الاستبداد اساس الفساد
يقرن ارسطو الاستبداد بالطغيان وقال انهما نوعان من الحكم يعاملان الرعايا على انهم عبيد وهو يميل الى أن الرعايا يخضعون لأنهم عبيد بطبيعتهم ويرى ايضا انه ذو سمة اسيوية اما اليوناني فيأنفه بطبعه ويبدو أن رايه هذا كان متأثرا بأسلوب الحكم عند الفرس في زمنه. آما افلاطون استاذ ارسطو فيصف المستبد ويميل لتسميته بالطاغية بانه "كائن حيواني ينشغل بالملذات المتقلبة نقيض الروح الخالدة هو من أتعس العالمين ومدينته مدينة شقية العلاقة بين الحاكم والمحكومين هي علاقة السيد بالعبد ويصف حكومة الطغيان انها" حكومة الفرد الظالم أو الحاكم الجائر حيث يسود الظلم الكامل بغير خجل".
وبقي المفكرون الاوربيون متأثرون بفلسفة ارسطو و بنظرته نحو الشرق فقسموا العالم الى غرب تليق به الانظمة التي تكرس العدالة والحرية وشرق لا يقوم الحكم فيه الاعلى الاستبداد واخضاع المحكومين أما مفهوم الاستبداد لدى الغرب حاليا فهو يطلق على "نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة" وهنا يصبح المعنى انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين أي العبيد.
وفي التراث العربي القديم ارتبط مفهوم الاستبداد بالتراث الفارسي القديم فظهر لدينا ما يسمى "العادل المستبد" أي القوي في تحقيق العدل وهو ما أشار اليه الشاعر العربي عندما قال "أنما العاجز من لا يستبد" -ورأيت الرئيس التونسي الجديد يرفضه مطلقا بدعوى ان المستبد العادل سينتهي مع الوقت الى مستبد مطلق.
ومن اغرب ما قرأته عن الفرس انهم كانوا عندما يموت الملك يؤخرون تعيين ملك جديد لعدة ايام يتركون الناس فيها على بعضهم فيكثر القتل والاغتصاب واللصوص حتى يعين الملك الجديد ليكون الولاء له خالصا فهو الحامي والمخلص ويستبد بهم فيحبونه.
يعرفه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لغويا بانه غرور المرء برأيه والانفة عن قبول النصيحة او هو الاستقلال في الرأي ويعرفه من منظور سياسي بانه "تصرف فرد او جماعة في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة" اما محمد عبده الذي عاش في زمن الكواكبي أيضا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فيعرف "المستبد عرفا من يفعل ما يشاء غير مسؤول و يحكم بما يقضي به هواه ".
لو نظرنا خارطة الاستبداد في العالم لوجدناه فساده يظلل قاراته الخمس ومعظم دوله في رومانيا القديمة والحديثة في بريطانيا والمانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال في كوبا وتشيلي وفي اثيوبيا واوغندا في روسيا وايران والصين ومنذ الف عام فأكثر كل اقطارالمسلمين. ولكنا علينا كشرقيين أن نعترف ان الاستبداد لدينا تم تزيينه وتزييفه وتسهيله اكثر منه عند الامم الاخرى.
والاستبداد ترفضه كل نفس ابية لذلك لا غرابة ان يكون مرفوضا في جميع القوميات وعند جميع الامم فمثلا غاندي ابو الامة الهندية رفض الاستبداد وهو اول من اوجد شعارات المقاومة باللاعنف وسلمية المظاهرات والاعتصامات -التي ترفع الان في منطقتنا العربية -في مقاومة الاستبداد البريطاني حتى حقق الحرية والاستقلال الحقيقي للقارة الهندية ولا ننسى حكمته الشهيرة ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
لكن لماذا بقيت امتنا ترزح الف سنة أو أكثر تحت مظلة الاستبداد علما بان ديننا وهو المحدد لاطار فكرنا يرفض الاستبداد بتشدد ويدعو الى الشورى في الامة "انما امرهم شورى بينهم" و"شاورهم في الامر" بل يعتبر "الدين النصيحة" وكان يمكن لسلطة مقيدة بالشرع ومحكومة بالشورى ان تصل بنا الى أرقى المراتب في الحرية والعدالة الاجتماعية.
يمثل الاستبداد بيئة فاسدة موبوءة تصيب عدواها الجميع يهدم كل مظاهر الحياة الجميلة والمعاني السامية والاخلاق الكريمة في حياة الفرد والجماعة ترى ملامحه في الدين والعلم والتربية والاقتصاد والسياسة يغدو بيئة حياة يمس كل من يعيشها ويهزم الاستبداد كل نفس ابية فتفقد الثقة في نفسها وفي كل من حولها يطغى اليأس على حياة الناس فلا امل في عدالة او حرية او فرصة كريمة الا بقضاء الحاكم وقدر زبانيته ليصل الانسان ان يكون منفصما مع نفسه ووطنه ومجتمعه فهو لا يأمن على نفسه او عائلته فالاستبداد اساس الفساد و السياسي منه هو مقدمة لباقي أشكال الاستبداد سواء كان اجتماعي او علمي او ديني او اقتصادي في ظل الاستبداد يعم الفساد فيتقدم المتصاغرون والمنافقون الصفوف يزيفون الحقائق ويزينون الأباطيل لا تجد احدا في مكانته الصحيحة تجد اراذل الرجال في المقدمة وانبلهم محاربون مبعدون يتمادى المستبد والسفهاء من حوله في غيهم وسفهم ليصل الى علاقة مع الاخرين قائمة على الكذب والزيف والعنف وتسويق افكار الضلال يساعده في ذلك فئات من المجتمع اتخذت اسماء والقاب كاذبة من علماء ما هم بعلماء ورجال دين هم شيوخ سلاطين ونخب هي من نخبت نفسها ليصل الامر في النهاية ان المستبد قد جمع من حوله حاشية من المنافقين والمتصاغرين واللصوص لا يتقيدون بقيد او شرع لا يردعهم دين او خلق أو ضمير أو قانون لا يتركون فرصة لكسب المغانم والثراء الفاحش ولا يقصرون في ايذاء عامة الناس ليصبح الحاكم يعيش هالة كاذبة صنعها هؤلاء من حوله وبعدها يجد نفسه وقد قطع حبل الوصل مع جميع الناس لتتحول السلطة الى قفص وسجن اختاره بنفسه لأن مغادرته تعني بالضرورة انتقام الناس منه وممن هم حوله شر انتقام .
لا نبالغ ولا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان الاستبداد في منطقتنا العربية كان اساس كل فساد ومعظم آفاتنا الاجتماعية والاخلاقية والتأخر العلمي والنكوص الاقتصادي وصولا الى الاستبداد الديني والاجتماعي هي ناتجة عن الاستبداد خاصة السياسي منه وهو لا يقبع في رأس الهرم فقط بل يستشري في كل مستويات السلطة والإدارة فالمسئول المستبد في مصنع او معمل او المدير في مدرسة او جامعة او مزرعة هو نتاج هذا الاستبداد لان هؤلاء لم يصلوا الى مواقعهم عن جدارة أو كفأة بل الميل وهوى النفس وهم انفسهم يدركون ان هذا ليس مكانهم ولا فرصة لهم بالاستمرار الا بإسكات من حولهم ومنعهم من الكلام والتفكير وهذا يؤدي أن لا احدا في مكانه وهو ما يقود لا محالة الى امة ضعيفة مستضعفة مسلوبة الحرية والارادة منهوبة الثروات اراضيها مغتصبة تكون عالة على العالمين وهذا هو حال امتنا فخير امة اخرجت للناس تركن اليوم في ذيل القائمة.
منصور محمد هزايمه
الدوحة – قطر 24/12/2011
يقرن ارسطو الاستبداد بالطغيان وقال انهما نوعان من الحكم يعاملان الرعايا على انهم عبيد وهو يميل الى أن الرعايا يخضعون لأنهم عبيد بطبيعتهم ويرى ايضا انه ذو سمة اسيوية اما اليوناني فيأنفه بطبعه ويبدو أن رايه هذا كان متأثرا بأسلوب الحكم عند الفرس في زمنه. آما افلاطون استاذ ارسطو فيصف المستبد ويميل لتسميته بالطاغية بانه "كائن حيواني ينشغل بالملذات المتقلبة نقيض الروح الخالدة هو من أتعس العالمين ومدينته مدينة شقية العلاقة بين الحاكم والمحكومين هي علاقة السيد بالعبد ويصف حكومة الطغيان انها" حكومة الفرد الظالم أو الحاكم الجائر حيث يسود الظلم الكامل بغير خجل".
وبقي المفكرون الاوربيون متأثرون بفلسفة ارسطو و بنظرته نحو الشرق فقسموا العالم الى غرب تليق به الانظمة التي تكرس العدالة والحرية وشرق لا يقوم الحكم فيه الاعلى الاستبداد واخضاع المحكومين أما مفهوم الاستبداد لدى الغرب حاليا فهو يطلق على "نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة" وهنا يصبح المعنى انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأي المحكومين أي العبيد.
وفي التراث العربي القديم ارتبط مفهوم الاستبداد بالتراث الفارسي القديم فظهر لدينا ما يسمى "العادل المستبد" أي القوي في تحقيق العدل وهو ما أشار اليه الشاعر العربي عندما قال "أنما العاجز من لا يستبد" -ورأيت الرئيس التونسي الجديد يرفضه مطلقا بدعوى ان المستبد العادل سينتهي مع الوقت الى مستبد مطلق.
ومن اغرب ما قرأته عن الفرس انهم كانوا عندما يموت الملك يؤخرون تعيين ملك جديد لعدة ايام يتركون الناس فيها على بعضهم فيكثر القتل والاغتصاب واللصوص حتى يعين الملك الجديد ليكون الولاء له خالصا فهو الحامي والمخلص ويستبد بهم فيحبونه.
يعرفه عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لغويا بانه غرور المرء برأيه والانفة عن قبول النصيحة او هو الاستقلال في الرأي ويعرفه من منظور سياسي بانه "تصرف فرد او جماعة في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة" اما محمد عبده الذي عاش في زمن الكواكبي أيضا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فيعرف "المستبد عرفا من يفعل ما يشاء غير مسؤول و يحكم بما يقضي به هواه ".
لو نظرنا خارطة الاستبداد في العالم لوجدناه فساده يظلل قاراته الخمس ومعظم دوله في رومانيا القديمة والحديثة في بريطانيا والمانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال في كوبا وتشيلي وفي اثيوبيا واوغندا في روسيا وايران والصين ومنذ الف عام فأكثر كل اقطارالمسلمين. ولكنا علينا كشرقيين أن نعترف ان الاستبداد لدينا تم تزيينه وتزييفه وتسهيله اكثر منه عند الامم الاخرى.
والاستبداد ترفضه كل نفس ابية لذلك لا غرابة ان يكون مرفوضا في جميع القوميات وعند جميع الامم فمثلا غاندي ابو الامة الهندية رفض الاستبداد وهو اول من اوجد شعارات المقاومة باللاعنف وسلمية المظاهرات والاعتصامات -التي ترفع الان في منطقتنا العربية -في مقاومة الاستبداد البريطاني حتى حقق الحرية والاستقلال الحقيقي للقارة الهندية ولا ننسى حكمته الشهيرة ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
لكن لماذا بقيت امتنا ترزح الف سنة أو أكثر تحت مظلة الاستبداد علما بان ديننا وهو المحدد لاطار فكرنا يرفض الاستبداد بتشدد ويدعو الى الشورى في الامة "انما امرهم شورى بينهم" و"شاورهم في الامر" بل يعتبر "الدين النصيحة" وكان يمكن لسلطة مقيدة بالشرع ومحكومة بالشورى ان تصل بنا الى أرقى المراتب في الحرية والعدالة الاجتماعية.
يمثل الاستبداد بيئة فاسدة موبوءة تصيب عدواها الجميع يهدم كل مظاهر الحياة الجميلة والمعاني السامية والاخلاق الكريمة في حياة الفرد والجماعة ترى ملامحه في الدين والعلم والتربية والاقتصاد والسياسة يغدو بيئة حياة يمس كل من يعيشها ويهزم الاستبداد كل نفس ابية فتفقد الثقة في نفسها وفي كل من حولها يطغى اليأس على حياة الناس فلا امل في عدالة او حرية او فرصة كريمة الا بقضاء الحاكم وقدر زبانيته ليصل الانسان ان يكون منفصما مع نفسه ووطنه ومجتمعه فهو لا يأمن على نفسه او عائلته فالاستبداد اساس الفساد و السياسي منه هو مقدمة لباقي أشكال الاستبداد سواء كان اجتماعي او علمي او ديني او اقتصادي في ظل الاستبداد يعم الفساد فيتقدم المتصاغرون والمنافقون الصفوف يزيفون الحقائق ويزينون الأباطيل لا تجد احدا في مكانته الصحيحة تجد اراذل الرجال في المقدمة وانبلهم محاربون مبعدون يتمادى المستبد والسفهاء من حوله في غيهم وسفهم ليصل الى علاقة مع الاخرين قائمة على الكذب والزيف والعنف وتسويق افكار الضلال يساعده في ذلك فئات من المجتمع اتخذت اسماء والقاب كاذبة من علماء ما هم بعلماء ورجال دين هم شيوخ سلاطين ونخب هي من نخبت نفسها ليصل الامر في النهاية ان المستبد قد جمع من حوله حاشية من المنافقين والمتصاغرين واللصوص لا يتقيدون بقيد او شرع لا يردعهم دين او خلق أو ضمير أو قانون لا يتركون فرصة لكسب المغانم والثراء الفاحش ولا يقصرون في ايذاء عامة الناس ليصبح الحاكم يعيش هالة كاذبة صنعها هؤلاء من حوله وبعدها يجد نفسه وقد قطع حبل الوصل مع جميع الناس لتتحول السلطة الى قفص وسجن اختاره بنفسه لأن مغادرته تعني بالضرورة انتقام الناس منه وممن هم حوله شر انتقام .
لا نبالغ ولا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان الاستبداد في منطقتنا العربية كان اساس كل فساد ومعظم آفاتنا الاجتماعية والاخلاقية والتأخر العلمي والنكوص الاقتصادي وصولا الى الاستبداد الديني والاجتماعي هي ناتجة عن الاستبداد خاصة السياسي منه وهو لا يقبع في رأس الهرم فقط بل يستشري في كل مستويات السلطة والإدارة فالمسئول المستبد في مصنع او معمل او المدير في مدرسة او جامعة او مزرعة هو نتاج هذا الاستبداد لان هؤلاء لم يصلوا الى مواقعهم عن جدارة أو كفأة بل الميل وهوى النفس وهم انفسهم يدركون ان هذا ليس مكانهم ولا فرصة لهم بالاستمرار الا بإسكات من حولهم ومنعهم من الكلام والتفكير وهذا يؤدي أن لا احدا في مكانه وهو ما يقود لا محالة الى امة ضعيفة مستضعفة مسلوبة الحرية والارادة منهوبة الثروات اراضيها مغتصبة تكون عالة على العالمين وهذا هو حال امتنا فخير امة اخرجت للناس تركن اليوم في ذيل القائمة.
منصور محمد هزايمه
الدوحة – قطر 24/12/2011