ربما أراد السيد جو بايدن رئيس الولايات المتحدة أن يرسل رسالة قوية واضحة وفي نفس الوقت صادمة عندما وصف موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بأنه (قاتل)، هذه الوسيلة في التواصل الاجتماعي غزت العالم مع أخواتها التي تتكاثر، معظم تلك الوسائل أميركية.
التوصيف للرئيس بايدن جاء على خلفية نشر فيسبوك معلومات اعتبرها الرئيس مضللة أو خاطئة حول اللقاحات، والتي تكاثر التشكيك فيها في الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم. قلق الرئيس أن تلك المعلومات الخاطئة سوف يصدقها البعض ويعملون بتوصياتها، ومن ثم تبقى هذه الجائحة تحصد أرواح الناس وتعطل الاقتصاد وتدمر التعليم، لربما كان له الحق في ذلك عندما يقرع الجرس بهذه القوة والصلابة. إلا أن الوجه الآخر لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبية يقع في المجتمعات الأخرى ومنها مجتمعاتنا العربية. والمتابع للشأن العام في هذا الوسط العربي يقع فيما يمكن أن يسمى (الهوة) بين ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وبين ما يمكن أن ينشر على وسائل الإعلام التقليدية (المكتوبة أو المرئية). الأخيرة لها حدود في النشر تقيدها القوانين الموضوعة والأخلاقية المكتوبة أو المتعارف عليها، والأحرى (ما يكتب في وسائل التواصل) لا تتقيد بأي قوانين لا مكتوبة ولا أخلاقية.
من هنا تبرز الهوة، فلا تستطيع الأولى (المقننة) متابعة الثانية (المنفلتة) إن صح التعبير، بل وفي بعض الأوقات تنقل الأولى بالكثير من الغفلة ما تيسر من الأولى! الأمثلة كثيرة بل ومتراكمة التي يمكن من خلالها التدليل على العجز وربما الإحباط الذي يجعل رئيس الولايات المتحدة صاحب الخبرة السياسية الطويلة يصف ما ينشر على أنه (قاتل). إن أردنا أن نضرب أمثلة على ذلك التشويه، فلنأخذ شخصاً أو مجموعة سياسية تعيش في بلد ما خارج بلدها ومعارضة لنظام بلدها، فهي تقوم ببث كم من الشائعات والمعلومات الخاطئة وبعضها باحترافية شديدة من أجل تضليل المجتمع المحلي في بلدها في معادلة (تضخيم المنكر وتجاهل الحسن) لتأليب الداخل وخلق فوضى لا يعرف أحد إلى أين تنتهي غير خراب الأوطان.
لعل المثال الثاني يمكن أن يكون أوضح فيما أردت الإشارة إليه وهو (خلاف منظمة الأوبك بلس) على الحصص المنتجة، بمجرد ما ظهر الخلاف على السطح، وهو أمر عادي ومكرر بين بعض أعضاء تلك المنظمة، حتى اندلعت براكين (الشجب والتأييد والتضخيم والإساءة) من أشخاص ضد هذا الطرف أو ذاك، في محاولة لخلق رأي عام لبلع فكرة الشقاق والتشاحن بين الأشقاء، ولن يتأخر هؤلاء عن جلب قصص وحكايات وتسريبات تتصف بالجهل أو بنقص فادح في الثقة بالنفس على أنه (أو أنها) أكثر حباً لوطنه من الآخرين تسويقاً للنفس التي مسها السوء! الإشكالية التي يواجهها المتابع أن البعض من تلك المجموعات أو الأفراد يحصلون على متابعين كثر، لأن النفس البشرية جبلت على حب معرفة الاختلاف الحاد وتصديقه لأنه يحقق (هوى في نفسها) حتى لو كان كذباً صراحاً.
تصلك أحياناً معلومات أو أخبار أو أفكار من أناس تثق بقدرتهم على الحكم على الأشياء وتستغرب كيف يمكن لمثل هؤلاء الاشتراك في توزيع مثل هذه (الخزعبلات)، إلا أنك تستدرك أن الأخبار السيئة والكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الصحيحة والمعقولة، وتنشر فقدان الحيادية.
تقف المؤسسات وحتى الحكومات عاجزة عن إيجاد مصدة لمثل ذلك الانفجار الهائل في (المعلومات المغلوطة).. بعضها يتوجه إلى تغليظ القوانين، وتعتقد أنها رادعة، قد تكون في وسائل الإعلام العلنية، ولكن في الخاصة كمثل الواتساب أو تك توك لا يمكن الوصول إليها بالقانون، وهي الأكثر تجريحاً على المستوى الوطني والشخصي، ربما شيء من التعويض يعتمد على مسارين؛ الأول المناعة المجتمعية، وهي مناعة تشترك في إعدادها الأجهزة الحكومية والأهلية والمدارس، وتتعامل مع ما ينتج من أخبار كاذبة وشائعات مغرضة وتجريح وقتل الشخصية بالسرعة والكفاءة اللازمة، والمسار الثاني المناعة الشخصية من خلال تدريب يتم في المدارس والمنابر الاجتماعية لتطوير منهجية عقلانية تقوم على المنطق وليس على الانطباع والتحيز تُثبت على قاعدة (وإن يقولوا لا تسمع لقولهم ولا يأخذك الهوى). استمرار ما نحن فيه من ترويج الكثير من الأخبار المضللة يعني تفتيت النسيج الاجتماعي ببطء ولكن باستمرارية حتى يتهالك، وزرع الشكوك بين الأوطان في مرحلة حرجة من طموح دول للقفز السريع لتوظيف أي خلاف لمصالحها، ومن ثم تعم الفوضى ويدفع الجميع ثمناً باهظاً جراء ذلك. يطرب البعض من أهل السلطة في بعض المواقع أنهم (أجروا) أناساً لبث ما يرغبون من أخبار وتشويه الآخر، هذا هو (الطرب الجاهل) لأن آخرين جاهزون للتأجير من أجل القول المضاد، فهي وسيلة ذات حدين. العجب أن يشارك في مثل هذا الحملات أسماء معروفة تعتقد أنها (تدافع عن الوطن) وهي في الحقيقة تسيء إلى سمعة الوطن وتحط من قدره، فالإنجازات عادة ما تكون مشاهدة لا ينكرها إلا أعمى بصيرة. في فضائنا العربي يجري التنمر والتطاول والتحقير في وسائل التواصل كما يجري الماء في الجدول ويخلف الكثير من الخطايا والموبقات ما يسمم المجتمعات ويوهنها.
آخر الكلام: بجانب البعد السياسي والاقتصادي المدمر تقول لنا الدراسات إن الذين يُدمنون استخدام الإنترنت ووسائل التواصل يحتلون مراكز مُتقدمة بالنسبة للإصابة ببعض الأمراض النفسية كالوسواس القهري أو الاكتئاب أو حتى الشعور بالقلق، وغيرها من الأمور السلبية الأخرى كنقص الانتباه والعُزلة والانطواء.
التوصيف للرئيس بايدن جاء على خلفية نشر فيسبوك معلومات اعتبرها الرئيس مضللة أو خاطئة حول اللقاحات، والتي تكاثر التشكيك فيها في الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم. قلق الرئيس أن تلك المعلومات الخاطئة سوف يصدقها البعض ويعملون بتوصياتها، ومن ثم تبقى هذه الجائحة تحصد أرواح الناس وتعطل الاقتصاد وتدمر التعليم، لربما كان له الحق في ذلك عندما يقرع الجرس بهذه القوة والصلابة. إلا أن الوجه الآخر لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبية يقع في المجتمعات الأخرى ومنها مجتمعاتنا العربية. والمتابع للشأن العام في هذا الوسط العربي يقع فيما يمكن أن يسمى (الهوة) بين ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وبين ما يمكن أن ينشر على وسائل الإعلام التقليدية (المكتوبة أو المرئية). الأخيرة لها حدود في النشر تقيدها القوانين الموضوعة والأخلاقية المكتوبة أو المتعارف عليها، والأحرى (ما يكتب في وسائل التواصل) لا تتقيد بأي قوانين لا مكتوبة ولا أخلاقية.
لعل المثال الثاني يمكن أن يكون أوضح فيما أردت الإشارة إليه وهو (خلاف منظمة الأوبك بلس) على الحصص المنتجة، بمجرد ما ظهر الخلاف على السطح، وهو أمر عادي ومكرر بين بعض أعضاء تلك المنظمة، حتى اندلعت براكين (الشجب والتأييد والتضخيم والإساءة) من أشخاص ضد هذا الطرف أو ذاك، في محاولة لخلق رأي عام لبلع فكرة الشقاق والتشاحن بين الأشقاء، ولن يتأخر هؤلاء عن جلب قصص وحكايات وتسريبات تتصف بالجهل أو بنقص فادح في الثقة بالنفس على أنه (أو أنها) أكثر حباً لوطنه من الآخرين تسويقاً للنفس التي مسها السوء! الإشكالية التي يواجهها المتابع أن البعض من تلك المجموعات أو الأفراد يحصلون على متابعين كثر، لأن النفس البشرية جبلت على حب معرفة الاختلاف الحاد وتصديقه لأنه يحقق (هوى في نفسها) حتى لو كان كذباً صراحاً.
تصلك أحياناً معلومات أو أخبار أو أفكار من أناس تثق بقدرتهم على الحكم على الأشياء وتستغرب كيف يمكن لمثل هؤلاء الاشتراك في توزيع مثل هذه (الخزعبلات)، إلا أنك تستدرك أن الأخبار السيئة والكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الصحيحة والمعقولة، وتنشر فقدان الحيادية.
تقف المؤسسات وحتى الحكومات عاجزة عن إيجاد مصدة لمثل ذلك الانفجار الهائل في (المعلومات المغلوطة).. بعضها يتوجه إلى تغليظ القوانين، وتعتقد أنها رادعة، قد تكون في وسائل الإعلام العلنية، ولكن في الخاصة كمثل الواتساب أو تك توك لا يمكن الوصول إليها بالقانون، وهي الأكثر تجريحاً على المستوى الوطني والشخصي، ربما شيء من التعويض يعتمد على مسارين؛ الأول المناعة المجتمعية، وهي مناعة تشترك في إعدادها الأجهزة الحكومية والأهلية والمدارس، وتتعامل مع ما ينتج من أخبار كاذبة وشائعات مغرضة وتجريح وقتل الشخصية بالسرعة والكفاءة اللازمة، والمسار الثاني المناعة الشخصية من خلال تدريب يتم في المدارس والمنابر الاجتماعية لتطوير منهجية عقلانية تقوم على المنطق وليس على الانطباع والتحيز تُثبت على قاعدة (وإن يقولوا لا تسمع لقولهم ولا يأخذك الهوى). استمرار ما نحن فيه من ترويج الكثير من الأخبار المضللة يعني تفتيت النسيج الاجتماعي ببطء ولكن باستمرارية حتى يتهالك، وزرع الشكوك بين الأوطان في مرحلة حرجة من طموح دول للقفز السريع لتوظيف أي خلاف لمصالحها، ومن ثم تعم الفوضى ويدفع الجميع ثمناً باهظاً جراء ذلك. يطرب البعض من أهل السلطة في بعض المواقع أنهم (أجروا) أناساً لبث ما يرغبون من أخبار وتشويه الآخر، هذا هو (الطرب الجاهل) لأن آخرين جاهزون للتأجير من أجل القول المضاد، فهي وسيلة ذات حدين. العجب أن يشارك في مثل هذا الحملات أسماء معروفة تعتقد أنها (تدافع عن الوطن) وهي في الحقيقة تسيء إلى سمعة الوطن وتحط من قدره، فالإنجازات عادة ما تكون مشاهدة لا ينكرها إلا أعمى بصيرة. في فضائنا العربي يجري التنمر والتطاول والتحقير في وسائل التواصل كما يجري الماء في الجدول ويخلف الكثير من الخطايا والموبقات ما يسمم المجتمعات ويوهنها.
آخر الكلام: بجانب البعد السياسي والاقتصادي المدمر تقول لنا الدراسات إن الذين يُدمنون استخدام الإنترنت ووسائل التواصل يحتلون مراكز مُتقدمة بالنسبة للإصابة ببعض الأمراض النفسية كالوسواس القهري أو الاكتئاب أو حتى الشعور بالقلق، وغيرها من الأمور السلبية الأخرى كنقص الانتباه والعُزلة والانطواء.