على مدار السنوات السابقة، شكلت الضريبة بنوعيها المباشر وغير المباشر محدداً أساسياً لإمكانيات الطلب الكلي في الاقتصاد الاردني والذي تتكون تركيبته ابتداءً من الانفاق الاستهلاكي الخاص المولد من إنفاق المواطنين بشكل عام والذي يقدره البنك المركزي حسب دراساته بما يقارب 85 % من الطلب الكلي، أما باقي هذا الطلب فيتوزع بين الانفاق الاستثماري والانفاق الحكومي. بالنسبة للحكومات المتعاقبة تزايد الاعتماد خلال 15 سنة الاخيرة على الايرادات الضريبية لتغطية الانفاق الكلي المتزايد (تشكل الايرادات الضريبية 68 % من الايرادات العامة) وبالذات بند الانفاق الجاري من رواتب وعلاوات وانفاق تشغيلي بالإضافة لتسديد بند فوائد الدين العام الذي يقارب مقدار الانفاق الرأسمالي في موازنة هذا العام!
هذا الاعتماد على الضريبة قد يكون مفهوماً ومبرراً من باب أن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها، لكنه سيغدوا أكثر أقناعاً لو كان مدروساً ومتوازناً، فيفترض أن تشكل "جيوب الناس” جزءا من إيرادات الدولة المتحققة وليست غالبيتها، فمثلاً موازنة العام الحالي تشير الى أن الايرادات على السلع والخدمات تشكل نصف الايرادات العامة (ما يقارب 49 %) وما يقارب 70 % من الايرادات الضريبية في الموزانة! كما يجب ألا تبقى هي الحل الدائم والأسهل لمشاكلنا الاقتصادية كما يحدث الآن، فحين يتنامى العجز في الموازنة نتيجة سياسات اقتصادية غير مدروسة بدقة او غير مخطط لها بإحكام، يأتي الحل الذهبي بزيادة الضرائب والرسوم الجمركية ورفع أسعار المحروقات (أو تثبيتها برغم انخفاض أسعارها عالمياً)، يحدث كل ذلك بدل من أن نراجع تلك السياسات والاجراءات وإعادة النظر بها وتقييمها من جديد!
قد تكون تلك واحدة من الأخطاء التي ارتكبت، فيفترض أننا على مدار كل تلك السنوات قد خططنا بإحكام لتنويع مصادر إيرادات الدولة لتتأتى من مصادر استثمارية وموجودات وملكيات وأصول مختلفة! فالموازنات لم تأت بأي جديد، حيث بقيت الايرادات من ضريبة المبيعات هي المصدر الأساسي للايرادات الضريبية! وبقي المواطن يدفع ثمن الأزمات الاقتصادية او أخطاء الحكومات التي لم تنجح – من وجهة نظرنا- بتقديم وتطبيق خطط فاعلة توجد من خلالها الحلول وتحد من الأزمات!
حسب أرقام وبيانات وزارة التخطيط بلغت المساعدات والمنح والقروض الميسرة المتدفقة على الأردن خلال الفترة (2009-2019) ما يقارب 26 مليار دولار، موزعة بما قيمته (16.5) مليار دولار على شكل منح، فيما بلغت قيمة القروض الميسرة المتعاقد عليها نحو (9.5) مليار دولار، وذلك بهدف دعم مشاريع تنموية ذات قيمة مضافة في قطاعات ذات أولوية بالإضافة إلى الموازنة العامة! لكن وبالرغم من كل ذلك المال، لم يصل متوسط معدل النمو الاقتصادي أكثر من 2 % خلال تلك الفترة وبلغت معدلات البطالة بين الشباب 50 % في إشارة واضحة ودلالة كبيرة على سوء إدارة هذا الملف قياساً بالنتائج التي وصلنا لها والمؤشرات الاقتصادية الاخرى، وهي إحدى الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة.
بشكل عام ما يحدث فيما يتعلق بإدارة الملف الاقتصادي للدولة، سواءً بالتعامل مع الازمات أو في طرق معالجتها بما تتخذه الحكومات من إجراءات وقرارات (ولا نقول سياسات)، هي "محاولات” تهدف لإطفاء الأزمات هنا وهناك حال وقوعها، وعند أي أزمة أو خطأ تلجأ مباشرة لجيب المواطن، كل ذلك يؤكد أيضا لغياب "المطبخ الاقتصادي” الذي يفترض بأنه موجود ويفكر بعمق بالسياسات الاقتصادية بعيدة المدى، أكثر بكثير مما يفكر في تحصيل الرواتب الشهرية أو زيادة الضريبة لتسديد فاتورة الدين.