رحلة عيش في الخفاء استمرت 21 عاما هي سنوات حياة خالد، والتي انتهت فصولها قبل أسابيع قليلة عندما نجح في انتزاع شهادة ميلاد وهوية شخصية كانت حلم حياته على مدار سنوات.
ولد خالد لأم من جنسية عربية قدمت الى الأردن قبل موعد ولادتها بأسابيع قليلة مع والدها وأشقائها لتحل ضيفة على عائلة أردنية، وترتبط كلا العائلتين بصداقة بين والد الأم ورب الأسرة الأردنية.
وبررت العائلة قدومها للأردن بالبحث عن رعاية طبية أفضل، وبعد أن تمت الولادة في أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة عمان عادت الأم ووليدها وعائلتها للإقامة لدى العائلة الأردنية.
وتروي كفاية عزام قصة أخيها بالاحتضان الذي رعته والدتها، حيث تقول: "بعد خروج الأم من المستشفى طلبت إبقاء خالد لعدة ساعات لدينا في المنزل لحين شراء بعض الحاجيات له من حليب أطفال وملابس، لكنها لم تعد منذ ذلك الحين”.
وحاولت العائلة جاهدة البحث عن أسرة الطفل، وبعد مراجعة دائرة الاقامة والحدود تبين أن الأم وعائلتها غادروا الأردن، ثم تواصلت العائلة مع جد الطفل الذي أرسل مبلغ 100 دينار كحواله مالية، واعدا بالعودة لاستلام الطفل، لكن بعد ذلك عمل الجد وجميع أفراد أسرته على تغيير أرقام هواتفهم.
وتقول كفاية: "وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة، وخلال هذه الفترة تعلقت والدتي رحمها الله بخالد كثيرا، كما كنا نخشى من التبعات القانونية في حال بلغنا عن وجود الطفل معنا”.
وبين تخوفات من سحب الطفل وتسفيره الى بلاد والدته، وتعلق والدة كفاية بالطفل، قررت العائلة رعاية الطفل، لكن هذه الرعاية كانت في الخفاء، ولم تتمكن العائلة من إصدار شهادة ميلاد أو أية وثيقة تثبت هوية الطفل.
ورغم الرعاية التي حظي بها خالد لدى عائلة العزام، لكنه لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة لعدم وجود أوراق ثبوتية له، وبقي هذا حاله حتى العام 2013 عندما توفيت السيدة التي ترعاه "والدته البديلة” بسكتة دماغية، حيث تقدمت كفاية وأشقاؤها في حينه ببلاغ لإدارة حماية الأسرة بهدف توثيق واستخراج إثبات هوية لخالد، والأخيرة بدورها قامت بتحويل العائلة الى سفارة دولة الأم.
وتوضح كفاية: "تم التعرف على الأم وعائلتها في السفارة، كما تبين أنهم كانوا قد دخلوا الأردن أكثر من مرة بعد تلك الحادثة، لكن لم نتمكن الوصول الى أي خيط لربطنا بالعائلة، وكنا في حينها قد اتخذنا قرارا بعدم المراجعة مجددا”.
أما قرار الاسرة بعدم متابعة الملف فيعود لرغبة خالد في عدم معرفة أو التواصل مع عائلته البيولوجية، لأنه لم يعرف أمه يوما، وتعلق بسيدة لا ترتبط به بالدم عوضته عن كل مشاعر الأمومة والعطف، وهو تعلق استمر حتى بعد وفاتها.
ويحرص خالد كما يعرف عنه في الحي الذي يقطن به، على المشاركة في جميع الجنائز التي تقام في المقبرة التي دفنت فيها أمه البديلة، ونظرا لبعد المسافة بين المقبرة ومكان سكنه فإن الجنائز توفر له فرصة العثور على سيارة تؤمنه بالوصول الى المقبرة وزيارة القبر والحديث مع والدته.
وغالبا ما يردد خالد قصصا عن والدته البديلة ويذكرها بين المحيطين به وعلى صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد وفاتها حظي خالد برعاية أبنائها وبناتها باعتباره الأخ الأصغر في العائلة، وانتقل خالد للعيش في منزل كفاية التي اعتاد على مناداتها بلقب "عمتي” كونها أكبر أبناء الأسرة، كما يتنقل في إقامته بين منازل شقيقاته وأشقائه.
واستمر خالد على هذه الحال، لكن مع تقدمه في السن زادت التحديات والمشاكل، فهو ليس قادرا على العمل بسبب عدم وجود أي وثيقة تثبت شخصيته، هذا فضلا عن بعض الحوادث التي تعرض لها من توقيف في مراكز أمنية بسبب عدم وجود هوية معه.
وتكرار هذه المواقف دفع بالعائلة الى بث قضيته على إحدى القنوات الاذاعية، ليتم ربط العائلة بوزارة التنمية الاجتماعية التي حولت العائلة الى مركز العدل للمساعدة القانونية.
وتبين المحامية في المركز الهام أبو لبدة أن قضية خالد كانت من أكثر القضايا تعقيدا لجهة عدم توفر أي ورقة تثبت وجوده.
وتوضح أبو لبدة: "بداية توجهنا الى المستشفى الذي ولد فيه خالد، حيث تبين أن جميع الملفات متلفة، وبالتالي لم نتمكن من الحصول على واقعة ولادة تثبت ولادته بالمشفى”.
وتضيف: "الخطوة الاخرى كانت التوجه الى دائرة الاقامة والحدود، حيث تبين أن الأم كانت دخلت الى الأردن من حدود برية لبلد عربي وذلك لغاية الولادة في الأردن، كما تبين أن أفرادا من عائلتها زاروا الأردن في أكثر من مرة، لكن كل ذلك لم يوفر بينة لإثبات أن خالد هو ابن تلك السيدة”.
ومع تضاؤل فرص إثبات الهوية لخالد، ظهر طرف خيط للمحامية ساعد في إثبات هويته، ويتمثل ببلاغ لدى ادارة حماية الاسرة في العام 2013، والذي شكل الأساس لإثبات هوية خالد والسير في إجراءات القيد المدني.
وتشير أبو لبدة الى المساندة والدعم من قبل ادارة حماية الاسرة، الى جانب الدعم الذي قدمته وزارة التنمية الاجتماعية، لافتة الى أن وزارة التنمية خاطبت دائرة الاحوال المدنية لإصدار الاوراق الرسمية الخاصة بخالد، استنادا الى بند في قانون الأحوال المدنية.
وتنص المادة 34 من قانون الاحوال المدنية على أنه: "اذ تم التبليغ أو الوفاة بعد المدة القانونية خلال السنة الاولى من الواقعة داخل المملكة وخلال سنتين خارجها يسجل أمين المكتب هذه الواقعة في سجلاته بعد القيام بالتحريات اللازمة والتحقق من صحة التبليغ”.
وفي الفقرة "ب” من المادة ذاتها، تنص على "رغم ما ورد في الفقرة أ من هذه المادة، يجوز تسجيل المولود غير الشرعي في أي وقت بناء على كتاب من وزارة التنمية الاجتماعية”.
ولفتت أبو لبدة الى انه بعد 8 شهور من الاجراءات القانونية تمكن خالد من الحصول على شهادة ميلاد أردنية وهوية أحوال مدنية.
وتنص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في المادتين 7 و8 منها، التي صادق عليها الأردن، على ان يسجل الطفل بعد ولادته فورا، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم، والحق في جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما، كما تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان.
كما تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وإذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.
ويرى خالد في شهادة الميلاد ولادة جديدة له، وخروجا من العتمة والخوف الى النور والحياة.
ورغم ذلك، فثمة تحديات كثيرة ما زالت تواجهه للاندماج والعيش في المجتمع، أبرزها عدم قدرته على القراءة والكتابة، وعدم وجود أي مؤهلات لديه تساعده في العثور على عمل يعتاش منه.
ويأمل خالد بعد أن حصل على هوية، الالتحاق ببرنامج للتأهيل والتمكين المهني يساعده في ايجاد مهنة يعتاش منها، وهنا تؤكد أبو لبدة أهمية وجود برامج رعاية لهذه الحالات الخاصة من الاطفال واليافعين، بما يضمن لهم حياة كريمة ومستقرة.الغد