اخبار البلد_ بدأ شبح التسوية والتفاوض يعود مرة أخرى، هو متعثر ومتباطئ نعم، ولن يفضي إلا لصفرا كبيرا تلك حقيقة موضوعية، كثير من الكتابات والتحليلات تم رصدها مؤخرا تذهب في هذا الاتجاه، وهي اذا تقصد وتستهدف تستهدف النتائج على الصعيد الفلسطيني، ولكن تحليلا معمقا وجادا عن نتائج تلك اللقاءات على الصعيد الصهيوني لم يحدث ولم يكن، الكل ذهب في اتجاه قراءة الحدث على الصعيد والمستوى الفلسطيني، لربما كان ذلك افضل وأريح، ولربما لأن النتائج في ضوء الحيثيات وظل المعطيات تدفع التحليل والكتابة الى الدقة والصحة والمصداقية، وهذا هدف وغاية أي باحث وكاتب ومحلل، لكن المفارقة وهي هنا ذات بعدين، الأول يتعلق بجدوى ومردودية المفاوضات في حد ذاتها كخيار خطه البعض ومنهج انتهجوه، وقد افضت نتائجه لكارثة ولضياع الحقوق والثوابت الفلسطينية، وبالتالي نحن أمام تحليل وتناول معروفة نتائجه ودلالاته سلفا ومسبقا، وباعتراف المفاوض الفلسطيني شخصيا فإن المفاوضات لن تسفر ولن تؤدي إلى شيء، وهذه أمر تسانده وتدفعه كثير من المتغيرات الحاصلة في البيئة المحلية والإقليمية والدولية، لا سيما في ظل السباق المحموم صوب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نحن إذن متفقون مبدئيا بأن اللقاءات والمفاوضات لن تحرك مياه راكدة وساكنة، وبالتالي فلنتجاوز التنظير والتوصيف لهذه القضية على الأقل على صعيد نتائجها فلسطينيا، ولكن ماذا عن الحصاد الصهيوني لهذه اللقاءات والحراكات المتجهة صوب اعادة التفاوض والبداية من الصفر؟.
إذن ما يحدث قطعا لا يخدم المصلحة الفلسطينية بابعادها السياسية والشخصية ذلك الأمر الثاني، لأن اللقاءات والتفاوض في هذا الوقت بالذات سؤدي لأمرين تآكل شعبية الذاهبين للتفاوض وستؤدي الى مزيد من الانشقاق الفلسطيني- الفلسطيني، ونحن الذين نقف ميالا عن مصالحة مرتقبة لم تصل ولم تحل بعض، سأتجاوز الحديث عن المفاوضات واللقاءات، وقبل التجاوز سأشير بأن اجماعا فلسطينيا غير مسبوق متحقق وحاصل بأن هذه المفاوضات لن تجدي ولن تنفع ولن تدفع أمرا ما لتقدم والحضور، الفريق الأول موقفه نتيجة لما افضت اليه السنوات العجاف من التفاوض، والفريق الثاني موقفه مستند لاطار فكري ومنهجي ثابت لم ولن يتغير وهو رافض للتفاوض جملة وتفصيلا، هذا التجاوز لا يعني القفز عن القراءة الموضوعية والمتأنية لاستطلاع الحصاد الصهيوني، إثر وجراء هذه اللقاءات، وهو حصاد له عدة دلالات وابعاد، وإن لم يفضي لنتائج.
الحصاد الصهيوني من اللقاءات والمفاوضات
أولا: اظهار الكيان الصهيوني بأن لا يرفض السلام والتسوية، وهو قابل وموافق على الجلوس مع الطرف الفلسطيني، لكن هذا الطرف'الفلسطيني' هو المتعنت والمتشدد والذي يلوح باشتراطات لا صحة لها ويشهر خيارات لا اساس موضوعي وحقيقي لها، وبالتالي هنا تحول في الصورة الصهيونية لدى الاطراف الغربية والأمريكية بدأت تتحدد وتضح معالمها، فالكيان الصهيوني يجيد توظيف هذه اللقاءات سياسيا واعلاميا، ويستطيع ترميم صورته التي تكآلت في المحافل الغربية جراء حروبه وممارساته وعنصريته.
ثانيا: هذه اللقاءات وفرت مساحة مفتوحة للتحرك الصهيوني في المنطقة، فالكيان وقياداته يتواجدون الآن علنا في العاصمة الأردنية، ويلتقون مع قادة التفاوض الفلسطينيين، وبالتالي تحديات وتداعيات الربيع العربي بدأت هي الأخرى في التآكل، لأنه لن يكون الثوار العرب ملكيين أكثر من الملك، بمعنى اذا قبل الفلسطينيون الجلوس مع قادة الكيان الصهيوني والتفاوض فإنه الثورة العربية لا تملك قطع الطريق على هذه اللقاءات، لا سيما وأنها لازالت مشغولة ومنشغلة بقضاياها الداخلية والتحديات التي تعوق دون استمرارية ومواصلة الفعل الثوري لنهايته وصولا لاهدافه.
ثالثا: أن تمددا صهيونيا تجاوز عمان ليحط في ممالك الخليج، وقد أعلم مؤخرا بأن صفقة عسكرية صهيونية اماراتية قد توقفت لا نتيجية للقاءات عمان فهذا أمر مسبعدا بل ربما ساعد اللقاء على البوحة بتوقف الصفقة ولكن لاسباب ذاتية أمنية صهيونية بحتة توقفت الصفقة، ونحن هنا نتحدث عم أمر معلن وسمح التصريح به في الإعلام، وبالطبع هناك دائما جزء مسكوت عنه.
رابعا: اللقاءات وفرت حصانة وأمان لائتلاف حكومة النتنياهو، ومدت جسورا داخل الاطراف السياسية الصهيونية، وقطع الطريق على الممر المودي بأن السلام والتسوية قد ذابت وتلاشت، بل هذه اللقاءات استدعت العجوز بيريز والذي كاد الرأي العام الصهيوني أن ينساه ويتناساه، فقد بدأ الرجل وكأنه عراب التفاوض والتسوية، وهو الذي قطع كل الحبال والأصال عندما كان رئيسا للوزراء في الكيان الصهيوني، إذن، وفرت اللقاءات والمفاوضات صمام أمان داخلي للكيان وائتلافه، وظهر النتنياهو كأنه حمامة سلام، وهو الذي هوجم وشهدت ولايته مظاهرات واعتصمات لم يشهدها الكيان من قبل، وبالتالي اللقاءات وفرت له أيضا فرصة للالتفات للقضايا الداخلية بحصانة في وجه صومه وأعدائه.
خامسا: اللقاءات أدت لانشغال فلسطيني وتبادل للحمم والقذائف الاعلامية على حساب قضايا هي غاية في الأهمية، فاللقاءات كادت أن تودى بالمصالحة وبالفعل رصدت بعضا المناوشات لكنها لم تصل حد الاشتباكات، المقصد هنا بأن الانشغال والالتهاء الفلسطيني الفلسطيني أدى لحول بصري عن كثير من الممارسات الصهيونية الحاصلة والتي تطول الأرض والانسان والحجر وكل مكونات ومقومات الحياة والحقوق والثوابت الفلسطينية، وتجدر الإشارة هنا بأن هذه اللقاءات في أحد أهم معانيها ومقاصدها تعني بأن هناك موافقة فلسطينية ضمنية على الممارسات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس وأراضي 48.
سادسا: اللقاءات ستؤدى الى افصاح الطرف الفلسطيني عن غالبية وكافة أوراقه، لأن الهدف ليست اذابة الثلج أو الجليد، ولكن الهدف الصهيوني استنباط وقراءة الخيارات الفلسطينية، وإن كانت جادة أم أنها سيف من خشب ولربما من ورق يلوح به، والحديث عن منع الرئيس الفلسطيني من حرية الحركة رسالة ابتزاز الهدف منها معرفة وفهم رد الفعل الممكن والمتوقع، وقد تزامن ذلك مع ابتزاز آخر هو أن السلطة قد لا تقدر على الوفاء بالتزاماتها المالية، وتلك اسطوانة تحضر كلما اقتربت وحل موعدا للقاءات، وكأن هذه الالتزامات المالية هي ثمن التفاوض والتفريط لا غير.
الخلاصة، نتقف مع من يقولون بأن المفاوضات واللقاءات لن تنفع ولن تجدي ولن تمر ولن تحدث معجزة وأنها صفرا كبيرا في أولها وآخرها، ولكن هذا على الصعيد والمستوى الفلسطيني، أما على الصعيد الصهيوني فهذه اللقاءات حققت ما هو مطلوب منها ولربما أكثر، لا يريد الكيان الصهيوني تقدما في الفاوضات بالقطع، لكنه يريد توظيف هذه اللقاءات لمصالح ومحددات هي غاية في الأهمية ولا أقول أنها لم تتحقق ولا أضيف بأنها تحققت كلها، لكنها في الحد الأدنى لها، تعني بأن حصادا وتوظيفا صهيونيا قد حدث بالفعل، وهو ما يعني صفرا لك وعشرة لي.ثابت العمور