بعد مغادرة القوات الأمريكية المحتلة لعراق صدام حسين خُيّل للمالكي رئيس وزراء العراق أنه في حِلّ من أمره ليصنع ما يشاء ويقصي من يشاء في بلد تعمّه الفوضى وتأكل أحشائه الطائفية وتحرك سياسته وتوجه بوصلته المذهبية دولة قوامها الكره المستحكم بكل خلجاتها ويسيطر على فكرها ونهجها حب التوسع والتحكم والسيطرة على ما حولها من دول عربية دينها الإسلام المبني على كتاب الله وسنة نبيه. وهذه الدولة المسماه بالجمهورية الإسلامية الإيرانية, الإسلام منها براء والرسول كذلك. فالإسلام ينادي بالمحبة وهم ينادون بالكره. الإسلام ينادي بالتقارب بين المذاهب وهم يغذون التمذهب الذي بدوره يقود إلى التفرقة والإقتتال. الإسلام نشره محمد(ص) وأصحابه "وإسلامهم" أسسه عبدالله ابن سبأ. الإسلام يقر ببشرية الرسول(ص) وهم يقرون بألوهية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابنه الحسين رضي الله عنه ومن بعدهما الخميني. الإسلام يعتبر الصحابة على صواب يحتمل الخطأ وهم يعتبرونهم خطاؤون وأإمتهم "لا ينطقون" عن الهوى. الإسلام يأمر بالإحسان لغير المسلم وهم يأمرون بالأذى لكل مسلم.
ذلك هو فكر المالكي المستمد من حزب الدعوة البغيض الذي ولد من رحم إيران والذي لا يؤمن إلا بمذهبيته وشيعيته التي لا تقبل منازعا أو شريكا. بل يعتقد المالكي أنه وحزبه وشيعته هم الذين يملكون الحقيقة. لكنه لم يجيد تنفيذ اللعبة التي يلعبها باحتراف بل باتت مكشوفة حيث كشر عن أنيابه وبدأ مباشرة ودون بسيط انتظار وبعد جلاء القوات الأمريكية وكأنه كان ينتظر جلائهم ليقوم بعزل "خصومه" وقد بدأ بطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية بأسلوب فج تنقصه الدبلوماسية والحكمة والحنكة وذلك إن دل على شيء يدل على مدى مايكنه المالكي للذين ينتمون للمذهب السني وهم من رموزه ورموز العراق الحديث. وإن لم يكن الحال كذلك فلماذا هذا التوقيت؟ وهذا الأسلوب المستهجن الذي يذكرنا بالدول الشيوعية وهو يتباهى بديمقراطية العراق وهل الديمقراطية تتفق مع هذا الأسلوب المهين لرمز مثل طارق الهاشمي؟ أم أنها "ديمقراطية" العراق الحالي والمالكي التي خلفها له الأمريكان؟
هل يريد المالكي الضغط على السنة كأسلوب لإرضاء إيران لمساعدة نظام الأسد؟ هل يريد أن يخلط الأوراق لكسب الوقت وتعقيد الأمور لخلق الثغرات الأحتياطية للنفاذ منها عند الحاجة؟
من الواضح الآن أن العراق يعيش المرحلة الثانية من الهاوية نحو القاع, المرحلة التي سببها غياب الراحل الشهيد صدام حسين. واللعبة التي يلعبها المالكي لابد ستفجر الكثير من القنابل الموقوتة. وأولها, تجدد الصدام الشيعي السني والذي إن غذي لن يكون باستطاعة ألف مالكي إيقافه أو تهدئته. وثانيها, زيادة وعلنية النفوذ الإيراني دون حياء من خلال بوابة العرب الشرقية وكلنا ندرك ما هي تبعات ذلك النفوذ. وثالثها, ونتيجة لما سبق استقواء واستفحال حزب الله وتمدده على حساب لبنان ودول المنطقة. ورابعها, نهوض باقي الحركات "الإسلامية" مثل الجهاد وحماس والقاعدة وغيرها والإخوان ليسوا استثناءا. وهم في الواقع بدأوا النهوض في تونس والمغرب ومصر والأردن ليس ببعيد عنهم.
فالمالكي بدأ يصب الزيت على النار ليزيد من لهيبها ليصل لمسافات أبعد وليقتل ما يقتل و يحرق ما يحرق تاركا تشوهات يصعب علاجها إن لم يستحيل. فكان الأجدر بالمالكي أن يتريث قليلا حتى يهيئ الظروف لتنفيذ لعبته محاولا إقناعنا بمصداقيته. والمنطق يقول أن وجود الأمريكان كان المانع له من أن يقوم بالإنتقام والإقصاء واغتيال رموز يحترمها الذين يعلمون من هو أهل للإحترام والتقدير.
وآخر تلك القنابل الموقوتة هو المضي بتشكيل الهلال الشيعي عمليا ولو ببطء والذي حذر منه جلالة الملك عبدالله الثاني مبكرا لكن يبدو ليس هناك من يسمع ويعي. وهذا يقودنا للسؤال التالي: ماذا ياترى نحن أهل السنة فاعلون حيال تلك المؤامرة التي تنفذ مراحلها أمام ناظرينا؟ هل نستمر بالشجب والتنديد والإدانة والتحذير؟ أم أن هناك خطوات عملية يجب اتخاذها تتناسب مع المرحلة الخطيرة قبل فوات الأوان؟ والخطوات تتلخص بالتنسيق الصادق بين الدول المعنية عسكريا واقتصاديا بالترفع عن صغائر الأمور التي تعقد علاقات هذه الدول فيما بينها، وإدراك أن الأذى يطالنا جميعا ولا أحد ناج منه لأننا, شئنا أم أبينا ورغبنا أم لم نرغب, جسد واحد إن تأذى منه جزء طال الأذى بقية الأجزاء وما حصل لدول الربيع العربي لخير مثال على ذلك.
لنصحو حتى لا يطوينا الزمن ويسبّنا التاريخ ويصنفنا مع التي نقضت صلاتها بآخر ركعة فعندها لن يعود بنا الزمن لكي نتدارك ما فاتنا بل سنكون دولا يصفها التاريخ بالتقاعس والعجز والنكوص عن القيام بواجباتها ودرء الأخطار عن دينها وشعوبها ووجودها.
فما خطوة المالكي إلا بداية لمرحلة جديدة جدُّ خطيرة بدأت ملامحها تتضح والقادم أسواء والله أعلم. إذا لابد من التنبه وعاجلا حتى لانكون هشيما يسهل على نار المالكي وإيران حرقه بل لنكون أعمدة خرسانية مسلحة تأكل نارهم نفسها عندها.
وحمى الله الأمة والغيارى على الأمة.
والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com