شيئا من التعديل، فهو يدخل على نص الحديث الذي يحتج به تعديلا يخدم به الفرضية النحوية التي يتحدث عنها. إلا أن حذر سيبويه لا يخفى، فقلما يرفع الحديث الذي يحتج به إلى النبي(ص26- 27)
وينتقد شيخَ النحاة بشيء آخر غير تحريف الحديث، وهو تسخير الشعر لبناء قواعد النحو. ووجه الاعتراض على ما يذهب إليه سيبويه في هذا أنّ روايته للشعر مطعونٌ بها، وينبغي التأكد منها، فأكثر شواهده لا تعد مصدرا حاسما لدى محققي الدواوين (ص 50). وينفي الدكتور مغالسة نسبة كتاب «الجامع في النحو» لعيسى بن عمر(149هـ) أحد النحاة الذين تتلمذ لهم سيبويه. ويميط اللثام عما اضطرب فيه النحاة، وما زعموه من انتحال سيبويه لهذا الكتاب، وتضمينه في كتابه المعروف. وهو زعمٌ لا يقنع أحدًا، لأن الكتاب لا يرقى إلى مستوى كتاب سيبويه في النحو، لا من حيث المحتوى، ولا من حيث النهج (ص82- 84)
نفي نسبة الكتب:
وكغيره من المحققين النحارير ينفي الراحل نسبة كتاب «الجمل في النحو» للخليل بن أحمد الفراهيدي 175هـ. وكان هذا الكتاب قد صدر بتحقيق فخر الدين قباوة بدمشق 1985 وفيه مسائل نحوية الرأي فيها على مذهب الكوفيين لا على مذهب الخليل البصري. ويرجح المغالسة أن يكون الكتاب لمؤلف عاش بعد الفراء -يحيى بن زياد- المتوفى سنة 207 هـ (ص162). وينفي كذلك نسبة كتاب مقدمة في النحو الذي صدر بمصر 1961 لخلف الأحمر المتوفى سنة 180هـ لما يتكرر فيه من مصطلحات نحوية لم تكن متداولة زمن خلف، عدا عن أن خلفا بصريٌ لا كوفي، والآراء التي ترد في هذا السفر على مذهب الكوفيين. ويرجّح المغالسة أن يكون الكتاب من تأليف نحوي آخر ينتهي نسبه بالأحمر، لكنه بالتأكيد ليس خلفا. وقد ذكره ثعلب- أحمد بن يحيى 291هـ - في كتاب « المجالس « مدعيًا أنه يحفظ نحو 40 ألف من شواهد النحو، فضلا عن القصائد، وقدّمه على كل من الفراء(207هـ) والكسائي 189هـ (ص188- 189)
مع أبي فراس الحمداني:
وأيا ما يكن الأمر، فإن هذه الفصول تشهد للمؤلف بسعة الذرع، وسداد النظر، وتؤكد قدرته على التحقيق. أما الفصل الموسوم بلغة الشعر في بلاط سيف الدولة فيتناول فيه شعر أبي فراس الحمداني (357هـ)، مؤكدا قبول المعيار الذي استأثر باهتمام المعنيين بالشعر ونقده، وهو الجزالة. فكلما كانت ألفاظ الشاعر جزلة، وفخمة، قوية، كان الشعر أدعى للإعجاب، وأحرى بالاستحسان (ص194). ولا ينفي تأثر الشاعر بالمتقدمين لفظا ومعنى. كما لا ينفي تأثره بالقرآن الكريم
كلمة أخيرة:
صفوة القول إنّ الراحل جمع في كتبه بين علوم اللغة من نحو، وبيان، وقراءاتٍ، وفقه لغة، وتحقيق مراده تصحيح نسبة الكتب للمؤلفين. أما كتابه قراءاتُ النحاة الأوائل في الميزان، فعنوانه يوحي ببعده عن اللغة، والنحو، إلا أن النظرة العجلى تبدّد هذا الانطباع. ففيه الكثير من المسائل النحوية المعقدة التي طال فيها البحث، وتباينت الآراء. وقد قال في بعضها ما يعدّ رأيا جديدًا مبتكرًا يشفي غليل الدارسين الظامئين لكل ما هو أصيل، وجديد، في آن