غريب ما يحصل في العالم الإسلامي ، ونعيش في غرابة لم تحدث بهذه الطريقة المتناغمة منذ قرون، فاليوم تتزايد التحديات أمام الشعوب الباحثة عن الأمل والقيادات الساعية لإيجاد الحلول، ويأتي العيد في توقيت صعب للغاية تعاني فيه كل دولة عربية من مصاعب متلاحقة فشل الجميع في التصدي لها، ليصبح الوضع القائم قاتماً مؤلماً وقاهراً ولكنه ليس قاتلاً، ليبقى الأمل يتزايد والحلم يتسع كون التاريخ علمنا بأنه كلما زادت الظلمة فقد إقترب وقت الإنفراج وبزوغ شمس الأمل والحرية والسمو والإرتقاء، لذا فمع حلول عيد الاضحى المبارك نستذكر الأعياد التي مضت وكيف انقضت وما رافقها من كوارث حاقت بالامة.
فاليوم لا يوجد دولة لا تُعاني ويختلف ألم المُعاناة من دولة لأخرى حسب موقعها وسياستها وحاجة العالم لها، فهناك من تأثرت إقتصادياً والأخرى سياسياً لكن الأكثر ألماً تلك الدول التي فقدت قرارها، ورغم تضائل هيبتها إلا أنها تحاول أن تستعيد مكانتها، فلبنان تموت إقتصادياً بأيدي أبنائها، وهذا أمر مؤلم وقهري، فيما سوريا تموت حرباً بذات الأيدي المحلية، والعراق يعيش التجربتين اللبنانية والسورية ويعاني حتى وصل الموت للمستشفيات، وفلسطين تعاني قهر سلطات ثلاث صهيونية تحتل الوطن وسلطتي رام الله وغزة تتحكمان بشعب يتحمل مرارة العيش ويرفض الهروب من وطنه ، فيما الأردن تدفع ثمن مواقفها السياسية ألماً وتضّيق اقتصادي وتآمر من جهات متعددة، وفي اليمن حدث ولا حرج فقد اختلط الأمر واصبح الدم مباح من الجميع وللجميع، وتعتقد دول الخليج أنها في أمان لكنها تعاني من السيطرة على مواردها وبدأ مسلسل الضغط، لنجد أن السعودية والامارات وقطر والبحرين وعمان والكويت تبذل جهوداً كبيرة من أجل الإبقاء على هيبتها وقدراتها المالية، لكن ما يجري يفوق هذه القدرات كون الإنفاق العسكري فاق حدود المعقول.
ويتواصل الألم العربي في افريقيا، فمصر محاطة بمؤامرات كبيرة يصعب احتمالها وتأتيها دوماً من الكيان الصهيوني والدول التابعة له، لنجد أن سد النهضة يشكل موت بطيء للأمل المصري السوداني على الحياة، فيما توقفت لغة المنطق لتبقى بعض الحلول الخطيرة والتي تهدد السلم في القارة، وفي مقدمتها تدمير السد في حال لم تستجب اثيوبيا، وبالتالي تتحمل مصر والسودان واثيوبيا فيضانات كارثية، فيما يختفي الأمان الفكري في تونس وتتزايد خطورة كورنا، وتحول الوضع الإقتصادي في المغرب من الصعب للأصعب والسياسي في الجزائر من المقبول إلى اللامعقول.
وتمر موريتانيا بمنعطف خطير بعد إيداع الرئيس الأسبق للسجن وتزايد مشكلة العرقيات، فيما الصومال تعاني من اقتصاد هش قابل للإنكسار في أي لحظة كما تعاني من رحيل أبنائها الذين يبحثون عن طرق العودة لكنهم يتخوفون من عودة الصراعات، وتبقى جزر القمر وجيبوتي تعانيان كغالبية الدول العربية من الفقر والبطالة، ليكون حال العالم العربي محزن، وزاد من حزنه الإرتماء في الحضن الصهيوني حيث يهل علينا العيد وقد ارتفعت عدد الدول المطبعة والمُطبلة للتقارب مع الصهاينة إلى سبعة دول وهي مصر والاردن والامارات والبحرين والسودان والمغرب والسلطة الفلسطينية، فيما بقية الدول ترفض التطبيع لغاية الآن، وربما في الأعياد القادمة يتزايدون لأن كل عيد يجب أن يحمل في ثناياه الفرح للصهاينة والألم للعرب، فإما أن يقصف الصهاينة غزة ويعتدوا على الشعب في الضفة ويقتحموا القدس أو نجد من ينضم إلى القائمة.
وجع العيد لن يتوقف والأمل كذلك والحلم بأن نصبح عالم عربي حر قادر على التكامل الإقتصادي السياسي، وهذا أمر ليس بالمستحيل في حال العودة لفهم التاريخ وقرأته على طريقة المؤرخ الانجليزي ودجوود الذي قال :"التاريخ يُعاش نحو الأمام لكنه يُكتب من خلال الإستعادة، نحن نعرف النهاية قبل أن نُفكر في البداية ولا نستطيع البتة استعادة ذلك الشيء الذي كان لكي نعرف البداية فحسب"، لذا يجب العودة للبدايات قبل القول بأن العودة لعالم عربي حر صعبة وشبه مستحيلة، فالأيام تُفاجئنا دوماً بما هو مستحيل في عالم أصبح فيه المستحيل كلمة لزيادة التحدي والإبداع.