اخبار البلد -
منذ فترة من الزمن يكتب رجل الأعمال حسن اسميك عن تجديد الخطاب الديني، وهي مقالات يمكن فيها الأخذ والرد بخصوص ما تطرحه من أفكار ومقترحات، فالأمر شأن عمومي وممتد ولا يمكن تأميمه أو حصره في مجموعة معينة من المهتمين، إلا أن موضوعه المنشور في مجلة الفورين بوليسي والذي يتحدث عن إعادة الضفة الغربية إلى الأردن فأمر لا يتصف بذات الشيوع ليتم طرحه بهذه الطريقة، ولذلك فكثير من الأسئلة يجب طرحها، بعضها يتعلق بالكاتب وخلفيته ومشروعيته ليتحدث بطريقة توحي بأنه يمثل قطاعاً واسعاً من الفلسطينيين في الأردن، وبعضها الآخر يدور حول مسألة التوقيت.
يتحدث الكاتب عن نسبة تتراوح بين 50 و70 % من مواطني الأردن بوصفهم من أصول فلسطينية، بل ويحصر النشاط السياسي في أصحاب الأصول الفلسطينية الذين يشكلون معظم أعضاء الأحزاب السياسية الأردنية، العلمانية والإسلامية، ومع أنه لا سند إحصائيا يعزز هذه الطروحات، فإن مجرد التسليم بها لا يعتبر مسوغاً ثقافياً لعملية الضم والتجنيس الواسعة التي يتحدث عنها، كما ولا تعتبر التقاليد والعادات والنسب العائلي أسباباً كافية، وإلا كان ذلك ينطبق على جنوب سورية وشرق العراق، وفي الفعل السياسي لا مجال كبيرا لهذه الاعتبارات التي يمكن أن تستعمل في جاهة لطلب يد عروس، وليس في معالجة شأن سياسي على قدر كبير من الحساسية والتعقيد، ومع أن الكاتب يدور حول الأسباب الموجبة لطروحاته إلا أنه لا يذكر مثلاً قرار فك الارتباط ولا يتحدث عن دستوريته وملابساته وظروفه ولا قمة الرباط 1974 التي مهدت لذلك ووقائعها، ويبدو أن الكاتب يتجاوز عن توصيفات واقعية لحالة راهنة من أجل أن يتحدث بنفس – ساداتي – حول فصل جديد من التسوية غير المنضبطة وغير القائمة على أسس واضحة.
النفس الساداتي الذي نعنيه هو السلوك الاختزالي الذي انتهجه الرئيس أنور السادات وهو يبرر زيارته للقدس، فالصراع مع الإسرائيليين هو حاجز نفسي يمكن تجاوزه بمبادرة من الرئيس المؤمن، ويبدو أن الكاتب وهو يستمتع بالاختزالية ويحشر في غير موضعها أمثولة نصل أوكام الفلسفية، يتناسى أن عقوداً من المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لم تكن يوماً منتجة أو يمكن التعويل عليها، وأن جميع المقولات والنظريات حول العيش المشترك لم تكن ذات أي معنى على الإطلاق.
ما يدفع للاستغراب والاستهجان، أن الكاتب يقدم الأمر بوصفه طوق النجاة للإسرائيليين، لأن الحل بضم الضفة وقطاع غزة والمستوطنين اليهود سيخلص إسرائيل أخيراً من الأعباء القانونية الناجمة عن سيطرتها على الضفة الغربية، ومن كل ما يُضر بسمعتها وعلاقاتها العامة، لتتمكن من تفادي ازدراء المجتمع الدولي، ويغري اسرائيل بأن ذلك سيخلصها من نفقات الدفاع الضخمة بعد أن تتولى الأردن تأمين الحدود، وكأن الأردن بقضه وقضيضه يجب أن يوضع في خدمة اسرائيل ومصالحها، وهذه الفقرات المتتالية ذات النفس الساداتي الواضح تعتبر أن موافقة الأردنيين تحصيل حاصل وأن الأمر ينحصر في محاولة إقناع اسرائيل بعرض سخي يكاد لا يعبر عن أحد في الأردن.
القصة ليست في ضم الضفة الغربية، فهذه مسألة أردنية طرحت وتطرح على الدوام بوصفها جزءاً من تصورات سياسية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية خاصة داخل الأردن، ومن حق الأردنيين أن يتفقوا أو يختلفوا حولها، كما هو الأمر بالنسبة للفلسطينيين، ولكن أي اتفاق أو اختلاف لا يكون إلا في ضوء تقدير المصالح الوطنية وتقديرات الضرورة القومية، أما أن توضع مصلحة اسرائيل واستقرارها وسمعتها كأحد الدوافع للتفكير في المسألة فهو التصدي غير المقبول وغير المفهوم وغير الواضح حتى لو استعار أمثولات فلسفية وارتكن إلى بعض نصوص القانون الدولي.