كتب - علي الحراسيس- مع صدور النظام المعدل لنظام الخدمة المدنية الذي أقر وقف مكافآت نهاية الخدمة ووقف العمل بصندوقي الاسكان والادخار مع نهاية العام الحالي ودون ايجاد بدائل تعين المتقاعد على العيش الكريم في شيخوخته وتراكم مطالبه تكون حكومة الخصاونه أو كما تسمى في الشارع حكومة" غراب البين " قد استكملت بتلك الخطوة سياسة " تعرية " وإضعاف العاملين في الدولة من صغار الموظفين فقط الذين كانوا يحلمون إما بمشروع تجاري صغير يعينهم على تغطية نفقات ابنائهم واحتياجات أسرهم بعد التقاعد او حتى تأمين سكن متواضع طال انتظاره منذ 20 او 30 عاما للخلاص من عبء الإيجارات وغلائها حد ان كل راتب الموظف التقاعدي لن يغطي الايجار الجديد ، بالتالي ضرب الخصاونه حلم صغار الموظفين بتوسيع بيته او بناء " ُخشة " تستر ما تبقى من عمره ، ولم يعد بالإمكان ان ينفق على دراسة ابنائه الذين تتطلب دراستهم مبالغ مالية هائلة جاءت مترافقة مع بلوغه سن التقاعد ، فلا سكن ولا تدريس في عهد هذه الحكومة التي اجهزت على كل حلم كان يراود العاملين وابنائهم بعد ان اعتقدوا واهمين أن هناك نية لمساواة وتحسين رواتب العاملين في الدولة مع موظفي المؤسسات المستقلة أو أقل بقليل !
الأصلاح عند الخصاونه يعني ضرب القطاع العام وضرب العاملين به استكمالا لمشروع فكفكة مؤسسات الدولة وبيعها الذي بدأه تيار الخصخصة سيء الصيت منذ اكثر من عشرة سنين ، حيث وجه ضربات موجعة لاقتصاد البلاد والغى الدور الاجتماعي للدولة ، فالإدخار وصندوق الاسكان كان بالنسبة لطبقة
" العبيد" كما يسمون أنفسهم في الاردن استثمارا مؤجلا يحتاجه في شيخوخته وحين يكبر ابنائه يحتاجه لتغطية نفقات دراساتهم ومعيشتهم او تأمين سكن يليق بهم ، لكن الخصاونه وعلى غير ما ظهر وتحدث ، يواصل سياسة رفع يد الدولة عن دورها الاجتماعي وتوجيه الضربات المؤلمة للعاملين في القطاع العام بل ومحاربة أحلامهم البسيطة .
منذ عامين شهدت بلادنا تشكيل 3 حكومات واكثر من تعديل لم تنجح في إخراج قانون انتخابات برلمانية أو بلدية عصرية حتى اللحظه لأسباب لا علاقة لها بالوضع الداخلي فقط ، لكنها وبصورة دراماتيكية متسارعة تنجز قوانين تساهم في زيادة معاناة "طبقة العبيد " من العاملين بأجهزة الدولة وتلك وصفات كانت معدة من قبل اصحاب مشروع الليبرالية الجدد لتدمير اقتصاد البلاد والغاء الدولة لدورها الاجتماعي وتحميل "عبيد " الوطن مسئولية كل مفاصل الفساد ونهب الثروات وبيع المؤسسات والاراضي ، وعلى عكس توجهات الملك أن يلمس المواطن تحسنا في مستوى معيشته ، فقد غايرت حكومة الخصاونه تلك التوجهات واضافت اعباء جديدة لتخفيض مستوى معيشة المواطن الى حدودها السفلى ، وليس مستبعدا ان تحدد الحكومة غدا سنوات الحصول على التقاعد لخمسة او عشرة سنين فقط ، أو أن تلغي التأمين الصحي وتضع المواطن بمواجهة قاسية مع المستشفيات او شركات التامين الصحي التي تنتظر تلك الخطوة على غرار ترك المواطن في العراء سلعة ونهبا واستغلالا من قبل تجار اللحوم والمواد الأساسية والغت معها وزارة التموين ! ! فكل الاحتمالات وارده ، فطالما أن الحكومات تواجه ابنائها العاملين بتلك السياسات المذلّة وتعمل على زيادة معاناتهم اكثر واكثر فلا عجب أن تعمل حسب وصايا السلف الفاسد لإرساء قاعدة المعاناة والقهر والذل الموجهة لأبناء الوطن من الحراثّين المنتمين لترابه لأسباب سياسية بحتة ، ضاربة بعرض الحائط ما يعانيه المواطن ويدفعه للخروج الى الشارع والتظلم بصوت عالي دون مجيب !
جريمة بيع ثروات الوطن ومؤسساتها المنتجة الناجحة وبيع الاراضي والحدائق والغابات باتت خطايا تلاحق كل من شارك وساهم ومنح الموافقة عليها ، لأنها ثروات الجميع ، ليست مرتبطة بعائلة تحكم أو شلل تقاسمت سمسرتها واموالها ، فكان أن دفع الكادحون ثمن جرائمهم جوعا وبطالة وفقرا ، وهاهي الحكومة الحالية تكمل ما بداءه من قبلها في القضاء على اي حلم قد يراود المواطن الذي قرر في لحظة ما منح عمره ومستقبله للعمل في أجهزة الدولة رغم معرفته بنتائج قراره وتبعات العمل بأجهزة الدولة ، فلم يفر الى المهجر ولم يبحث عن ثروات في دول الخليج او في الغرب ، وألزم نفسه خدمة الوطن والمواطن سواء أكان معلما او طبيبا او مهندسا أوعاملا أو فنيا ، ومن المعيب بل و من الجريمة ان تتعامل الدولة مع "عجول الأرض " وكأنهم خيل انجليزية يطلق على رأسها الرصاصة بعد هرمها !
لن يشكو المواطن العامل في الدولة إلا لله المخلّص والرحيم ، فالجميع هنا نظاما وحكومة يعلمون علم اليقين ما يعانيه المواطن ، ولا يحتاج الأمر للتخفي لمعرفة ما يجري وما يعانيه المواطن الذي حاول الكثير منهم إحراق أجسادهم وقتل أنفسهم وعائلاتهم لما آل اليه حالهم ، فلم يعد مواطننا يتحمل المزيد من الإذلال وهضم حقوقه وسرقة مدخراته التي لا يعرف اصلا لمن ذهبت فوائد تشغيلها طوال العشرين او الثلاثين سنة الماضية ، وهنا نتحدث عن اكثر من مليارين او يزيد !!! ولا عجب ان يترافق مع إعادة تلك الزيادات والإدخارات رفع كبير في الأسعار بشرتنا بها حكومة القاضي وتشمل السلع الأساسية والطاقة والمياه والكهرباء والحديد والاسمنت ورسوم الجامعات، وبالتالي ضياع مدخراته وامواله ورميه عاريا دون عون أو رحمة !
الشعب الأردني لا يستحق ان يُعامل كالحصان الانجليزي حين يهرم ، ولا ُيعاقب على حبه وانتمائه للوطن ، فلا زال يعشق ترابه ويوالي بكل عمق نظامه ، ولكن السؤال الى أي مدى ستحافظ الحكومات والنظام نفسه على تلك المحبة والولاء التي يحملها المواطن !!!!