بين بؤس المعارضة الأردنية في الخارج التي بلغت خمسة أشخاص بالتمام والكمال، وأحلام العصافير (وحلم بمعنى عقل) التي يحملها بعض من يتصدون للمعارضة في الداخل، فإنه يتوجب على المعارضة أن تعيد تنظيم أحوالها وأن تخلع شوكها بأياديها، وأن تتحول للمؤسسية بحيث ترفد الحياة السياسية بجيل جديد من المعارضين الذين يستطيعون التعامل مع تحديات الإصلاح واستكمال المسيرة.
هل يستدعي الأردن المعارضين القدامى والمخضرمين في العمل السياسي مثل يعقوب زيادين، تيسير الحمصي ليقفوا بالطباشير وراء اللوح ويلقنوا كثيرين في أوساط المعارضة الأبجديات الأساسية للعمل السياسي، أما الانتهازيون وصائدو الاعتصامات والظواهر الصوتية فإننا نترفع بمثل هذه القامات عن مخالطتها أو الاقتراب منها.
المعارضة في الأساس أن تمتلك مشروعا كاملا وواقعيا يمكنه أن يوصل مجتمع (المواطنين) إلى حلول للقضايا الملحة وأن يعيد ترتيب الأولويات ويبدأ في ترسيم السياسات، ويمتلك أدوات المتابعة والتقويم، أما المعارضة العبثية فإنها إما غير ناضجة وتحتاج إلى صياغة وبلورة، أو أنها تخريبية، تعطيلية، تفجيرية، وصائدو الاعتصامات الذين يبحثون عن التوتر ليعيدوا أنفسهم بصورة أو بأخرى تحت الأضواء هم النموذج لهذه المعارضة.
أحدهم، وأحجب اسمه لأنني ذكرت في المقال أسماء كبيرة كنماذج للمعارضة وأخشى أن يختلط الأمر وأقع في الحرج، صدعنا طويلا بالمعارضة الأردنية في الخارج وكان يدعي أنه يملك زمامها وأنهم يستعدون لتوجيهاته، ولم يكن ذلك أكثر من عرض لشخص يطلب الاسترضاء ويسعى إليه، وفي واشنطن، حيث تتوافد المعارضة من كل أنحاء العالم ويتجمع المتعاطفون كانت المحصلة سخرية يمكن أن تدخل موسوعة الأرقام القياسية الصغرى.
المعارضة هي عملية أصيلة في جوهر الكينونة السياسية، فالمعارضة هي الوجه الآخر لعملة واحدة مع الحكومة، والأصل في الأشياء التداور وتبادل الأدوار، ولكنها في النهاية تحترم النظام وتعمل على صيانته وحمايته، وما نطمح له في الأردن أن نشاهد بعض الوزراء يقودون المعارضة ضد حكومة إسلامية أو شيوعية أو قومية، طالما أن هذه الحكومة تعمل في ظل النظام وتعمل على صيانته، وبالمناسبة، فإن كثيرا من الشيوخ والرفاق وقادة الطلبة هم على يمين اليمين في مسألة الحرص على الوطن وأمنه واستقراره.
المسألة تتجاوز مجرد تصريحات غوغائية، فالقذائف العشوائية التي انطلقت في اعتصام المتقاعدين العسكريين من شخص أقحم نفسه على حراكهم حملت الكثير من الكراهية وحرضت على العنف، وهذه جرائم تقع تحت طائلة القانون والمحاسبة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية والواق الواق، ومن حيث المبدأ غير مقبولة لا شكلا ولا موضوعا من الناحية الأخلاقية والسياسية.
يعتقد البعض أن هذه هي الحرية، ولكنهم لم يقرأوا التاريخ ولم يطلعوا سوى على نماذج جاهزة للتصدير سبق وأن استخدمت في أمريكا اللاتينية للإطاحة بقادة شعبيين ووطنيين لمصلحة وكلاء الشركات التجارية، أما في الديمقراطيات العاتية فإن مجرد التلميح بمثل هذه التصريحات وراء ألف رمز ورمز فإنه يستدعي الملاحقة والمحاكمة، إن لم يكن يستدعي الضرب دون تهاون أو تردد.
المعارضون الحقيقيون يغيبون لأنهم يشكلون صوت العقل في زمن (الحنجورية)، وعلى الشيوخ والرفاق والشباب والطلاب أن يتولوا عملية التطهير وأن يصونوا مكتسباتهم السياسية التي حققوها عبر مسيرة مهما اختلفنا معها تبقى دائما تحت مظلة الحس الوطني وفي داخل البيت، وليست استقواء أو بلطجة.