عاد التوتر مجددا إلى منطقة الشرق الأوسط على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، ثم الخليج العربي، مع ملف الهجمات ضد السفن، ويرى بعض الخبراء، خاصة في الغرب والعالم العربي، هذه التطورات بمعايير قديمة نسبيا، متناسين التغيرات التي طرأت في المنطقة وعنوانها البارز فقدان إسرائيل صنع وحسم القرار الاستراتيجي إقليميا، سواء من الناحية السياسية، أم أساسا العسكرية التي انفردت به زمنا طويلا
في هذا الصدد، شهد الخليج العربي نهاية شهر يوليو/تموز الماضي هجمات استهدفت ناقلة النفط «أم. تي ميرسر ستريت» مشغلة من شركة «زودياك ماريتايم» المملوكة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر، في بحر العرب قبالة سلطنة عمان، وجرى توجيه الاتهام مباشرة إلى إيران، وعلى الرغم من النفي، تقف إيران وراء الهجوم وهو رد مباشر على الاعتداء الذي تعرضت له سفينة «إيران شهركرد» في عرض المتوسط خلال شهر مارس/آذار الماضي. وبعد مرور أسبوع، وجه حزب الله صواريخ إلى الأراضي الإسرائيلية، كرد سريع على قصف إسرائيلي ضد مناطق في الجنوب اللبناني
وكان من شأن أحداث مثل هذه لو وقعت منذ عقدين، أن تسبب في ردود عسكرية سريعة وقاسية من طرف إسرائيل، سواء بشن هجمات عنيفة ضد مواقع حزب الله ومنشآت الصالح العام في لبنان مثل، محطات الكهرباء، ثم استهداف سفن إيرانية في أعالي البحار، أو توجيه ضربات سرية داخل الأراضي الإيرانية، لكن هذه المرة، غاب الرد العسكري الإسرائيلي وحضر الرهان على الردع السياسي، من خلال نقل الملف إلى الأمم المتحدة أو المطالبة بتشكيل جبهة دولية عمادها الغرب، ودعم بعض الأنظمة العربية للضغط على إيران. ويعود الهدوء والتروي الزائف الذي تحلت به إسرائيل، إلى عجزها البين والواضح على شن أي هجوم عسكري ناجح ضد إيران من جهة، ثم إلى الخسائر المرعبة التي سيترتب عنها أي هجوم عسكري ضد حزب الله اللبناني، وكل تحليل للتطورات الأخيرة، يتطلب الانطلاق من منظور عسكري محض أكثر منه دبلوماسيا وسياسيا. في هذا الصدد، لقد طرأ تغيير على ميزان القوى المختل في السابق، الذي كان يتميز بتفوق مطلق لإسرائيل، مقابل ضعف جيرانها، خاصة في لبنان والمقاومة الفلسطينية، علاوة على الضعف النسبي لإيران بداية العقد الأول من القرن الجاري، وهذا التغيير لا يعني تراجع القوة الإسرائيلية، بل تستمر إسرائيل قوة عسكرية كبرى أكثر بكثير مما كانت عليه منذ عقد، لكنها لم تعد حاسمة بفضل تقدم من تصفهم بأعدائها، في هذه الحالة إيران وحزب الله، سواء تعلق الأمر بالعتاد العسكري، أو تمركز القوة النارية
طرأ تغيير على ميزان القوى الذي كان يتميز بتفوق مطلق لإسرائيل، مقابل ضعف جيرانها، خاصة في لبنان والمقاومة الفلسطينية
في أكثر من مقال كتبته ومنذ حرب تموز 2006، كنت أبرز عبر هذه المقالات التي كان أولها « توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله» يوم 3 أغسطس/آب 2006 وآخرها «الصاروخ الإيراني يغير الشرق الأوسط» بتاريخ 3 مايو/أيار 2021، أبرز «ثقافة الصاروخ» أي التغيير الذي يحدثه التقدم الحاصل في صناعة الصواريخ من طرف إيران وحلفائها، وإذ كانت إسرائيل قادرة على شل لبنان بقصف عنيف في ظرف نصف ساعة، أصبح حزب الله ومنذ سنوات يتوفر على القدرة النارية الكافية لشل الحياة في إسرائيل في ظرف نصف ساعة، نتيجة توفره على صواريخ دقيقة تعمل مثل القنابل الذكية الموجهة، ثم عجز القبة الحديدية، أي «منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي على اعتراض صواريخ حزب الله، إذ لا يمكن لأي منظومة دفاعية اعتراض آلاف الصواريخ التي تطلق في يوم واحد، لقد جعلت إيران من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى بمثابة الرصاص الذي ينطلق من الرشاش، لا يوجد رادار قادر على رصد الرصاص أو التصدي له سوى الاختباء. وباستثناء السلاح النووي وهو أمر مستبعد استعماله، لن تنجح إسرائيل في شن أي هجوم فعال ضد إيران، ولو استخدمت القنابل القوية ضد التحصينات، فقد فضلت الولايات المتحدة تجنب الحرب ضد إيران. كما أن نجاح منظومة الدفاع الجوي الإيراني في إسقاط الطائرة الأمريكية غلوبال هاك، ورفضها إسقاط طائرة «أوريون 8» سنة 2019 مؤشر يحمل طابع «المنعطف» إذ يتعلق الأمر بطائرات بتكنولوجيا متقدمة لتفادي منظومات الدفاع. في الوقت ذاته، لا يعرف الغرب الكثير عن السلاح الإيراني، سواء الذي تقوم بتصنيعه، أو الذي استوردته من الصين وروسيا. في هذا الصدد، وقعت طهران مؤخرا صفقة القرن مع بكين، وتتضمن مئات المليارات من الدولارات. وهذا يترجم عبر تعزيز روسيا والصين قوة إيران عسكريا، لحماية الاستثمارات الخاصة بهذه الاتفاقية
إسرائيل قوة عسكرية رهيبة، لكنها أصبحت مكبلة بفضل التقدم الحاصل في صناعة الصواريخ الحربية، وتوجد ثلاثة عوامل تكبح جماح إسرائيل وهي:
في المقام الأول، مساحة إسرائيل محدودة، إذ ليست هي بالدولة الشاسعة، ويمكن لصواريخ حزب الله أو إيران استهداف كل الأراضي الإسرائيلية، وبالتالي استهداف كل المراكز الحيوية سواء القواعد العسكرية أو المنشآت العسكرية مثل محطات الكهرباء والسدود المائية أو مباشرة التجمعات السكنية
في المقام الثاني، طيلة عقدين وإيران تعمل رفقة حلفائها على محاصرة إسرائيل من خلال الصواريخ الطويلة المدى الإيرانية، ثم حزب الله ابتدأ من سنة 2006 ولاحقا المقاومة الفلسطينية، خلال المواجهات الأخيرة بداية الصيف الجاري والمرتقب، محاصرة إسرائيل عبر سوريا، حيث ستتوقف الهجمات الإسرائيلية ضد هذا البلد العربي في ظرف لن يتعدى سنة واحدة بحكم الردع المرتقب
في المقام الثالث، إذا اندلعت الحرب المقبلة فستكون مرعبة بكل المقاييس، والجديد هذه المرة هو أن النزوح لن يكون فقط في الجانب اللبناني، بل سيجد الإسرائيليون أنفسهم لأول مرة ينزحون إلى الدول المجاورة. وهنا نتساءل: إذا كان العراقيون قد نزحوا إبان حرب الخليج إلى دول المنطقة مثل سوريا ولبنان والأردن، كما لجأ السوريون إلى دول المنطقة، أي دولة ستستقبل الإسرائيليين كنازحين؟
في غضون ذلك، كانت إسرائيل حتى الأمس القريب تذهب للقضاء على مصادر الخطر في أي دولة غير عابئة بالقانون الدولي، وهو ما يفسر الحروب الاستباقية التي شنتها والاغتيالات التي نفذتها، ومع التغيرات التي طرأت في ميزان القوى نتيجة الصواريخ، تتخلى إسرائيل عن هذه الاستراتيجية وبدأت تقتصر على الرد على المخاطر التي تستهدف أراضيها، أي لن تهاجم بل سترد إذا تعرضت لهجوم.
في هذا الصدد، شهد الخليج العربي نهاية شهر يوليو/تموز الماضي هجمات استهدفت ناقلة النفط «أم. تي ميرسر ستريت» مشغلة من شركة «زودياك ماريتايم» المملوكة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر، في بحر العرب قبالة سلطنة عمان، وجرى توجيه الاتهام مباشرة إلى إيران، وعلى الرغم من النفي، تقف إيران وراء الهجوم وهو رد مباشر على الاعتداء الذي تعرضت له سفينة «إيران شهركرد» في عرض المتوسط خلال شهر مارس/آذار الماضي. وبعد مرور أسبوع، وجه حزب الله صواريخ إلى الأراضي الإسرائيلية، كرد سريع على قصف إسرائيلي ضد مناطق في الجنوب اللبناني
وكان من شأن أحداث مثل هذه لو وقعت منذ عقدين، أن تسبب في ردود عسكرية سريعة وقاسية من طرف إسرائيل، سواء بشن هجمات عنيفة ضد مواقع حزب الله ومنشآت الصالح العام في لبنان مثل، محطات الكهرباء، ثم استهداف سفن إيرانية في أعالي البحار، أو توجيه ضربات سرية داخل الأراضي الإيرانية، لكن هذه المرة، غاب الرد العسكري الإسرائيلي وحضر الرهان على الردع السياسي، من خلال نقل الملف إلى الأمم المتحدة أو المطالبة بتشكيل جبهة دولية عمادها الغرب، ودعم بعض الأنظمة العربية للضغط على إيران. ويعود الهدوء والتروي الزائف الذي تحلت به إسرائيل، إلى عجزها البين والواضح على شن أي هجوم عسكري ناجح ضد إيران من جهة، ثم إلى الخسائر المرعبة التي سيترتب عنها أي هجوم عسكري ضد حزب الله اللبناني، وكل تحليل للتطورات الأخيرة، يتطلب الانطلاق من منظور عسكري محض أكثر منه دبلوماسيا وسياسيا. في هذا الصدد، لقد طرأ تغيير على ميزان القوى المختل في السابق، الذي كان يتميز بتفوق مطلق لإسرائيل، مقابل ضعف جيرانها، خاصة في لبنان والمقاومة الفلسطينية، علاوة على الضعف النسبي لإيران بداية العقد الأول من القرن الجاري، وهذا التغيير لا يعني تراجع القوة الإسرائيلية، بل تستمر إسرائيل قوة عسكرية كبرى أكثر بكثير مما كانت عليه منذ عقد، لكنها لم تعد حاسمة بفضل تقدم من تصفهم بأعدائها، في هذه الحالة إيران وحزب الله، سواء تعلق الأمر بالعتاد العسكري، أو تمركز القوة النارية
طرأ تغيير على ميزان القوى الذي كان يتميز بتفوق مطلق لإسرائيل، مقابل ضعف جيرانها، خاصة في لبنان والمقاومة الفلسطينية
في أكثر من مقال كتبته ومنذ حرب تموز 2006، كنت أبرز عبر هذه المقالات التي كان أولها « توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله» يوم 3 أغسطس/آب 2006 وآخرها «الصاروخ الإيراني يغير الشرق الأوسط» بتاريخ 3 مايو/أيار 2021، أبرز «ثقافة الصاروخ» أي التغيير الذي يحدثه التقدم الحاصل في صناعة الصواريخ من طرف إيران وحلفائها، وإذ كانت إسرائيل قادرة على شل لبنان بقصف عنيف في ظرف نصف ساعة، أصبح حزب الله ومنذ سنوات يتوفر على القدرة النارية الكافية لشل الحياة في إسرائيل في ظرف نصف ساعة، نتيجة توفره على صواريخ دقيقة تعمل مثل القنابل الذكية الموجهة، ثم عجز القبة الحديدية، أي «منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي على اعتراض صواريخ حزب الله، إذ لا يمكن لأي منظومة دفاعية اعتراض آلاف الصواريخ التي تطلق في يوم واحد، لقد جعلت إيران من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى بمثابة الرصاص الذي ينطلق من الرشاش، لا يوجد رادار قادر على رصد الرصاص أو التصدي له سوى الاختباء. وباستثناء السلاح النووي وهو أمر مستبعد استعماله، لن تنجح إسرائيل في شن أي هجوم فعال ضد إيران، ولو استخدمت القنابل القوية ضد التحصينات، فقد فضلت الولايات المتحدة تجنب الحرب ضد إيران. كما أن نجاح منظومة الدفاع الجوي الإيراني في إسقاط الطائرة الأمريكية غلوبال هاك، ورفضها إسقاط طائرة «أوريون 8» سنة 2019 مؤشر يحمل طابع «المنعطف» إذ يتعلق الأمر بطائرات بتكنولوجيا متقدمة لتفادي منظومات الدفاع. في الوقت ذاته، لا يعرف الغرب الكثير عن السلاح الإيراني، سواء الذي تقوم بتصنيعه، أو الذي استوردته من الصين وروسيا. في هذا الصدد، وقعت طهران مؤخرا صفقة القرن مع بكين، وتتضمن مئات المليارات من الدولارات. وهذا يترجم عبر تعزيز روسيا والصين قوة إيران عسكريا، لحماية الاستثمارات الخاصة بهذه الاتفاقية
إسرائيل قوة عسكرية رهيبة، لكنها أصبحت مكبلة بفضل التقدم الحاصل في صناعة الصواريخ الحربية، وتوجد ثلاثة عوامل تكبح جماح إسرائيل وهي:
في المقام الأول، مساحة إسرائيل محدودة، إذ ليست هي بالدولة الشاسعة، ويمكن لصواريخ حزب الله أو إيران استهداف كل الأراضي الإسرائيلية، وبالتالي استهداف كل المراكز الحيوية سواء القواعد العسكرية أو المنشآت العسكرية مثل محطات الكهرباء والسدود المائية أو مباشرة التجمعات السكنية
في المقام الثاني، طيلة عقدين وإيران تعمل رفقة حلفائها على محاصرة إسرائيل من خلال الصواريخ الطويلة المدى الإيرانية، ثم حزب الله ابتدأ من سنة 2006 ولاحقا المقاومة الفلسطينية، خلال المواجهات الأخيرة بداية الصيف الجاري والمرتقب، محاصرة إسرائيل عبر سوريا، حيث ستتوقف الهجمات الإسرائيلية ضد هذا البلد العربي في ظرف لن يتعدى سنة واحدة بحكم الردع المرتقب
في المقام الثالث، إذا اندلعت الحرب المقبلة فستكون مرعبة بكل المقاييس، والجديد هذه المرة هو أن النزوح لن يكون فقط في الجانب اللبناني، بل سيجد الإسرائيليون أنفسهم لأول مرة ينزحون إلى الدول المجاورة. وهنا نتساءل: إذا كان العراقيون قد نزحوا إبان حرب الخليج إلى دول المنطقة مثل سوريا ولبنان والأردن، كما لجأ السوريون إلى دول المنطقة، أي دولة ستستقبل الإسرائيليين كنازحين؟
في غضون ذلك، كانت إسرائيل حتى الأمس القريب تذهب للقضاء على مصادر الخطر في أي دولة غير عابئة بالقانون الدولي، وهو ما يفسر الحروب الاستباقية التي شنتها والاغتيالات التي نفذتها، ومع التغيرات التي طرأت في ميزان القوى نتيجة الصواريخ، تتخلى إسرائيل عن هذه الاستراتيجية وبدأت تقتصر على الرد على المخاطر التي تستهدف أراضيها، أي لن تهاجم بل سترد إذا تعرضت لهجوم.