تُصيبنا الدهشة ونحن نشاهد دول كانت في نهاية تصنيف العالم تقفز الحواجز وتتخطى الحدود وتجدُ لنفسها مكاناً بين الدول المتقدمة، وربما تكون الغيرة الحميدة التي تُلاحقنا ونحن نتابع أخبار تلك الدول، لكننا نتوقف في عديد المحطات ونتساءل لماذا لسنا في مكانتها ونتطور مثلها؟، ففي الوطن لدينا سياسيين وإقتصاديين ومفكرين ورغم ذلك نعاني الأمرين، فالإقتصاد متراجع كونه مرتبط بحياة المواطنين اللذين تتزايد الضغوط عليهم، فيما عدنا سياسياً للصفوف الخلفية تاركين مساحات فارغة لمن خلفنا ليقفزوا إليها، ولم نُفلح في تطوير الثقافة المجتمعية التي تحدد طرق الحياة لنجد أننا نتراجع بسبب العراك المؤدي إلى الموت والإنتحار وحوادث الطرق، وهي أمور تزيد من سلبية الحياة وتجعل الإبتسامات تضمحل فنتراجع على مؤشر السعادة.
وهنا يكون السؤال الأصعب لمن تولوا مناصب الدولة والوطن في سنوات الشدة والرخاء، هل كنتم بحجم الوطن؟، وهل لدينا سياسيين ونواب وأعيان بحجم الوطن؟، وتولد هذا السؤال لديّ بعد أن شاركت في إشهار كتاب الشاعر جروان المعاني، والذي حمل عنوان "صحفي بحجم الوطن"، وتساءلت في كلمتي التي ألقيتها في الحفل، هل هناك أحد بحجم الوطن؟، فوجدت أن لدينا شعراء وإعلاميين وأطباء ومهندسين ومدرسين بحجم الوطن، لكن للأسف أين السياسيين من هذه المنزلة العظيمة، ومتى سيكونوا بحجم الوطن حتى يأخذوا دورهم في رفعته وبنائه، فهم من يشرعون القوانين ومن يُطبقونها، وهم من يقودون الشعب صوب الرخاء والشدة، لأجد أن للكلمة الأخيرة مكانة كبيرة في مسيرتهم بالوطن صوب الاصعب.
وتكون الحكومات بحجم الوطن حين تُحْسِنُ التخطيط، وتُجيد التنفيذ وتحقق الأهداف فتنهض بالوطن، وتضرب على أيادي الفاسدين ويقف رجالاتها بكل فخر في أي محفل خارجي، ويصنعون لنفسهم مركزاً ومكاناً في المقدمة ويرفضون أن يكونوا على الهامش ، فدور الحكومات أعم وأشمل وأخطر، كون الوطن الذي عليها أن تكون بحجمة يمتد من الحدود للحدود وبشعبه ورفاهيته وأمنة وأمانه، قبل أن تنطلق صوب الخارج لفرض هيبته وكلمته، فيما الوطن للطفل هو المحيط الذي يعيش فيه، وكذلك للمعلم ينحصر بتخريج جيل متعلم مثقف أمين قادر على بناء الوطن، فيما الطبيب يكون بحجم الوطن حين يعالج أبناء الشعب ويسهر على راحتهم، وهنا نعود لذات السؤال، هل تسهر الحكومات على راحة الشعب أم انهم مجرد موظفين يقومون بدور روتيني غير آبهين بنهضة الوطن.
وهنا نصل لمرحلة هامة في معرفة الدور الحقيقي لقيام الحكومات بدورها بإجراء دراسات تقوم على المقارنة بينها مع الأخذ بالصعوبات التي واجهتها، وكيف تعاملت معها ومقدار إنعكاسها على الشعب، وعندها سندرك حقيقة الحكومات وما قامت به، لنجد أننا حين ننظر في شتى الإتجاهات نُدرك أن الصعوبات على المواطن تتزايد من حكومة لأخرى، لأقولها بصراحة إن لدينا في الأردن من هم بحجم الوطن ويبحثون عن الأفضل لرفعته، إلا ان الحكومات الأخيرة لم تكن بحجم الوطن بل كانت عبء عليه ولم تكن سنداً له، فأرهقته وأتعبته وضغطت الشعب ببطالة متزايدة ومديونية مرتفعة، لندرك بعد تفكير عميق وتمحيص وتدقيق أن الوطن لم يكن بين يديها بأمان وأن الحكومة لم تكن بحجم الأردن.