لا يغيب الرئيس الأميركي السابق ترمب عن الساحة, يضرب في كل اتجاه ويخوض في أي موضوع. المهم أن تنقل الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي تصريحاته النارية ومواقفه المتناقِضة, التي تعكس حجم وطبيعة الضائقة النفسية التي يعيشها, بعد انحسار الأضواء عنه وفقدانه الامتيازات التي يوفّرها منصب رئاسة الإمبراطورية الأميركية التي تعيش هي الأخرى مرحلة أفول متدحرجة، لم يعد حتى أكثر المتعصّبين اليمينيين ودعاة العولمة وأنصار النيوليبرالية، وأولئك خصوصاً الذين يدقّون طبول الحرب ضدّ «الخطريْن» الصيني والرّوسي، يُخفون حال انحسار الهالة عن قوة أميركا الأسطورية, التي لم يسبق لأي إمبراطورية في التّاريخ أن وصلت قوّتها..
إن العسكرية وتحديداً ما خصّ الأساطيل التي تجوب محيطات العالم وبحاره، ما بالك قواعدها العسكرية في أكثر من ثلثي دول المعمورة، أم خصوصاً الاقتصادية والتكنولوجية، وما تتوفّر عليه من قدرات علمية وبراءات اختراع وتقدّم في علوم الفضاء وغزو كواكبه، ودائماً في ما تتمتّع به من نفوذ/هيمنة على معظم دول كوكبنا، أغلبها بالقوّة العسكرية الغاشمة والاحتلال المباشر، ولا تتوقّف عن التلويح بالغزو والعقوبات والحصار لما تبقّى من دول ترفض الخضوع لأوامر اليانكي، وتصرّ على التزام القانون الدولي وحقّ تقرير المصير واختيار النظم السياسية/والاقتصادية التي تناسبها.
ترمب الذي ما تزال تلاحقه الاتهامات بالتّهرب الضريبي، وتواصل وسائل إعلام أميركية ذات صدقية (أقلّه بالشأن الأميركي الدّاخلي) الإضاءة على شبهات ورشى وتلاعب في الحسابات، ناهيك عن تداعيات أحداث اقتحام الكونغرس في 6 كانون الثاني الماضي ودور ترمب فيها، وجد الفرصة سانحة للتصويب على منافسه السابق..جو بايدن/«جو النعسان» كما دأب وصفه, بعد العار الذي ألحقته إدارة بايدن بسمعة أميركا، وخصوصاً جيشها الأسطوري الذي هزمه حفاة وحملة بنادق وسيوف، يعتمرون العمامات ويطلقون اللحى الكثيفة.
الحملة الشرسة التي يقودها «جمهوريو» أميركا «المُنقسمون» ضدّ بايدن, بدءاً من ترمب وليس انتهاء بنائبه بنس ورئيسة الدبلوماسية الأميركية كوندليزا رايس، كما شيوخ ونواب الأقلية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنوّاب، ورغم أنّها تندرج في إطار حملة الانتخابات النصفية العام المقبل التي يأملون أن تكون لصالحهم، فإن ذهاب ترمب لهجاء الرئيس الأفغاني الهارِب أشرف غني واتهامه بالاحتيال, مدّعياً أنّه دائماً كان يعتبر الرئيس الأفغاني (محتالاً) وسيترك بلاده حتى قبل مغادرة آخر جندي أميركي، تبدو محاولة لادّعاء الحكمة بأثر رجعي إذ يعلم الجميع أنّه بإمكان قائد القوات الأميركية في أفغانستان أن يطيح غني, دونما استشارة البيت الأبيض. لأن غني كما باقي الدّمى الذين جاءت بهم أميركا بعد غزوها بلاد الأفغان عام 2001 كانوا مجرّد أدوات لا قرار لهم ولا يُستشارون بأيّ أمر أو قضيّة.
هنا نفتح قوسين لاستدعاء «مقالة» كتبها «الأميركي/من أصل أفغاني أشرف غني, بصفته أستاذاً مساعداً في علم الإنسانيات في جامعة جونز هوبكنز الأميركية 15 شباط 1989 بعد مغادرة السوفيات, في ما عجّل –بالطبع- بسقوط النظام الأفغاني الذي سانده السوفيات وأسهَم/الغزو السوفياتي ضمن أمور أخرى بانهيار الاتحاد السوفياتي لاحقاً.
مقالة غني في صحيفة لوس أنجليس تايمز حفلت بعبارات إنشائية لكن أهمّ ما فيها أنّه «حثّ» فيها أميركا على «دعم حق
الأفغان في تقرير المصير» عبر استفتاء شعبي, والتوقّف عن التعامل معهم على أنّهم «مُرتزقة» في حربها ضدّ الاتحاد السوفياتي.
وإذ تفصلنا المقالة مسافة «12» عاماً عن الغزو الأميركي لأفغانستان/2001 ولم تكن أميركا وقتذاك صاحبة القرار الأخير في بلاد الأفغان، فإن أشرف غني/الأميركي السابق قد جيء به إلى كابول بقرار أميركي, تماماً كما هي حال حامد قرضاي قبله ولم يكن مُستبعداً أن يكون «الثالث» الذي كانت ستأتي به واشنطن لو قُيّض لها البقاء بعد اتفاق الدوحة 29 شباط 2020 أن يكون على شاكلة سابِقيْه. ولم نسمع من غني طوال سبع سنوات/21/9/2014 قضاها في المنطقة الخضراء,التي تضمّ القصر الرئاسي وحيّ السفارات، أنّه دعا مرّة واحدة تصريحاً أو تلميحاً, الإدارات الأميركية الإقلاع عن معاملة الأفغان كـ"مرتزقة» وأن تترك لهم حرية تقرير مصيرهم بأنفسهم.
أشرف غني بات من الماضي بعد هروبه المخزي، لكن ترمب لا يتوقّف عن تحميل بايدن وحده عار أفغانستان, متّهما روسيا والصين بإستساخ والإستفادة من الأسلحة الأميركية التي غنمتها طالبان. مُتحسراً على «42» مليار دولار كانت تنفقها بلاده «سنوياً» هناك، فيما روسيا تنفق «50» مليار دولار سنوياً على جيشها بأكمله وفق زعمه. مضيفاً في تحقير للجيش الأفغاني: أنّ واشنطن كانت تقدّم لهم «رِشى» مُقابل أن يقاتلوا طالبان، إضافة بالطبع إلى الأسلحة الحديثة التي زوّدته بها.