إلا أن خبراء في الشأن الاقتصادي أكدوا أن ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم سيبقى مستمرا خلال الفترة المقبلة؛ نظرا للارتفاعات العالمية التي بدأت مع التعافي من جائحة كورونا وازدادت شدّتها منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية أواخر شباط/ فبراير الماضي.
من جهته، قال المحلل الاقتصادي حسام عايش إن الأردن يستورد أكثر من 2.5 ضعف ما يُصدّر، وبما يقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا حجم كبير جدا، أدى وسيؤدي إلى استمرار تعرضنا لكل الظواهر الاقتصادية العالمية المتعلقة بارتفاع الأسعار والتضخم الناتح عنه.
وبين عايش أن ارتدادات المشكلات الاقتصادية العالمية تظهر في أوتار لاحقة، ودائما تكون هناك محاولة حكومية لطمأنة الناس بأن الأمور تحت السيطرة وأن الحكومة تدرك المشكلات العالمية التي قد تؤثر علينا، لكنها كانت تُهون وتقلل من شأن هذه المشكلات باستمرار، وهي تكاد تكون ثقافة حكومية مستمرة منذ عقود وليست جديدة.
وأضاف أن الحكومة تتخذ القرارات عندما يشعر المواطنون بوطأة المتغيرات الخارجية على أوضاعهم، وذلك يكون على شكل ردة فعل اضطرارية وليست دراسة حقيقية للأوضاع.
وذكر أن هناك زيادة في معدل التضخم الشهري قياسا إلى الشهر السابق، كما أن هناك اتجاه صعوديا واضحا للتضخم شهرا بعد شهر، علما أن ارتفاع الأسعار والتضخم مستورد من الخارج في جانب منه، وفي جانب آخر له علاقة بأوضاعنا الاقتصادية العامة التي تُفاقم من ارتفاع الأسعار، وبالتالي التضخم.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن العوامل المحلية المتعلقة بالتضخم تظهر في الكلف الضريبية المرتفعة- سواء المباشرة أو غير المباشرة-، وارتفاع أسعار الفائدة، والحلقات الكثيرة الوسيطة بين التاجر والمستهلك والتي تضيف مزيدا من ارتفاع الأسعار حتى في الظروف العادية.
وأضاف لتلك العوامل الاحتكار، بالرغم من أن هناك قانون منافسة وحماية للمستهلك، إلا أن هذه القوانين غير مفعلة بالمعنى العملي وهذا يلعب دوار في التأثير على الأسعار.
وتابع: هناك مصلحة حكومية بارتفاع معدل التضخم؛ لأن وصوله إلى 5% على سبيل المثال، يُضاف إلى النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، وعندما يزداد حجم الناتج المحلي تنخفض نسبة المديونية إلى هذا الناتج، وهو أمر مهم بالنسبة للمؤشرات التي ترغب الحكومة بالوصول إليها.
وبين أن ذلك يسمح للحكومة بالقول إن العجز في الموازنة أصبح أقل كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يمكنها أن تقول إنها حققت نجاحا في المستهدفات أو المؤشرات الاقتصادية المختلفة، كما أن الحكومة تحصل على إيرادات إضافية مع ارتفاع الأسعار ناتجة عن ضريبة المبيعات والتي تُقتطع كنسبة من السعر.
وأوضح عايش أن كل دول العالم وبالرغم من الإجراءات التي تتخذها، لم تحد من ارتفاع معدلات التضخم، بل وصلت في العديد من الدول إلى أعلى المستويات منذ عقود طويلة، وبالتالي فإن الآثار المتوقعة على الأردن مقبلة، مستذكرا أنه وخلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وصل معدل التضخم محليا إلى حوالي 14%، وبالتالي فإن معدلات التضخم ستواصل الارتفاع.
وشدد على أن هذا يستدعي إجراءات وسياسات وبرامج جديدة وإيجاد بدائل على مستوى الغذاء والنقل، علما أن الأردن في إطار موجة الغلاء التي لم تصل ذروتها بعد، فالأردن بدأ الآن الاستيراد من الخارج، وارتفاع الأسعار حالة مستمرة، ومع كل عملية استيراد جديدة سنشعر أن هناك تأثيرا على معدلات التضخم.
وأشار إلى أن أكثر القطاعات تأثرا بارتفاع الأسعار هي الطاقة بأشكالها المختلفة، وهي سلعة مركزية يؤثر ارتفاعها على كافة السلع والخدمات في السوق، وكل عمليات الإنتاج والكلف التشغيلية.
وأضاف عايش أن الأغذية وتحديدا الأساسية منها ستشهد أسعارها مزيدا من الارتفاع؛ بما في ذلك القمح والزيوت والسكر والذرة والأرز، وهذه الأغذية هي المكون الأساسي لغذاء الأسرة الأردنية وثلثي الأسر حول العالم.
وتابع: أسعار الشحن سترتفع مع زيادة الطلب العالمي على السلع بالتزامن مع التعافي من جائحة كورونا، فيما جاءت الأزمة الأوكرانية والإجراءات والعقوبات الأوروبية على قطاع الطاقة الروسية لتضيف مزيدا من الارتفاعات في الأسعار.
يُشار إلى أن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك ” التضخم” ارتفع في الثلث الأول من العام الحالي بنسبة 2.62 بالمئة، ليبلغ 104.58 مقابل 101.91 للفترة نفسها من العام الماضي 2021.
وأشارت دائرة الإحصاءات العامة في تقريرها الشهري، إلى ارتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر نيسان من هذا العام، بنسبة 3.59 بالمئة، ليصل إلى 105.99 مقابل 102.31 للشهر نفسه من العام الماضي.
أما على المستوى الشهري، فبلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر نيسان من هذا العام 105.99 مقابل 104.73 لشهر آذار من العام نفسه، مسجلاً ارتفاعاً نسبته 1.20 بالمئة.