الآن يبدو أن فريقًا آخر يستخدم تلسكوب هابل الفضائي وجد أخيرًا شيئًا لم يره أحد من قبل، وهو ثقب أسود غير مرئي تمامًا، وتم الإعلان عن ذلك في مجلة الفيزياء الفلكية.
والثقوب السوداء هي ما يتبقى بعد موت النجوم الكبيرة وانهيار نواتها، إنها كثيفة بشكل لا يصدق، مع جاذبية قوية جدًا بحيث لا يمكن لأي شيء أن يتحرك بالسرعة الكافية للهروب منها، بما في ذلك الضوء.
ويحرص علماء الفلك على دراسة الثقوب السوداء لأن بإمكانهم إخبارنا بالكثير عن الطرق التي تموت بها النجوم، ومن خلال قياس كتل الثقوب السوداء، يمكننا معرفة ما كان يحدث في اللحظات الأخيرة للنجوم، عندما كانت النوى تنهار وطُردت طبقاتها الخارجية.
وقد يبدو أن الثقوب السوداء هي بحكم تعريفها غير مرئية، فقد اكتسبت اسمها بعد كل شيء من خلال قدرتها على حبس الضوء، لكن لا يزال بإمكاننا اكتشافها من خلال الطريقة التي تتفاعل بها مع الأشياء الأخرى بفضل جاذبيتها القوية، وتم اكتشاف المئات من الثقوب السوداء الصغيرة من خلال طريقة تفاعلها مع النجوم الأخرى.
وهناك طريقتان مختلفتان لمثل هذا الاكتشاف، ففي النجوم الثنائية للأشعة السينية، حيث يدور نجم وثقب أسود حول مركز مشترك أثناء إنتاج الأشعة السينية، يمكن لحقل جاذبية الثقب الأسود سحب المواد من رفيقه.
وتدور المادة حول الثقب الأسود، وتسخن بسبب الاحتكاك أثناء قيامها بذلك، وتتوهج المادة الساخنة بشكل ساطع في ضوء الأشعة السينية، مما يجعل الثقب الأسود مرئيًا، ويمكن أيضًا اكتشاف أزواج من الثقوب السوداء عندما تندمج معًا، وتتصاعد إلى الداخل وتنبعث منها وميضًا قصيرًا من موجات الجاذبية، وهي تموجات في الزمكان.
وهناك العديد من الثقوب السوداء المارقة التي تنجرف عبر الفضاء دون أن تتفاعل مع أي شيء، مما يجعل من الصعب اكتشافها، وهذه مشكلة، لأنه إذا لم نتمكن من اكتشاف الثقوب السوداء المعزولة، فلا يمكننا معرفة كيفية تشكلها وموت النجوم التي أتت منه.
ولاكتشاف مثل هذا الثقب الأسود غير المرئي، كان على فريق العلماء الجمع بين نوعين من الملاحظات على مدار عدة سنوات.
تنبأت نظرية النسبية العامة لأينشتاين بأن الأجسام الضخمة ستؤدي إلى انحناء الضوء أثناء مروره عبرها، وهذا يعني أن أي ضوء يمر بالقرب من ثقب أسود غير مرئي، ولكن ليس قريبًا بدرجة كافية لينتهي به الأمر بداخله، سينثني بطريقة مماثلة للضوء الذي يمر عبر العدسة، ويسمى هذا بعدسة الجاذبية، ويمكن رصده عندما يتماشى الجسم الأمامي مع كائن في الخلفية، مما يؤدي إلى ثني ضوءه، وتم استخدام هذه الطريقة بالفعل لدراسة كل شيء من عناقيد المجرات إلى الكواكب حول النجوم الأخرى.
جمع مؤلفو هذا البحث الجديد نوعين من ملاحظات عدسات الجاذبية في بحثهم عن الثقوب السوداء، وبدأ الأمر برصدهم للضوء القادم من نجم بعيد يتضخم فجأة ، مما يجعله يبدو أكثر إشراقًا لفترة وجيزة قبل العودة إلى طبيعته.
ولم يتمكنوا من رؤية أي جسم في المقدمة تسبب في التكبير عبر عملية عدسة الجاذبية، هذا يشير إلى أن الجسم قد يكون ثقبًا أسودًا منفردًا، وهو شيء لم يسبق رؤيته من قبل، وكانت المشكلة أنه يمكن أن يكون مجرد نجم خافت.
ويتطلب اكتشاف ما إذا كان ثقبًا أسودًا أم نجمًا خافتًا الكثير من العمل، وهنا جاء النوع الثاني من ملاحظات عدسات الجاذبية، حيث التقط المؤلفون صوراً مع هابل مرارًا وتكرارًا لمدة ست سنوات، وسمح لهم ذلك بحساب كتلة ومسافة الكائن الذي تسبب في تأثير العدسة، ووجدوا أنها تساوي سبعة أضعاف كتلة شمسنا، وتقع على بعد حوالي 5000 سنة ضوئية، والتي تبدو بعيدة ولكنها في الواقع قريبة نسبيًا، ويجب أن يكون النجم بهذا الحجم وهذا القرب مرئيًا لنا، ونظرًا لأننا لا نستطيع رؤيته ، فقد استنتجوا أنه لا بد أنه ثقب أسود غير مرئي.