أخبار البلد ـ قررت ألا أسافر مع جموع الأردنيين في اجازة عيد الاضحى إلى تركيا، ليس لأنني لا أحب اسطنبول، أو الشواطئ التركية، وإنما تجنباً لفحوصات فيروس كورونا المتعددة، والابتعاد عن ازدحام المطارات، وتأخير الطائرات.
قلت سأذهب الى العقبة التي أحبها، وهذه المرة ستكون وجهة العائلة منتجع واحة أيلا الذي سمعت عنه كثيرا ولم أزره، وأصبح للمنتجع أهمية مضاعفة لأنه يحمل اسم حفيدتي.
توجهت الى العقبة بسيارتي، فأسعار تذاكر السفر غالية، ومواعيدها محدودة، ولا أفهم بصراحة لماذا لا تشجع الملكية الأردنية السياحة الداخلية بتقديم عروض رخيصة للسفر الى العقبة، فأسعار الرحلات على الطيران الاقتصادي لتركيا وبلدان اوروبية أرخص من العقبة.
كالعادة اخترت أن أذهب للعقبة عن طريق البحر الميت، ورغم أن الطريق مسرب واحد إلا أنني أستمتع بالقيادة عليه، وأشعر بسحره وجماله حين تتداخل ظلال الجبال الحجرية الملونة في وادي الموجب مع مياه البحر.
طريق البحر الميت الذي يمر في قرى الأغوار قصة وشاهد على فشل التنمية خارج المدن، فطوال الطريق الطويل تشعر بحجم الاهمال في الخدمات، وباستثناء عدد محدود جداً من الاستراحات فإن الطريق مقفر، ولو تعطلت سيارتك فمن الصعب تدارك المشكلة بسهولة.
حين وصلنا منتجع واحة أيلا في العقبة استذكرت فوراً رجل الاعمال الريادي صبيح المصري المساهم الأكبر والأهم في تطوير المنتج السياحي في الأردن في العقود الماضية.
حدثني المرحوم عقل بلتاجي "أبو السياحة والخبير بها” عن جرأة صبيح المصري وروحه المغامرة حين قرر بناء فندق الموفنبك في البحر الميت كأول فندق 5 نجوم هناك، وكيف نصحوه الا يفعل ذلك، ولم يستمع لهم ومضى في بناء فندق على شكل قرية اردنية يعتبر تحفة معمارية لا مثيل لها، ولا تتكرر إلا بالبحر الميت.
ذات المغامرة فعلها صبيح في واحة أيلا، فبنى مدينة سياحية ساحرة تحاكي سانتوريني في اليونان، وأنا أحب أن أشبهها في سيدي بو سعيد بتونس، فالبناء الممتزج باللونين الابيض والازرق يضفي جمالا وسحرا للمكان.
أيلا مدينة وليست فندقاً، او مجموعة شقق مطلة على البحر، أو مارينا لليخوت، وهي تقترب من تجربة لجونا المتاخمة للغردقة التي صنعها نجيب سوريس في مصر.
كنت محظوظاً حين طلب مدير عام أيلا الصديق سهل دودين أن يصطحبوني في جولة لاستكشاف عوالم أيلا، وربما ما يلفت الانتباه أنها الاقرب لفلسطين حيث لا يبعد السياج الاردني عن سياج الاحتلال الاسرائيلي سوى أمتار، ولهذا قصة أخرى مرتبطة بالمعاناة والتكاليف التي تكبدها المشروع لإزالة الألغام لأشهر طويلة.
أهمية أيلا انها أضافت 17 كم من الواجهات المائية الى العقبة التي تعاني أساساً من محدودية الواجهة الشاطئية التي لا تزيد على 27 كم سواء من الشاطئ الشمالي مروراً بالأوسط وانتهاء بالجنوبي، وما يجب أن يذكر ايضاً أن أيلا صممت ونفذت على أنها مدينة صديقة للبيئة، فهي تستخدم جزئياً الطاقة الشمسية المتجددة، وتعيد تدوير المياه، وأصبحت بحكم بيئتها محطة استراحة للطيور المهاجرة.
لم تكتمل كل مرافق أيلا 100 %، ولكن ما هو مبهج ان المشروع ركز على انجاز البنية التحتية الاساسية كاملة قبل كل شيء، وتستطيع ان تتجول في كل ارجائها، وما هو موجود فندق حياة ريجنسي الرائع، وهو واحد من مجموعة فنادق ستشيد، وقرية المرسى التي تحتضن شققا للتأجير، ومنطقة السوق التجاري (المطاعم، المحلات التجارية، الحرف اليدوية)، واللافت جدا المساحة الخضراء غير المتناهية التي أوجدها ملعب الغولف العالمي.
أيلا مجتمع مسور لمن يشترون شققا فيه، او من يقيمون في فنادقه ويتمتعون بحياة الرفاهية على شواطئه، وهذا مفهوم ومعمول به بكثير من المنتجعات، غير ان ما يستحق الاهتمام ان واحة أيلا فتحت ابوابها للمجتمع المحلي، وزاوجت بين الفكرتين الخصوصية، والانفتاح والعمومية، فأهالي العقبة يستطيعون الوصول بيسر الى قرية المرسى ليتمتعوا بطقوسها، وانشطتها، ويتسوقوا بها، وكذلك استخدام شاطئ جميل للعموم مقابل "رسم دخولية”، فالقيمة المضافة ان تربط المشاريع السياحية الريادية بالمجتمع المحلي، فيشعرون ان نجاحها وقوتها تحقق بعض مصالحهم، وتسهم في تطوير حياتهم ومدينتهم.
واحة أيلا فكرة ملهمة، وقد تكون عليها ملاحظات وانتقادات، لكن الانصاف انها غيرت معالم المدينة، وواجب الحكومة ان تساعدها على تذليل التحديات التي تعترضها، فهذا استثمار اقتصادي كبير يفوق 2 مليار دولار، وما دفع في البنية التحتية وحدها زاد على ربع مليار دينار، ومسؤولية الدولة مساندتها لتنهض وتتطور.
أسعدتنا أيلا لأنها منتج وصناعة وطنية، ووجهة سياحية في الأردن، وغمرتنا بالفرح لأن حفيدتي أيلا تمتعت بوقتها، وهذا يكفي لنعود لها.