أخبار البلد ـ كشفت التحولات العربية والتي بدأت بتونس عام 2011 ومن ثم ما حدث في مصر، إشكالية الحكم في العالم العربي، وخصوصاً قدرة «الإخوان» على الحكم وماذا يريدون منه. ابتداء لا بد من التأكيد على أن هذه التحولات منحت حركة «الإخوان» فرصة كبيرة، لكنها لم تنجح في فهم «ميكانيزمات» الحكم ومتطلباته، إذ لم يكن هدفها الانتخابات والحكم الديمقراطي التعددي التوافقي والإيمان بمبادئ المشاركة السياسية ومنظومة الحقوق، ومفهوم المواطنة الواحدة، فهي منذ وصولها للحكم انقلبت على هذه المفاهيم ودفعت في اتجاه إرساء سلطة تضمن لها البقاء الأبدي، وتحويل كل المؤسسات لتكون أحد أجهزتها ما يلغي فكرة الدولة الوطنية، هذه المفاهيم والرؤى تتناقض مع طبيعة الحكم المعاصر. هنا الإشكالية الأولى لهذا الحكم، وكان من تداعياتها الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي وتراجع أداء النظام، وتجاهلت هذه الجماعة المتطرفة أن من جاء بها للسلطة هو الانتخابات التي استخدمت وسيلة فقط للوصول للحكم، وبعدها تعمل على تأسيس حكم جديد، وهذا يتعارض مع الواقع السياسي القائم، وهنا يصح القول إننا لا نتكلم عن نظام شامل للحكم؛ بل عن نظام حكم يخدم حركة. والنتيجة تجاهل هذا النظام أن هناك قوى مجتمعية ومؤسسات مدنية وتحولات ثقافية وفكرية ترفض تغيير بنية نظام الحكم القائم لصالح «الإخوان». الإشكالية التي وقعت فيها الحركة أنها استعجلت الحكم، وسعت لتغييره، وهذا يعني انقلاباً على نظام قائم.
الإشكالية الثانية تتعلق بنظام الحكم نفسه وهي الإشكالية الرئيسية والتي قد تكون سبباً في الأولى وتتعلق ببيئة وقدرات النظام نفسها. الأساس أن يعكس النظام خصائص بيئته، ويكون قادراً على الاستجابة والتكيف واستيعاب كل التغيرات والتحولات التي تظهر في هذه البيئة، إذ يفترض أن نظام الحكم أوسع وأشمل وأكبر من حركة «الإخوان» أو أي فاعل سياسي آخر. نظام الحكم السليم تتوفر لديه القدرة على استيعاب واحتواء كل الفواعل بداخله ولا يختزل في جماعة أو حركة، وهذا يقودنا لمرحلة ما قبل التحولات وما بعدها والدروس المستفادة على مستوى الحكم.
لماذا قامت هذه التحولات في تونس؟ في البداية لم يكن السبب الأول ما أقدم عليه بوعزيزي حيث أحرق نفسه، بل طول فترة الحكم واختزالها في شخص الحاكم، والفساد الذي استشرى في الجسد السياسي فحوّله جسداً هشاً سهل الانقضاض عليه وهذا ما حدث فعلاً، فالفساد وزيادة نسب الفقر والبطالة والفراغ على المستوى المجتمعي تركت مساحات واسعة للحركات الإسلامية المتطرفة لتحاول ملئها بتقديم الخدمات المصلحية للمواطن العادي، وهذا قد يكون سبباً للتصويت لها وعدم إدراك ماذا يعنى حكمها.
ففي هذه المرحلة يتحمل الحكم المسؤولية المباشرة، الفشل في تفعيل قدرات النظام ووصوله للمواطن العادي بتحسين مستواه الحياتي والاستجابة لمتطلباته اليومية، وفي هذه المرحلة وهذه إحدى أهم الإشكاليات على مستوى نظام الحكم أن سرعة التغير في بيئة النظام والتي نسميها مدخلات النظام السياسي بما تعنيه من كل التطورات السكانية والجغرافية والحاجات وظهور فواعل جديدة، كانت أكبر من مخرجات النظام، أي أكبر من القرارات والسياسات، فلم تأت القرارات السياسية والسياسة العامة لتوازي وتستوعب هذه التغيرات فكانت الفجوة الكبيرة بين مدخلات النظام ومخرجاته والتي عبرت عن نفسها بالتحولات والثورات والانقضاض على الحكم وهذا ما استفادت منه هذه الحركات.
المرحلة الانتقالية التي ذكرناها وهي قصيرة، مرحلة عدم قدرة هذه الحركات على الحكم فكانت نفس الفجوة وكان لا بد من التغيير والتدخل والذي أخذ أشكالاً مختلفة من دولة لأخرى، ففي مصر انتفض الشعب ضد «الإخوان»، وفي تونس كان التدخل الرئاسي والقرارات التي أصدرها الرئيس قيس سعيّد بهدف استعادة ماهية النظام السياسي السليمة التي تعالج الخلل ، وهذه هي المرحلة الثانية.
هل تمت الاستفادة ؟ وكيف وبأية آلية؟ الهدف نظام حكم قادر وفاعل ولديه كافة القدرات الترشيدية وأبرزها: تفعيل قدرات النظام السياسي بتنويع مصادر الدخل والقدرة على الاستجابة والتكيف والارتقاء بمنظومة الحقوق المدنية الشاملة وتأصيل روح المواطنة، والاقتراب من المواطن العادي وحاجاته، والعمل على تواجد الدولة في مناحي الحياة، وأن يشعر المواطن أنه جزء من الدولة وأن الدولة له.