ثمة مغالطة أساسية في مفهوم "اللاسامية”، أو "معاداة السامية”، حين يُقتصَر استخدامها على وصف المشاعر المعادية لليهود في أوروبا. وحسب "ويكيبيديا”، استخدم الباحث الألماني فيلهلم مار هذا المصطلح "لوصف موجة العداء الموجه لليهود في أوروبا الوسطى في أواسط القرن التاسع عشر”، ولكن، "بالرغم من انتماء العرب والآشوريين وغيرهم إلى الساميين، فإن معاداتهم لا تصنف كمعاداة للسامية”. والآن، تم تكييف المفهوم لا ليصف معاداة اليهود، وإنما ليصف بالتحديد أي نقد يوجه لسياسات ما تُسمى "دولة إسرائيل” التي تأسست على إلغاء الشعب الفلسطيني وعاثت فساداً – وما تزال- في الوطن العربي، إن لم يكن في حركة العالم كله منذ اختراعها قبل نحو ثلاثة أرباع القرن.
الرواية السائدة، التي حاكها العقل الصهيوني وروجها محبوه (وربما كارهوه المريرون في الحقيقة)، هي أن معاداة السامية تسببت، بين أمور أخرى، في المحرقة النازية "الهولوكوست”. ولأن اليهود كانوا ضحايا لوحشية من هذا المستوى، فإنهم يستحقون تعويضهم عما لحق بهم بما عبّر عنه وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور: "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي… في فلسطين”. وبعد أن أقام المستعمرون الإنجليز ذلك "الوطن” لـ”الشعب اليهودي” المختلَق حقاً بثمن إلغاء شعب آخر وسرقة تاريخه وأرضه، ما تزال الحكومات والمجتمعات الغربية تجرِّم تقريباً "معاداة السامية” بمعناها الجديد: انتقاد سياسات دولة الكيان الصهيوني الاحتلالي.
في الحقيقة، كانت "معاداة السامية”، بمعناها الأصلي، نعمة أسطورية يندر أن تتكرر بالنسبة للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ولعنة جمعت كل سوء الحظ والنقمة والكارثة التي يمكن تصورها للفلسطينيين، والعرب. ويذكّر الكاتب ألان براونفيلد بهذه الحقيقة الواضحة فيكتب: "من المفارقات أن الأصوات اليهودية الرئيسة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رفضت الصهيونية، بينما تبناها المعادون للسامية كوسيلة لإخراج اليهود غير المرغوب فيهم من بلدانهم”.
وإذن، كان الأوروبيون الكارهون لليهود، "المعادون للسامية”، هم الذين يسّروا للصهاينة الهجرة إلى فلسطين وزودوهم بالأدوات والغطاء لاستعمارها لكي يتخلصوا منهم في الأساس. وبذلك، كان الهدف الذي أصابته "معاداة السامية” في مقتل حقاً هو الفلسطينيون. وعلى مدى ثلاثة أرباع قرن – وقبل ذلك- ما نزال نعاين يومياً الأضرار المستمرة على فلسطين والمنطقة العربية بكاملها – وعلى السياسات العالمية التي تتوخى مصلحة الكيان على حساب أهل المنطقة. وفي الحقيقة، كانت "المحرقة النازية” هي الورقة الكاسبة التي لعبت بها الصهيونية لإقامة قضيتها غير الأخلاقية، ليكون الفلسطينيون هم الضحية النهائية للهولوكوست، كما يستنتج براونفيلد.
يكتب براونفيلد: "بينما عارض معظم اليهود الصهيونية، اعتنقها العديد من المعادين للسامية. وكما كتب بيتر بينارت، محرر "تيارات يهودية”، في صحيفة "الغارديان” البريطانية، فقد فعل بعض قادة العالم الذين روجوا بحماس للدولة اليهودية ذلك لأنهم لم يكونوا يريدون وجود يهود في بلدانهم. قبل أن يعلن، كوزير للخارجية في العام 1917، أن (بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين)، أيد آرثر بلفور قانون الأجانب للعام 1905، الذي فرض قيودًا على الهجرة اليهودية إلى المملكة المتحدة… وبعد سنتين من إعلانه الشهير، قال بلفور إن الصهيونية سوف تخفف من البؤس الذي طال أمده والذي صنعه للحضارة الغربية وجود جسم (اليهود) في وسطها، والذي اعتبرته لفترة طويلة غريبًا – وحتى معاديًا- لكنها لم تكن قادرة على طرده أو استيعابه”.
إن "الساميّين” الذين يواجهون العداء المرير والحقيقي والمستمر الآن هم الفلسطينيون، الذين يتعرضون لظلم واضطهاد بمستويات أسطورية، سواء من الاستعمار الصهيوني أو داعميه. وهم هدف لـ”معاداة السامية” مرتين: مرة حين تمت التضحية بهم للتخلص من اليهود المكروهين في أوروبا، ومرة حين يواجِه كل مناصر لقضيتهم ومنتقِد لمضطهديهم التهمة المدمرة للسُّمعة، والتي ربما تجلب على صاحبها تداعيات قانونية وخيمة في أوروبا وأميركا وغيرهما: معاداة السامية.
ينبغي إعادة تعريف "معاداة السامية” وتداعياتها بما هي، حيث كان الفلسطينيون – وما يزالون- ضحيتها النهائيين. وينبغي تفكيك العلاقة الملفقة بين هذا المفهوم وبين الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين كأساس يقيم عليه قضية شرعنه وجوده غير الأخلاقي وغير المشروع. وينبغي رفع الصوت للمطالبة بتصحيح الخطأ التاريخي الواضح، والمقصود حتماً، الذي جعلهم ضحية الضحية -بل الضحية الوحيدة في الواقع- لكل حكاية الهولوكوست والكراهية وسوء تعريف معاداة السامية.
الرواية السائدة، التي حاكها العقل الصهيوني وروجها محبوه (وربما كارهوه المريرون في الحقيقة)، هي أن معاداة السامية تسببت، بين أمور أخرى، في المحرقة النازية "الهولوكوست”. ولأن اليهود كانوا ضحايا لوحشية من هذا المستوى، فإنهم يستحقون تعويضهم عما لحق بهم بما عبّر عنه وزير الخارجية البريطاني، آرثر بلفور: "إقامة وطن قومي للشعب اليهودي… في فلسطين”. وبعد أن أقام المستعمرون الإنجليز ذلك "الوطن” لـ”الشعب اليهودي” المختلَق حقاً بثمن إلغاء شعب آخر وسرقة تاريخه وأرضه، ما تزال الحكومات والمجتمعات الغربية تجرِّم تقريباً "معاداة السامية” بمعناها الجديد: انتقاد سياسات دولة الكيان الصهيوني الاحتلالي.
في الحقيقة، كانت "معاداة السامية”، بمعناها الأصلي، نعمة أسطورية يندر أن تتكرر بالنسبة للمشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ولعنة جمعت كل سوء الحظ والنقمة والكارثة التي يمكن تصورها للفلسطينيين، والعرب. ويذكّر الكاتب ألان براونفيلد بهذه الحقيقة الواضحة فيكتب: "من المفارقات أن الأصوات اليهودية الرئيسة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين رفضت الصهيونية، بينما تبناها المعادون للسامية كوسيلة لإخراج اليهود غير المرغوب فيهم من بلدانهم”.
وإذن، كان الأوروبيون الكارهون لليهود، "المعادون للسامية”، هم الذين يسّروا للصهاينة الهجرة إلى فلسطين وزودوهم بالأدوات والغطاء لاستعمارها لكي يتخلصوا منهم في الأساس. وبذلك، كان الهدف الذي أصابته "معاداة السامية” في مقتل حقاً هو الفلسطينيون. وعلى مدى ثلاثة أرباع قرن – وقبل ذلك- ما نزال نعاين يومياً الأضرار المستمرة على فلسطين والمنطقة العربية بكاملها – وعلى السياسات العالمية التي تتوخى مصلحة الكيان على حساب أهل المنطقة. وفي الحقيقة، كانت "المحرقة النازية” هي الورقة الكاسبة التي لعبت بها الصهيونية لإقامة قضيتها غير الأخلاقية، ليكون الفلسطينيون هم الضحية النهائية للهولوكوست، كما يستنتج براونفيلد.
يكتب براونفيلد: "بينما عارض معظم اليهود الصهيونية، اعتنقها العديد من المعادين للسامية. وكما كتب بيتر بينارت، محرر "تيارات يهودية”، في صحيفة "الغارديان” البريطانية، فقد فعل بعض قادة العالم الذين روجوا بحماس للدولة اليهودية ذلك لأنهم لم يكونوا يريدون وجود يهود في بلدانهم. قبل أن يعلن، كوزير للخارجية في العام 1917، أن (بريطانيا تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين)، أيد آرثر بلفور قانون الأجانب للعام 1905، الذي فرض قيودًا على الهجرة اليهودية إلى المملكة المتحدة… وبعد سنتين من إعلانه الشهير، قال بلفور إن الصهيونية سوف تخفف من البؤس الذي طال أمده والذي صنعه للحضارة الغربية وجود جسم (اليهود) في وسطها، والذي اعتبرته لفترة طويلة غريبًا – وحتى معاديًا- لكنها لم تكن قادرة على طرده أو استيعابه”.
إن "الساميّين” الذين يواجهون العداء المرير والحقيقي والمستمر الآن هم الفلسطينيون، الذين يتعرضون لظلم واضطهاد بمستويات أسطورية، سواء من الاستعمار الصهيوني أو داعميه. وهم هدف لـ”معاداة السامية” مرتين: مرة حين تمت التضحية بهم للتخلص من اليهود المكروهين في أوروبا، ومرة حين يواجِه كل مناصر لقضيتهم ومنتقِد لمضطهديهم التهمة المدمرة للسُّمعة، والتي ربما تجلب على صاحبها تداعيات قانونية وخيمة في أوروبا وأميركا وغيرهما: معاداة السامية.
ينبغي إعادة تعريف "معاداة السامية” وتداعياتها بما هي، حيث كان الفلسطينيون – وما يزالون- ضحيتها النهائيين. وينبغي تفكيك العلاقة الملفقة بين هذا المفهوم وبين الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين كأساس يقيم عليه قضية شرعنه وجوده غير الأخلاقي وغير المشروع. وينبغي رفع الصوت للمطالبة بتصحيح الخطأ التاريخي الواضح، والمقصود حتماً، الذي جعلهم ضحية الضحية -بل الضحية الوحيدة في الواقع- لكل حكاية الهولوكوست والكراهية وسوء تعريف معاداة السامية.