تعددت المفاهيم التي أطلقها علماء الإدارة والعلوم الاجتماعية الأخرى على الفساد باعتبار انه واضح الصورة والآثار وخفي المفهوم والدلالة وتعددت الاجتهادات في هذا الجانب إلى أن أصبح الاتفاق على تحديد مفهوم واضح ومحدد للفساد الإداري أمر بالغ الصعوبة فكل مجتهد نظر للفساد من زاوية محددة والواقع العملي أن الفساد عبارة عن خيمة متعددة الرؤوس وتتسع قاعدته لتشمل جوانب العمل اليومي بمستوياته المختلفة فهو يبدأ مع وظائف الإدارة من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة ولا ينتهي عند وظائف المنظمة من إدارة الأفراد وإدارة العملية الإنتاجية وإدارة العملية التسويقية والإدارة المالية بل يتعداها إلى قلب الحقائق بتحقيق الأهداف فيصور الخطأ صحيح ويصور الانجازات المتواضعة على أنها انجازات قياسية ضخمة وعظيمة.
وعلى مر التاريخ كان الفساد يفرض وجوده لارتباطه بالسلطة والمسؤولية فثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهندية (حوالي 300 عام ق.م) كتب عليه: يستحيل على المرء أن لا يذوق عسلا أو سما امتد إليه لسانه، وعليه فأنه يستحيل أيضا على من يدير أموال الحكومة إلا يذوق من ثروة الملك ولو نزرا قليلا ( علي احمد فارس: حل الأزمات).
وغير بعيد عنا فقد شهد بلدنا أيضا عاصفة فساد لم تبقي ولم تذر فلم يعد لدينا موارد للدخل الحكومي غير الضريبة والجمارك فكل المؤسسات والشركات الإنتاجية التي كانت ملكيتها عامة خصصت ورفعت يد الدولة عنها ولا ننكر أن هذه الشركات لم تكن ناجحة أبان إدارتها قبل الخصخصة لسبب بسيط هو أن الإدارات التي تعاقبت عليها وصلت لها بالمحسوبية والواسطة وعملت في هذه الشركات بالرأي والمزاج فادت إلى تكبيد بعضها خسائر جعلت من هذه الشركات عبئا على الدولة وليس مصدر إيراد كما هو مطلوب منها وما إن استلم القطاع الخاص إدارة هذه الشركات إلا وظهرت النتائج الايجابية والمردود الحقيقي لهذه الشركات بعد أن تخلصت من إدارتها السابقة.
والفساد في هذا الملف قد يتشعب فمن جهة تم بيع هذه الشركات بعد تقييمها بقيم غير صحيحة على الإطلاق مما يعني انه تم التبخيس بها لمصلحة طرف ما، ومثال على ذلك فالبوتاس التي بيع سهمها بـ 5.6 دنانير ارتفع بعد 8 شهور إلى 99 دينارا والفوسفات ارتفع من 2.8 دينار إلى 67 دينارا في ستة شهور فقط, كما أن مجموع صفقات بيع أسهم الحكومة في قطاع التعدين بلغ 280 مليون دينار وهو اقل من ربح شركة البوتاس على سبيل المثال في عام 2008 والبالغ 350 مليون دينار فقط (دراسة الخصخصة.. النتائج غير المعلنة، سلامه الدرعاوي، العرب اليوم، 24-6-2009) ثم إن المصلحة التي كانت ترجى من بيع هذه الشركات والتي سوقت على أنها مصلحة وطنية عليا لرفد الخزينة من جهة بالعوائد الضريبية لهذه الشركات وتخليص الحكومة من الخسائر الناتجة عن تشغيل هذه الشركات وتوفير فرص عمل اكبر واستثمار ثمن بيع هذه الشركات في برامج التحول الاقتصادي وتنمية مجتمعية وهيكلة كبرى لم تؤتي ثمارها بالصورة التي روجت على أساسها.
وفي الوقت الذي يطالب به الشارع الأردني المتأثر بموسم الربيع العربي بفتح ملفات الخصخصة والنظر فيما إذا اعتراها شبهات فساد أو غبن للدولة، افشل عدد من نواب الأمة عقد جلسة المجلس ليوم الخميس 22-12-2011، لمواصلة مناقشة خصخصة شركات الفوسفات والبوتاس والاسمنت وقطاع الاتصالات، حيث حال عدم اكتمال النصاب القانوني دون انعقاد الجلسة لاقتصار عدد الحضور تحت القبة على 56 نائبا، بعد أن تسببوا بإفشال الجلسة لليوم السابق بإفقادها النصاب القانوني بانسحابهم من تحت القبة أيضا. ( نواب يُفشلون انعقاد جلسة مناقشة الخصخصة، مصطفى الريالات، الدستور، 23-12-2011).
فالشارع الذي يرى أن ملف الخصخصة هو أكثر الملفات حساسية ويرى أن هذا الملف مشبع بالفساد لدرجة انه يصدق عليه اسم ملف فساد الخصخصة والذي جاءت تصريحات دولة رئيس الوزراء بخصوص هذا الملف متوافقة في الرؤية العامة حيث أن موقفه هذا مغاير تماما لسياسة الحكومات السابقة من الخصخصة حيث انه اعتبر أن ما تم من خصخصة لبعض الشركات كان بمثابة نهب للمال العام, ولم يتردد في القول أن حكومته تدرس إعادة شركات تمت خصخصتها، (رئيس الوزراء يدلي باعترافات غير مسبوقة، فهد الخيطان، العرب اليوم، 2-11-2011).
فإذا كان سبب الجنوح إلى الخصخصة محاولة مستميتة من الحكومات المتلاحقة لكي تستطيع سداد الدين الخارجي والخدمات التي تنتج عن هذا الدين ولكي توقف النزيف المالي الذي تعانيه المالية الحكومية العامة في الدولة فهل استطاعت أن تتقدم في هذا المجال، أم بهذا التحول الاقتصادي فتحت شهية أكلي السحت ليغنموا من هذه الصفقات ويتم تحويل مكتسبات الوطن من عينية إلى سيولة تصب في جيوبهم فتذهب مكاسب شخصية لهم، هذا ما ننتظر من القضاء النزيه العادل البت به قبل أن يضطر أفراد الشعب إلى البحث عن وسيلة يستردون بها أموال الدولة من جيوب تجار الأوطان، وهناك لن ينفع استئجار البلطجية والزعران لحماية الفاسدين أو الضرب على يد المصلحين تحت شعار حب الوطن والاستماتة في الدفاع عنه، ولن يجدوا وسيلة أو أحدا مغررا به بعد ذلك فكل يوم يكتشف المواطن انه كان نائما ولا يدري ماذا يدور حوله وانه ليس أكثر من شخص يتم التحكم بمشاعره وتثار هذه المشاعر لحماية الفساد والمفسدين فيكون هو العصا وهو الجزرة ومن يركض وراء الجزرة أيضا، وكله على حين غفلة منه لدرجة انه يرى عمله هذا عملا بطوليا يستحق الفخر والتغني به كبطولة فريدة يصنعها خصيصا لخدمة وطنه، إن من يحارب الإصلاح يخفي تحت عباءته المكائد والشرور لهذا البلد فمن غير المعقول أن ترفع الراية بيمين وتحرق المباني بالشمال تحت شعار حب الوطن.
kayedrkibat@gmail.com
وعلى مر التاريخ كان الفساد يفرض وجوده لارتباطه بالسلطة والمسؤولية فثمة لوح محفوظ عن الحضارة الهندية (حوالي 300 عام ق.م) كتب عليه: يستحيل على المرء أن لا يذوق عسلا أو سما امتد إليه لسانه، وعليه فأنه يستحيل أيضا على من يدير أموال الحكومة إلا يذوق من ثروة الملك ولو نزرا قليلا ( علي احمد فارس: حل الأزمات).
وغير بعيد عنا فقد شهد بلدنا أيضا عاصفة فساد لم تبقي ولم تذر فلم يعد لدينا موارد للدخل الحكومي غير الضريبة والجمارك فكل المؤسسات والشركات الإنتاجية التي كانت ملكيتها عامة خصصت ورفعت يد الدولة عنها ولا ننكر أن هذه الشركات لم تكن ناجحة أبان إدارتها قبل الخصخصة لسبب بسيط هو أن الإدارات التي تعاقبت عليها وصلت لها بالمحسوبية والواسطة وعملت في هذه الشركات بالرأي والمزاج فادت إلى تكبيد بعضها خسائر جعلت من هذه الشركات عبئا على الدولة وليس مصدر إيراد كما هو مطلوب منها وما إن استلم القطاع الخاص إدارة هذه الشركات إلا وظهرت النتائج الايجابية والمردود الحقيقي لهذه الشركات بعد أن تخلصت من إدارتها السابقة.
والفساد في هذا الملف قد يتشعب فمن جهة تم بيع هذه الشركات بعد تقييمها بقيم غير صحيحة على الإطلاق مما يعني انه تم التبخيس بها لمصلحة طرف ما، ومثال على ذلك فالبوتاس التي بيع سهمها بـ 5.6 دنانير ارتفع بعد 8 شهور إلى 99 دينارا والفوسفات ارتفع من 2.8 دينار إلى 67 دينارا في ستة شهور فقط, كما أن مجموع صفقات بيع أسهم الحكومة في قطاع التعدين بلغ 280 مليون دينار وهو اقل من ربح شركة البوتاس على سبيل المثال في عام 2008 والبالغ 350 مليون دينار فقط (دراسة الخصخصة.. النتائج غير المعلنة، سلامه الدرعاوي، العرب اليوم، 24-6-2009) ثم إن المصلحة التي كانت ترجى من بيع هذه الشركات والتي سوقت على أنها مصلحة وطنية عليا لرفد الخزينة من جهة بالعوائد الضريبية لهذه الشركات وتخليص الحكومة من الخسائر الناتجة عن تشغيل هذه الشركات وتوفير فرص عمل اكبر واستثمار ثمن بيع هذه الشركات في برامج التحول الاقتصادي وتنمية مجتمعية وهيكلة كبرى لم تؤتي ثمارها بالصورة التي روجت على أساسها.
وفي الوقت الذي يطالب به الشارع الأردني المتأثر بموسم الربيع العربي بفتح ملفات الخصخصة والنظر فيما إذا اعتراها شبهات فساد أو غبن للدولة، افشل عدد من نواب الأمة عقد جلسة المجلس ليوم الخميس 22-12-2011، لمواصلة مناقشة خصخصة شركات الفوسفات والبوتاس والاسمنت وقطاع الاتصالات، حيث حال عدم اكتمال النصاب القانوني دون انعقاد الجلسة لاقتصار عدد الحضور تحت القبة على 56 نائبا، بعد أن تسببوا بإفشال الجلسة لليوم السابق بإفقادها النصاب القانوني بانسحابهم من تحت القبة أيضا. ( نواب يُفشلون انعقاد جلسة مناقشة الخصخصة، مصطفى الريالات، الدستور، 23-12-2011).
فالشارع الذي يرى أن ملف الخصخصة هو أكثر الملفات حساسية ويرى أن هذا الملف مشبع بالفساد لدرجة انه يصدق عليه اسم ملف فساد الخصخصة والذي جاءت تصريحات دولة رئيس الوزراء بخصوص هذا الملف متوافقة في الرؤية العامة حيث أن موقفه هذا مغاير تماما لسياسة الحكومات السابقة من الخصخصة حيث انه اعتبر أن ما تم من خصخصة لبعض الشركات كان بمثابة نهب للمال العام, ولم يتردد في القول أن حكومته تدرس إعادة شركات تمت خصخصتها، (رئيس الوزراء يدلي باعترافات غير مسبوقة، فهد الخيطان، العرب اليوم، 2-11-2011).
فإذا كان سبب الجنوح إلى الخصخصة محاولة مستميتة من الحكومات المتلاحقة لكي تستطيع سداد الدين الخارجي والخدمات التي تنتج عن هذا الدين ولكي توقف النزيف المالي الذي تعانيه المالية الحكومية العامة في الدولة فهل استطاعت أن تتقدم في هذا المجال، أم بهذا التحول الاقتصادي فتحت شهية أكلي السحت ليغنموا من هذه الصفقات ويتم تحويل مكتسبات الوطن من عينية إلى سيولة تصب في جيوبهم فتذهب مكاسب شخصية لهم، هذا ما ننتظر من القضاء النزيه العادل البت به قبل أن يضطر أفراد الشعب إلى البحث عن وسيلة يستردون بها أموال الدولة من جيوب تجار الأوطان، وهناك لن ينفع استئجار البلطجية والزعران لحماية الفاسدين أو الضرب على يد المصلحين تحت شعار حب الوطن والاستماتة في الدفاع عنه، ولن يجدوا وسيلة أو أحدا مغررا به بعد ذلك فكل يوم يكتشف المواطن انه كان نائما ولا يدري ماذا يدور حوله وانه ليس أكثر من شخص يتم التحكم بمشاعره وتثار هذه المشاعر لحماية الفساد والمفسدين فيكون هو العصا وهو الجزرة ومن يركض وراء الجزرة أيضا، وكله على حين غفلة منه لدرجة انه يرى عمله هذا عملا بطوليا يستحق الفخر والتغني به كبطولة فريدة يصنعها خصيصا لخدمة وطنه، إن من يحارب الإصلاح يخفي تحت عباءته المكائد والشرور لهذا البلد فمن غير المعقول أن ترفع الراية بيمين وتحرق المباني بالشمال تحت شعار حب الوطن.
kayedrkibat@gmail.com