هشام زهران ...
قدم كل من وزير الإعلام في حكومة الشهيد وصفي التل عدنان أبو عودة ووزير التربية والأوقاف د.اسحق الفرحان شهادات حية على شخصية الشهيد وأسلوبه الخاص في إدارة الحكم كما قدم كل من وزير التربية الأسبق د.إبراهيم بدران والكاتب نمر الزناتي قراءتين في شخصية الشهيد وذلك في سياق استحضار الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة لمناقب الشهيد في ندوة انعقدت مساء أمس الأول في سياق الاحتفاء بالذكرى الأربعين لاستشهاده.
الندوة التي أدارها الدبلوماسي الاردني د. محيي الدين المصري تضمنت تأكيدات على عدم عدائية الشهيد التل للعمل الفدائي وأطلق المنتدون تحذيرات من اغتيال شخصية الشهيد التل مجددا بوصفه إقليميا او من دعاة الإقليمية مؤكدين وطنيته وعروبته. وقال د.المصري في تمهيده لموضوع الندوةكما أن للأوطان حدودا وجغرافيا فان في التاريخ مراحل ورجالا منهم من تصنعه المرحلة وقد لا يصنع أبدا ومنهم من يصنع مرحلته. وصحيح أن الراحل الكبير الملك الحسين شرع لوصفي التل أبواب الولاية العامة إلا أن وصفي وجه هذه الولاية لرسم معالم مرحلته وآفاق مشروعه, فكان وصفي كبيرا في تاريخ هذا الوطن كانسان ولكنه كبير أكثر لأنه صنع مرحلته بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني الرؤيا والرجولة والمواقف الشجاعة فلم يقف حائرا أمام ضغوط الماضي وأوجاعه فجمع شتات الخمسينيات والستينيات من إسلاميين وقوميين وماركسيين وجيش وتقليديين وعشائر على أمل ان السبعينيات وما بعدها تكون عروة وثقى قوامها الرجال والفكر المشترك والتعددية واحترام الآخر. فقد زرع وصفي الحاضر للمستقبل وهي نظرية الفلاحين وبذلك بدأ زمن الناس, وكان هذا منذ ستين عاما ولو عممت تجربة زمن الناس حينئذ على الوطن العربي فهل ستكون هذه الرياح الهوجاء?? لقد استطاع وصفي تحويل الشراع رغم أزمة المحيط الهادر الى شاطئ أكثر سلامة فحافظ على روح الدولة هذه الروح الخفية وهي الثقة بين النظام والناس فقويت هيبة الدولة.
وتابع المصري ولكي لا يضيع الوطن في لجة الحدث الآني القائم على الطيش والحقد والتميز في تلك الفترة عمل وصفي على تكوين تنظيم شعبي فجمع الرجال من كل الاتجاهات وكانت ولادة الاتحاد الوطني وبنيت الوحدة الوطنية على المشاركة ونودي بالمملكة العربية المتحدة. وهكذا كانت مرحلة وصفي التل وفريقه مرحلة فريدة في تاريخ هذا الوطن و إلا لما بقي وصفي المحارب والفلاح والباني والشجاع ملتصقا في وجدان وذاكرة هذا الشعب لأكثر من نصف قرن ولو كان مجرد سياسي لمضى وانتهى.
وختم يقول المتحدثون اليوم يمثلون رجالا من فريق وصفي التل....تاركا الحديث إلى أبو عوده الذي عرض لبدايات معرفته بالشهيد فقال الحديث عن وصفي ليس أمرا سهلا وقد تعرفت عليه عام 1966 في معركة السموع وزادت المعرفة عمقا بعد حرب حزيران 1967 ففي (15 /ايلول/1970 )حملت من دائرة المخابرات تقريرا الى الراحل الكبير جلالة الملك الحسين وكنت ضابطا في دائرة المخابرات وأمر مدير الدائرة آنذاك نذير رشيد أن احمله بنفسي الى الملك واستقبلني الملك وقرأه بسرعة وقال (أنت من القلة في هذا البلد الذين يدركون خطورة هذا الوضع ونخشى على الضفة الشرقية من الضياع كما ضاعت الغربية وسنشكل حكومة عسكرية أنت وزير إعلامها) وأخذني جلالته من يدي داخل القصر فكان وصفي هناك وتركنا ليملي علي وصفي منطلقاتنا في المفاوضات مع الفدائيين في الأردن وكان آنذاك يريد تنظيم العمل الفدائي كورقة ضغط على إسرائيل كما كانت قناة السويس ورقة ضغط لمصر فوصفي اقر بالعمل الفدائي ولم يسع للقضاء عليه وكانت منطلقات الحوار مع الفدائيين أن( لا قواعد في المدن للفدائيين والتنسيق مع الأردن في اختيار الأهداف في عملياتهم نحو الضفة الأخرى).
واستعرض ابو عودة مناقب شخصية لوصفي فوصفها بالشخصية الجدلية المركبة المتعددة الأبعاد فهو صاحب رؤيا وكان ينظر الى رئاسة الحكومة أنها تعني قيادة وإصلاحا للبلد وليس تميزا اجتماعيا. وكان وصفي شجاعا فقبل أن يسافر الى القاهرة حيث اغتيل وعلى مدى ثلاثة أيام نصحته أن لا يذهب لكنه كان يتمتع بثقة عظيمة في النفس ورفض النصيحة وسافر.
وقال ابوعودة ان وصفي اغتيل مرتين مرة من أعدائه السياسيين في عمان والثانية في القاهرة محذرا من عملية اغتيال ثالثة بحقه فقاللم يكن وصفي المسؤول عن إجلاء الفدائيين عن جرش وتبنى ذلك في حينه كونه يتحمل مسؤوليته كوزير دفاع وأخشى أن يغتال وصفي للمرة الثالثة وأن يوصف انه كان ضد الفلسطينيين. وهذه الفكرة هناك جيل كامل من الشباب ربما يتبناها مع أن وصفي كان وطنيا وليس إقليميا.
من جانبه قدم د.الفرحان الشهادة الثانية مبينا أن معرفتي بوصفي كانت عن طريق شقيقه د.سعيد التل الذي تزامل معي اثناء دراسة الدكتوراه في أمريكا وخلال عملي في إدارة المناهج في وزارة التربية حاولنا أن نطور فذكرني سعيد عند وصفي وحدث أن جمعت أكثر من ألف مدير مدرسة في رام الله وتفاجأت في عام 1966 بدخول وصفي قاعة المحاضرات واستمع للمحاضرة وكانت بداية التعارف, وقد عرض علي الشهيد الوزارة عام 1970وكان راتب الوزير آنذاك 220 دينارا وكنت اعمل في الخارج بأضعاف هذا الراتب فقال الشهيد (وطنك أولى) فاستجبت وطلبت استلام وزارتي التربية والأوقاف.
وعرض د.الفرحان للانجازات في عهد حكومة وصفي فقال تم إعداد قانون التعليم الخاص وان تركز المدارس الخاصة الأجنبية على التربية الوطنية وتم إلزامها بتدريس المنهاج الاردني وأكد على منهاج القضية الفلسطينية وفرضه على المدارس الأجنبية في الأردن وكان وصفي يؤمن بتوزيع مكتسبات التنمية على المحافظات وابتكر نظام الحوافز لمن يعمل فيها كما أن وزارة الأوقاف توسعت موازنتها في حكومته ووضع مخطط لبناء 600 مسجد تم انجازها بعده.
وتحدث الفرحان عن مزايا شخصية وصفي التل السياسية فقال تميز بالشجاعة والرجولة ولم يخش شيئا ورغم تحذيره من السفر الى القاهرة سافر وكان يؤمن بروح الفريق في العمل كما يؤمن بالفردية الفذة وهو وحدوي أزال الحواجز بين الفئات المختلفة وكان يلتقي مسؤولي الفدائيين ويؤكد انه مع مقاومة اليهود ويدعم المقاومة في الداخل الفلسطيني وقد تمتع بشخصية عسكرية قيادية وشارك في جيش الإنقاذ عام 1948 وكان يدعم القوات المسلحة وابتكر برنامج التدريب العسكري للطلبة في معسكرات الشباب كما كان مهتما بالعمل العربي المشترك والاتفاقيات وزيارته القاهرة التي استشهد فيها تضمنت رسالة قومية فقد أصر على حضور الأردن للمؤتمر.
من جانبه قدم وزير التربية الأسبق د. بدران قراءة في شخصية الشهيد وصفي واصفا إياه بأنه كان رجلا مستقبليا وكانت نظرته للموضوع الفلسطيني والعمل الوطني عقلانيا, وما شغل باله كان بناء الدولة الأردنية والحرص على اكتساب الخبرة العسكرية وكان يؤمن بالوحدة العربية وسعى لإصدار الميثاق الوطني العربي فكان أردنيا وفلسطينيا وعروبيا.
ورجل دولة ويتحلى بالمسؤولية الكاملة ويجب إعادة كتاب سيرة وصفي التل برؤيتنا المعاصرة .
وقدم الكاتب الزناتي قراءته الخاصة فقال أن وصفي هو السياسي العربي الوحيد الذي قدم للحكم وهو يمتلك مشروعا سياسيا وكان كاتب مقالة وسياسيا وعسكريا وكاتب قصة .
الوزير الأسبق د.عادل الشريدة تحدث عن تعدد مشارب الشهيد وصفي الثقافية وخبراته وطبيعة شخصيته الإنسانية التي لا تعرف التحيز السلبي مشيرا أن وصفي ولد في كردستان العراق 1919 وأمه كردية وهو ابن الفيلسوف الاجتماعي الملقب بعرار وحفيد الشيخ صالح أحد رواد التعليم ووزير في حكومة عموم عجلون التي شكلتها الزعامات الوطنية لإدارة شؤون البلاد بعد انهيار الدولة العثمانية. ووصفي طبق النضال نظريا وعمليا وهو العسكري الدبلوماسي ولم يهبط على الشعب بالباراشوت وكان قريبا من الأردنيين فحفظه الأردنيون في ذاكرتهم وقلوبهم, كما خدم في الجيش السوري وكان مع حركة القوميين العرب وشارك في جيش إنقاذ فلسطين مع فوزي القاوقجي وتدرج في عدة مناصب.
وتحدث عن المؤسسات الكبيرة التي تشهد على انجاز وصفي باعتباره مؤسسها وهي (الاتحاد الوطني و الإقراض الزراعي والضمان الاجتماعي والجامعة الأردنية معسكرات الحسين للبناء والمؤسسة الاستهلاكية وغيرها من المؤسسات الوطنية).
وزير الإعلام السابق الزميل عبد الله أبو رمان قال أن من يقرأ تاريخ وصفي التل ويفهمه يكتشف أنه لا يوجد سياسي أردني وربما عربي كتب وبحث مثلما فعل الشهيد وصفي التل فقد كان رجلا علميا ويرفض تسمية نكبة ونكسة ويصر أنها هزيمة, واغتيال وصفي كان اغتيالا لمشروع مجابهة العدو وبناء الدولة وأكثر من 70% من الشعب الأردني ولد بعد استشهاد وصفي وأحبوه قبل أن يفهموه والمؤسس الحقيقي الذي نقل الدولة الأردنية من سلطة الى دولة مؤسسات هو وصفي.
رئيس الجمعية المهندس سمير الحباشنة ختم الندوة بالقولاحتفلنا بذكرى شخصية وطنية أردنية وشخصية مجاهد فلسطيني وهو الآن في عهدة التاريخ ويجب أن لا نتوقف عند من قتل وصفي. ونحن لا نرى إلا مستقبلا واحدا للأردنيين والفلسطينيين والدولة الفلسطينية إجراء تكتيكي.
وتابع يقول الأمم تستنهض رموزها في الظروف الصعبة فهو تحدث ومارس الولاية العامة ويوجد في الأردن أفراد من نموذج وصفي التل ولكن الطرق غير معبدة لها وعلى النخب السياسية الأردنية أن تحمل الفؤوس وتعبد الطريق لهؤلاء.