فهي مثلا عندما يرتفع صوت الشكوى من ارتفاع الأصوات تتجاهل هذه الشكاوى لبعض الوقت حتى تصل الأسعار إلى حدود لا تطاق، هنا تأتي الخدعة عبر تدخل الحكومة، دون أنياب طبعا لخفض الأسعار، وهي غالبا تخفض الأسعار لكن ليس إلى السعر القديم وإنما سعر أعلى بقيل، وهكذا أرضت التجار، بينما شعر المواطن بالارتياح لأنه نجح في دفع الحكومة، رغما عنها من وجهة نظره السطيحة، إلى الخضوع لإرادته.
وهذا هو نمط تعاملها مع المواطن العربي بشكل عام.
وربما تلخص هذه السياسة بشكل أكثر وضوحا الحكاية التالية:
اشتكى رجل إلى الوالي صغر بيته مع كبر عائلته، ولم يكن الوالي يريد منحه بيتا أكبر، أمره الوالي أن يشتري ديكا ليبيت معهم، وبعد ليلة عاد الرجل إلى الوالي يشكو أمره من جديد وإزعاج الديك، فطلب منه الوالي أن يشتري خروفا ليبيت معهم في البيت، وتكررت الشكوى، عاد الوالي وأشار على الرجل أن يشتري حمارا للمبيت معهم في نفس البيت.
طفح الكيل عند الرجل، وجاء غاضبا إلى الوالي الذي وضع أمامه أول الحلول وهو بيع الحمار، وبعد أن باع الحمار سأل الوالي عن الوضع فقال الرجل الوضع أفضل، ولكنه ما زال مزعجا، فأشار الوالي على الرجل ببيع الخروف، وسأله عن الوضع بعد بيعه، فأخبره الرجل بأن الوضع بدأ يتحسن مع شيء من الإزعاج، ليشير الوالي على الرجل ببيع الديك، ويسأله بعد بيع الديك عن الوضع، ليأتي الرجل ويشكر الوالي على الحل السحري ويمدحه ويثني عليه على رجاحة عقله وعدله وحكمته وحسن تصرفه.
غالبية الحلول عدنا هي من هذا النوع، إذا اشتكى المواطن من أمر ما صعب عليه الوضع الذي هو فيه حتى يضيق ذرعا ثم خفف عنه قليلا من الوضع الذي يعاني فيه من الضيق، بالطبع سيشعر بتحسن وبأن الأمر أفضل لكنه ليس أفضل من وضعه في المرة الأولى.
وهكذا تنجح لعبة الأعصاب التي تحتاج إلى عقل ماكر ومتمرس للنجاح فيها .