- كتب سميح العجارمة ..-التاريخ صفحة واحدة ؛ فقط يتبدل فيها الزمان و المكان و الأشخاص ، فماذا سيكتب التاريخ في صفحته عن المعارضة الأردنية ؟ !
أعتقد أنه سيذكر أن زمن المعارضة الأردنية الفاعلة بدأ و تلاشى في عقد الخمسينات من القرن الماضي ، و سيذكر أيضاً أنه في بداية العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين بدأت محاولات لبعث معارضة أردنية حقيقية ، لم يختلف الزمن في صفحة التاريخ فحسب بل والمكان اختلف أيضاً لأن محاولات انبعاث المعارضة لم يأتي من داخل الأردن فقط و لكن من خارجه أيضاً ، فتولدت بؤر المعارضة في بعض عواصم القرار في العالم ، و اختلف أيضاً الأشخاص و لكن – بالأغلب – للأسوأ فمعظمهم سواء أفراد أو أحزاب لا يمتلكون رؤية واضحة و لديهم أهداف و مصالح شخصية ضيقة ركبوا لأجل تحقيقها موجة الربيع العربي ، وهذه هي أزمة المعارضة الأردنية !
لا يعني حديثي أنه لم تكن هناك معارضة أردنية منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي إلى الآن ، و لكن لم يكن هناك تيار معارضة واضح يحسب له حساب ، و كل ما كان هناك أنه في كل عقد تقريباً كانت تبرز شخصية معارضة تعمل بشكل منفرد مثل ليث شبيلات أو الدكتور أحمد عويدي العبادي أو السيدة توجان فيصل … ، و لم يكن هناك وجود حقيقي لمعارضة أردنية بالخارج على شاكلة المعارضة العراقية بالخارج في ذلك الزمن .
أزمة المعارضة الأردنية تتمثل في عدم ثقة الشارع الأردني فيها ، و في تشرذمها ، و عدم اتفاقها على أهداف محددة و على آليات لتحقيق تلك الأهداف ؛ و لنأتي للحديث عن التيار الإسلامي و يمثله جماعة الأخوان المسلمين و ذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي ، فهذا التيار الذي يطرح نفسه كقائد لقوى المعارضة يعاني أكثر من غيره من أزمة حقيقية ؛ فقد وقف مذهولاً حائراً في بداية هذا العام أمام تداعيات ما حدث في تونس و مصر بداية حلول ( الربيع العربي ) ، لأن ما حدث هناك من تغيير هائل لم تقم به القوى الإسلامية التي كانت توهم العالم أجمع أنها وحدها القادرة على قيادة التغيير في العالم العربي ، لذا لم يقتنع الأردنيون بجدوى السير وراء الإسلاميين ؛ لأن من قام بالتغيير هناك هم جيل ( الفيس بوك ) المتهمين من الإسلاميين بالفساد و الجهل و السعي لتقليد الغرب !
لذا عجز التيار الإسلامي في الأردن عن خلق معارضة فاعلة ، برغم أن هذا التيار طرح مطالب محددة - في الفترة الأولى للربيع العربي - على لسان حمزة منصور أحد قيادييه ، و تتمثل في (إصلاحات تشريعية في مقدمتها قانون انتخاب يتفق والمعايير الديموقراطية، ويفضي إلى حكومة برلمانية برامجية، وضمان الحريات والحقوق الدستورية للمواطنين بما يكفل لهم حق التعبير والعمل والتنظيم الحزبي والنقابي والانتقال، بعيداً عن تدخل الأجهزة الأمنية، وعدالة تتيح فرصاً متكافئة للمواطنين في التعليم والعمل والعلاج، ووضع حد للفساد المالي والإداري والأخلاقي.) و ابتعد هذا التيار – التيار الإسلامي - عن الخوض في مطلب ( الملكية الدستورية ) الذي ينادي به البعض ، أي بمعنى أن التيار الإسلامي في الأردن كان عقلانياً بالطرح ، و لكن أزمته تمثلت بالمواطن الأردني الذي يعتقد أن الإسلاميين و الحكومة يتفاوضون لتحقيق مصالح الطرفين على حسابه ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى معظم الأردنيين يؤمنون أن وجود شخص وطني فاسد – إن صح التعبير – بموقع المسؤولية أفضل ألف مرة من وجود شخص بنفس الموقع منتمٍ للتيار الإسلامي وولاؤه ليس للأردن فقط و لكن لامتدادات تنظيمه خارج الوطن !
كذلك من أحد أهم المآخذ على التيار الإسلامي بالأردن هو أن تركيبته التنظيمية عكس المألوف بالعالم ، فالمعروف في العالم أن الأحزاب تمتلك جمعيات و روابط أما في الأردن الجمعية تمتلك حزب !
فأزمة المعارضة الأردنية الإسلامية تتمثل في حقيقة أن حزب الجبهة يتبع تنظيم الأخوان المسلمين و ليس العكس ، و هذا ليس موضع جدال فالجميع متأكد من هذه التبعية التي أفقدت حزب الجبهة ثقة الشارع الأردني كقوة معارضة وطنية لأن الأردنيين يعلمون بتبعية الحزب لجمعية الأخوان المسلمين في الأردن الذين يتبعون بالولاء لتنظيمات الأخوان المسلمين في دول أخرى و خصوصاً في مصر .
أطلت بالحديث عن أزمة المعارضة الإسلامية في الأردن لأن الرأي العام العالمي يعتقد أن التيار الإسلامي في الأردن هو أهم تيارات المعارضة و هو من يقود المطالبة بالتغيير و الإصلاح ، وهذا غير صحيح بل أن التيار الإسلامي في الأردن جزءٌ من المشكلة الوطنية و ليس جزءاً من الحل كما يعتقد البعض ، وشرح ذلك يطول و ليس هذا مكانه الآن .
بالنسبة لقوى المعارضة الأخرى في الأردن فهي تعاني من أزمة أشد من أزمة الإسلاميين ، فتلك القوى ليس لها وزن حقيقي في الشارع الأردني ، مثل قوى التيار القومي الذي تقزم بعد إنهيار العراق ، و القوى اليسارية التي فقدت بريقها بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ، و كثيراً من قادة هذا التيار تركوا مبادئهم خلف ظهورهم عندما لوحت لهم الحكومات الأردنية بمنصب وزاري ، مما أثبت أنهم يسعون وراء مصالح ضيقة .
أما بالنسبة لقوى الوسط التي تدعي أنها أحزاب برامجية فقد تكاثرت في الأردن كالفطر ، و جميعها تطرح نفس البرامج و الأهداف و لا تختلف عن بعضها إلا بالصياغة اللغوية الخالية من محتوى دسم حقيقي ، لذلك عجز هذا التيار عن طرح نفسه كمعارضة يحسب لها حساب .
أما المعارضة المتولدة خارج الوطن و خصوصاً في أمريكا و بريطانيا فأزمتها تتمثل بالمثل الإنجليزي الذي يقول (Nobody listens until you say something wrong )
أي أنهم يؤمنون انه لن يصغي لهم أحد إلا عندما يقولوا شيئاً خاطئاً ، لذا يتقولون على الوطن الكثير من الأشياء الخاطئة في محاولة يائسة منهم لحث الغرب أن يصغي إليهم ، و لإيهام العالم أنهم يمثلون الأردنيين مع أنهم يمثلون مصالحهم الخاصة و طموحاتهم فقط ، و آلية عملهم معتمدة على إنشاء صحف الكترونية و مخاطبة منظمات حقوق الإنسان و حشد الإعلام الغربي ضد الأردن ( وطنهم ! ) ، ومعظم القائمين على ذلك مستعدون للهرولة نحو الموالاة إذا لوحت لهم الحكومة الأردنية بالعودة للوطن و تسليمهم مناصب و مراكز و مقاسمتهم الكعكة الأردنية ، و نسأل هؤلاء الذين وقفوا في شوارع أمريكا في وجه مليكهم معلنيين أنهم معارضة نسألهم : هل لفظتكم شوارع عمان و منعتكم أن تأتوا إليها لتعلنوا عن معارضتكم ؟! أم أنكم تستقوون بالأجنبي ؟! علماً أنهم غير منفيين عن الوطن إلا برغبتهم و من أجل الدولار و ليس من أجل مبادئ سياسية ناضلوا من أجلها و ضاق بها وطنهم فهجروه أو نفاهم الوطن .
إن من أبرز أسباب أزمة المعارضة الأردنية هو أن نظام الحكم في الأردن – لحسن حظ الشعب - لم يجعل بينه و بين الشعب بحر دماء فتستغله المعارضة لتبحر من خلاله بقاربها إلى قلوب الشعب ؛ مما جعل الشعب يميل عاطفياً و يثق فعلياً بنظام الحكم أكثر من ثقته بالمعارضة ، و خصوصاً أن المعارضة الأردنية لم تطرح حلولاً و برامج واقعية لمشاكل الشعب ، و اكتفت بإطلاق الشعارات بدون عرض آلية تنفيذ لتلك الشعارات ! و هذا جعل الشعب يؤمن أكثر بالمقولة الشعبية ( إلي جربته أحسن من إلي ما جربته ) !
جميع القوى في الأردن و الخارج التي لبست لباس المعارضة تحنطت خلف شعار ( الإصلاح و محاربة الفساد ) بدون أن تطرح آليات واضحة لتحقيق هذا الشعار !
المعارضة الأردنية تواجه أزمة حقيقية ؛ فعليها قبل أن تحاور الحكومة الأردنية أن تحاور تياراتها ، و تصل لحد أدنى من التوافق على الأهداف و على الوسائل لتحقيق تلك الأهداف ، و أهم من ذلك على المعارضة أن تتفق مع نفسها لأي مدى مستعدة أن تذهب لتحقيق مطالبها بالتغيير و الإصلاح , بغير ذلك ستكون قوة المعارضة الحقيقية الموجودة في الأردن هي جيل ( الفيس بوك ) و هذه القوة هي الأخطر لأنه لا يعرف لها قادة تستطيع محاورتهم و لا تقف أهدافها عند حد معروف !!
هل من الممكن تأسيس جبهة معارضة حقيقية تكون لها كلمة واحدة تمثل جميع أطياف المعارضة الباهتة ؟ اعتقد أنه بات من المؤكد أن أطياف المعارضة الأردنية ستبقى في جزرٍ متباعدة و أن كل فئة معارضة ستغني على ليلاها و حسب مصالحها !
أيتها الأحزاب أو المجموعات و التيارات التي تدعي المعارضة كيف لنا أن نقتنع بوجود معارضة فاعلة تصدر بياناً ثلثه الأول تأكيد على الولاء و ثلثه الأخير تأكيد على الولاء و ثلثه الأوسط مطالب تُطرح بطريقة خجولة ! ليس خطأً التأكيد على الولاء - بل على العكس من ذلك- فهو مطلوب في هذه المرحلة الحساسة ، و لكن الخطأ هو بتسمية مصدري البيان ( معارضة ) و طرح أنفسهم كـ ( قوى معارضة )!