كان أوّل ما فعلته بعد استيقاظها، هو التطلّع من النافذة، فشهقت مثل طفلة حين رأت الثلج يغطّي كل الأشياء، وسرحت وهي تراقب الندف البيضاء بشغف، ثمّ اتّجهت لتحكم الغطاء على الصغار وهي تستشعرغبطة ما، إذ تخيّلت فرحتهم بيوم أبيض استثنائي ... وعادت إلى فراشها وهي تفكّر في وجبة ذلك اليوم، فقرّرت أنّ حساء العدس مع الخبز المحمّص سيكون الأفضل...
استيقظ هو، أخبرته بحال الطقس، فاعتدل في سريره لتناول قهوته، وسرح بأمر وقود التدفئة، فأحسّ بقلق، وتمنّى لو ينتهي المنخفض القطبي سريعاً قبل أن تنفد الكمية التي استطاع تدبيرها، وتمنّى لو تمكّن من استدانة مبلغ إضافي تحسّباً لأي طارىء...
استيقظ ابنهما طالب الجامعة، فكان أوّل ما شغله هو العبث بحاسوبه، كما اعتاد أن يفعل كلّ صباح، ثمّ سرعان ما صاح وزمجرَحين اكتشف أن الشبكة لا تعمل، فتناول هاتفه النقّال بسرعة، ليطمئن على الزميلة التي شغلت تفكيره مؤخّراً... فطالعه صوت خشن أجشّ دفعه إلى رمي الهاتف بسرعة وبوجه شاحب حاول إخفاءه عن والديه بالتطلّع عبر النافذة بغيظ !
وخرجت من الغرفة الأخرى صيحة مرحة... وهرع ابنهما الصغيرمسرعاً إلى الحمّام وهو يهتف احتفاءً بالثلج، ويعلن عن رغبته في تناول الإفطار بسرعة حتى يخرج وينضمّ للأصحاب في الخارج !
أفاقت الصغيرة على صوت أخيها، فشاركته الهتاف إلى أن أمرهما أبوهما بالهدوء والتفكير قليلاً في أمر الفقراء والمعوزين ... فصمتا للحظات، لكن فرحة طفوليّة ظلّت تتراقص في العيون .
كان الصغير يتمنّى لو يمتد تأثير المنخفض أسبوعاً كاملاً، ويتساءل في الوقت نفسه عن احتمالية قدوم منخفضات أخرى مع بداية الفصل الدراسي الجديد !
فيما كانت الصغيرة قد قرّرت أن تبدي طاعة استثنائيّة لوالدتها فتساعدها في ترتيب أسرّة النوم عسى أن تسمح لها بالخروج للعب قليلاً بالثلج...
أمّا المراهق، فقد كان لا يزال يرقب الهاتف بقلق... ويتمنى لو يستطيع أن يسمع صوتها ولو بكلمة ألو واحدة... أو أن تصله منها رسالة قصيرة ... حتى لو كانت فارغة !
انتهى الخيال، لنسأل أنفسنا بواقعية : لمَ هذا التوق الجماعي للزائر الأبيض ؟ لقد أرهقنا انتظاره ، أهو الضجر من هذا البرد القارس القاسي الجاف الذي احتلّ معظم أيام الفصل بأنانية دون أن يسمح للشتاء الحقيقي بالحضور ؟ ربّما، ثمّ، لو كان للثلج لون آخر مثلاً، هل كنّا سنحتفي به بالفرح والصخب ذاتهما ؟ أحسب أنّ الإجابة تكمن في احتفائنا بالبياض ذاته، رمزالطهر والبراءة والنقاء، وكلّ ما بات يُصادر من وعينا هذه الأيام .
الثلوج، إنّهاهدية السماء التي شاءت أن تمسّد بها الأرض، لتذكّرنا أنّ النور هو الغالب مهما اشتدّ السواد واستفحلت العتمة وتغوّلت على أرواحنا ... أيّها الثلج، يا ملح الأرض وفرحة القلوب، سنبقى بانتظارك دائماً، فلا تُطل الغياب ...
استيقظ هو، أخبرته بحال الطقس، فاعتدل في سريره لتناول قهوته، وسرح بأمر وقود التدفئة، فأحسّ بقلق، وتمنّى لو ينتهي المنخفض القطبي سريعاً قبل أن تنفد الكمية التي استطاع تدبيرها، وتمنّى لو تمكّن من استدانة مبلغ إضافي تحسّباً لأي طارىء...
استيقظ ابنهما طالب الجامعة، فكان أوّل ما شغله هو العبث بحاسوبه، كما اعتاد أن يفعل كلّ صباح، ثمّ سرعان ما صاح وزمجرَحين اكتشف أن الشبكة لا تعمل، فتناول هاتفه النقّال بسرعة، ليطمئن على الزميلة التي شغلت تفكيره مؤخّراً... فطالعه صوت خشن أجشّ دفعه إلى رمي الهاتف بسرعة وبوجه شاحب حاول إخفاءه عن والديه بالتطلّع عبر النافذة بغيظ !
وخرجت من الغرفة الأخرى صيحة مرحة... وهرع ابنهما الصغيرمسرعاً إلى الحمّام وهو يهتف احتفاءً بالثلج، ويعلن عن رغبته في تناول الإفطار بسرعة حتى يخرج وينضمّ للأصحاب في الخارج !
أفاقت الصغيرة على صوت أخيها، فشاركته الهتاف إلى أن أمرهما أبوهما بالهدوء والتفكير قليلاً في أمر الفقراء والمعوزين ... فصمتا للحظات، لكن فرحة طفوليّة ظلّت تتراقص في العيون .
كان الصغير يتمنّى لو يمتد تأثير المنخفض أسبوعاً كاملاً، ويتساءل في الوقت نفسه عن احتمالية قدوم منخفضات أخرى مع بداية الفصل الدراسي الجديد !
فيما كانت الصغيرة قد قرّرت أن تبدي طاعة استثنائيّة لوالدتها فتساعدها في ترتيب أسرّة النوم عسى أن تسمح لها بالخروج للعب قليلاً بالثلج...
أمّا المراهق، فقد كان لا يزال يرقب الهاتف بقلق... ويتمنى لو يستطيع أن يسمع صوتها ولو بكلمة ألو واحدة... أو أن تصله منها رسالة قصيرة ... حتى لو كانت فارغة !
انتهى الخيال، لنسأل أنفسنا بواقعية : لمَ هذا التوق الجماعي للزائر الأبيض ؟ لقد أرهقنا انتظاره ، أهو الضجر من هذا البرد القارس القاسي الجاف الذي احتلّ معظم أيام الفصل بأنانية دون أن يسمح للشتاء الحقيقي بالحضور ؟ ربّما، ثمّ، لو كان للثلج لون آخر مثلاً، هل كنّا سنحتفي به بالفرح والصخب ذاتهما ؟ أحسب أنّ الإجابة تكمن في احتفائنا بالبياض ذاته، رمزالطهر والبراءة والنقاء، وكلّ ما بات يُصادر من وعينا هذه الأيام .
الثلوج، إنّهاهدية السماء التي شاءت أن تمسّد بها الأرض، لتذكّرنا أنّ النور هو الغالب مهما اشتدّ السواد واستفحلت العتمة وتغوّلت على أرواحنا ... أيّها الثلج، يا ملح الأرض وفرحة القلوب، سنبقى بانتظارك دائماً، فلا تُطل الغياب ...