العالم بحاجة لبناء معايير جديدة للديمقراطية

العالم بحاجة لبناء معايير جديدة للديمقراطية
أخبار البلد -   أخبار البلد-
 

من دون شك أن النظام السياسي الديمقراطي هو أفضل النظم السياسية، لكونه يراعي شروط العقد الاجتماعي بنسبة معقولة، ويسمح بالتداول السلمي المنتظم للسلطة، كما أنه يؤمن آليات أفضل للمحاسبة وفي كيفية التصرف في المال العام عبر الرقابة البرلمانية الأكثر شفافية خاصة عند مناقشة الميزانيات العامة السنوية للدولة. باختصار، هذا النظام وبالمقارنة مع النظم السياسية الأخرى فإنه يسمح باستقرار سياسي واقتصادي ونمو أفضل، لكنه في كثير من الأحيان أخذ عدد من البلدان وأخذ العالم أجمع لمغامرات وحروب فظيعة، كما حصل مع ألمانيا وإيطاليا عندما انتخب الشعب في هذين البلدين القوى الفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين.

ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع، هو رد بنيامين نتنياهو على منتقديه في الداخل والخارج، "إن الشعب انتخبنا وأعطانا الأكثرية في الكنيست"، فحجة نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، والتي تضم أحزابا فاشية وعنصرية متشددة، حجتها وهي تجهز على الديمقراطية والجهاز القضائي، أن الشعب الإسرائيلي انتخبها وفوضها لتنفيذ برنامجها. هذا الكلام من الناحية الشكلية للديمقراطية هو كلام صحيح، ولكن إذا كان هذا "التفويض" يضر بمستقبل البلاد بل يهدد نسيجها الاجتماعي ويدمر اقتصادها عبر هروب الشركات والاستثمارات الكبيرة، فإن هناك خللا ما في هذا التفويض الشعبي. قبل ذلك شاهد العالم تجربة انتخاب الرئيس الأميركي اليميني المتطرف دونالد ترامب، وكيف كاد يأخذ الولايات المتحدة إلى الخراب عندما رفض نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، وحاول هو وأتباعه القيام بانقلاب على الديمقراطية عندما اقتحموا مبنى الكابيتول (الكونغرس) في 6 كانون الثاني/ يناير عام 2021.

ونذكر أن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما اختبرت نتائج أن الانتخابات قد تأتي بأحزاب فاشية متطرفة للحكم، عملت على وضع معايير لمنع مثل هذه الأحزاب من المشاركة في الانتخابات، أو إذا شاركت فلن يكون بإمكانها الحصول على الأغلبية. في ألمانيا، على سبيل المثال، لا يسمح للنازيين الجدد بأي حال المشاركة في الانتخابات، بل إن الدولة تراقب وتمنع نشاطاتهم، وفي فرنسا طالما تم الحد من فرص حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مؤسسه جان ماري لوبان ومن ثم بقيادة ابنته مارين لوبان. ولكن في السنوات الأخيرة بدأنا نلاحظ التراخي الأوروبي في هذا المجال، خصوصا أنه لم يعد بالإمكان تجاهل صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وحتى الفاشيين الجدد وعادت أوروبا تتحدث من جديد عن مخاطر هذا الصعود ومخاطر انتصاره في الانتخابات في أكثر من بلد، فأوروبا تعيش مرحلة حساسة جدا قد تأخذها إلى حالة ينفرط فيها عقد الاتحاد الأوروبي والدخول في صراعات اعتقدت القارة العجوز أنها قد تجاوزتها.

إسرائيل اليوم تعيش هذه الحالة مع حكومة تمثل خليطا من الأحزاب القومية المتشددة والأحزاب الدينية ومجموعة الأحزاب الفاشية من الصهيونية الدينية وغلاة المستوطنين. هذه الحكومة ورئيسها نتنياهو يحاولون الآن القيام بانقلاب عبر حجة أن الشعب انتخبهم وفوضهم، إلى حد قال فيه الصحفي الإسرائيلي بي مايكل في صحيفة "هآرتس" قبل أيام إن إسرائيل دخلت مرحلة الخراب والدمار. ومن دون أن يشير الكاتب للاحتلال مباشرة، فقد قال إن إسرائيل قد مرت بثلاث مراحل، الأولى من لحظة التأسيس عام 1948 وحتى العام 1967 ووصف هذه المرحلة بمرحلة "الأمل"، والمرحلة ما بعد 1967، مرحلة الفساد عندما دخل الشيطان الديني على الشيطان الصهيوني في إسرائيل، أما المرحلة الثالثة فقد بدأت مع تسلم حكومة الأشرار والفاسدين الحالية للحكم وهي مرحلة دمار الدولة.

لقد شخص مايكل المرض في الأيديولوجيا الماضوية التي تسيطر على عقل غالبية الطبقة السياسية وحتى المجتمع في إسرائيل، ويقول: "لقد أعمى هؤلاء ما يعتبرونه ماضيا مجيدا، ما أفقد إسرائيل ذكاءها وعقلها ومكابحها لتبقى دولة إنسانية، وهذا ينطبق على الشعب والحكام، ما يقود إسرائيل إلى الدمار". الذي يغفله مايكل لكنه موجود بين سطور مقاله، هو الاحتلال، فالتوسع الاستيطاني يتم ويتطور بدافع هذا المزيج الشيطاني بين ما هو ديني وما هو صهيوني، فإسرائيل دون احتلال واستيطان لكان وضعها الديمقراطي أفضل بكثير.

ما يمكن أن يقال بعد كل هذه التجارب الديمقراطية، إن هذا النظام بحاجة لإعادة تقييم، وإعادة بناء، فقد ثبت أن الديمقراطية التي يفوز فيها من هو أكثر ثروة وإمكانية مالية كما يحصل بالولايات المتحدة، أو الأكثر قوى شعبوية كما في أوروبا وإسرائيل، فكلا الأمرين لا يمثل تهديدا للديمقراطية في البلد ذاته، وإنما تهديد للسلم والاستقرار الدوليين. ربما تحتاج الديمقراطية إلى مجموعة ضوابط ومعايير لتكون عقدا اجتماعيا يمثل المصلحة الحقيقة للمجتمع ويأخذ بالاعتبار أنه لا يهدد السلام العالمي.

قد نكون بحاجة لتغيير في أنظمة الانتخابات وبنود في الدساتير تضع معايير لطبيعة الأحزاب والقوى المشاركة في الانتخابات بألا تتبنى أفكارا عنصرية ولا تستخدم الخطاب الشعبوي الغريزي بصورته المتطرفة. ليس من مهمة هذا المقال إيجاد الحلول لكل مشاكل النظام الديمقراطي الرأسمالي أو وضع معايير له، ولكن مبدأ التخلي عن العنصرية والهيمنة على الآخر أثبت أنه هو من يقوض الديمقراطية أكثر من أي شيء آخر.

اهتزاز الديمقراطية في إسرائيل له أسباب مختلفة عن باقي الدول، فهذه الدولة أنشئت وقامت على أسس عنصرية، ولدى الباحث بهذا الشان وثيقتان مباشرتان موجدتان بين أيدينا وأمام عيوننا، الأولى وثيقة "إعلان الاستقلال" الذي قرأه بن غوريون، المدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية، ومدير الوكالة اليهودية، مساء 14 أيار/ مايو عام 1948، أمام مجلس الأمة المؤقت، والوثيقة الثانية، قانون "يهودية الدولة" الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 19 تموز/ يوليو 2018. في الوثيقتين يتم حصر ملكية هذه الأرض باليهود، وتخصهم وحدهم بالحق بتقرير المصير عليها مع تجاهل كامل لأصحاب البلد الأصليين الشعب الفلسطيني، فكلا الوثيقتين تتضمن ادعاء بأن ما يتم هو إعادة بناء دولة إسرائيل القديمة، لذلك كان على النخبة الإسرائيلية المستنيرة نسبيا أن تلاحظ هذه العلاقة بين الأيديولوجيا الماضوية للاحتلال من جهة وتقويض الديمقراطية في إسرائيل من جهة ثانية، وفي ظل تغييب هذا الربط فإن الدمار الذي أشار إليه الصحفي الإسرائيلي بي مايكل سيكون حقيقة واقعة ولن تفلح عملية تكرار الانتخابات في إنقاذها.


شريط الأخبار السعودية.. ظهور معتمر "عملاق" في الحرم المكي يشعل تفاعلا النائب أبو يحيى:حكومة الخصاونة تقمع النواب حجب 24 تطبيق نقل ذكي غير مرخص من متاجر التطبيقات في الأردن الاحتلال يواصل عدوانه على قطاع غزة لليوم 175.. أبرز التطورات أمطار رعدية متفرقة وأجواء متقلبة... حالة الطقس ليوم الجمعة إصابة 3 أشخاص بحادث تدهور في الحميمة - صور حادث سير بين 4 مركبات في عمان الأردن يرحب بقرار العدل الدولية بشأن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد تل أبيب 120 ألفا أدوا صلاتي العشاء والتروايح في الأقصى 8 مليارات دقيقة مدة مكالمات الأردنيين في 3 أشهر العيسوي يشارك في تشييع جثمان مدير المخابرات الأسبق طارق علاء الدين "نُفذت بسلاح السلطة".. كشف هوية منفذ عملية الأغوار هؤلاء هم أطفال غزة! المقاومة الفلسطينية تعجز جيش الاحتلال قوات الاحتلال أعدمت 200 فلسطيني داخل مستشفى الشفاء مستشار قانوني: جميع مخالفات قانون العمل مشمولة بالعفو العام ارتفاع الإيرادات المحلية أكثر من 310 ملايين دينار خلال العام الماضي البنك الدولي يجري تقييما لشبكة خطوط تغذية الحافلات سريعة التردد في الأردن جيش الاحتلال يعلن إصابة 8 جنود في معارك غزة الأردن وإيرلندا يؤكدان ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في غزة