هكذا قال «12» ممثلاً فلسطينياً في بيان أرسلوه للقائمين على مهرجان «كان» السينمائي في دورته الـ«74», وبصوت عال مشفوع بقراءة سياسية عميقة تنهض على التمسّك بهوية السكان الأصليين, وتذهب مباشرة إلى تعرِية السردية الصهيونية, الرامية إلى طمس الهوية الفلسطينية والترويج لرواية صهيونية مُؤسطرَة, قامت وما تزال على نفي وجود «شعب» في فلسطين التاريخية. بل تتكئ على قراءة توراتية مُزورة قائمة على «وعد إلهي» لم يُصدّق أحد وجوده, إلاّ أولئك الذين ساروا في ركب الصهينة حتى لو لم يكونوا يهوداً, على النحو الذي نجده في معظم النُ?ب السياسية الغربية وبعض تيارات المثقفين, خصوصاً أولئك الذين يعملون في الحقل السينمائي الذي يهيمن عليه المال اليهودي, وترفده اللوبيات اليهودية/الصهيونية بسيناريوهات مُضلِّلة ورهط لا يتوقف من الممثلين والممثلات وحفنة مخرجين يتصدرون الترويج للرواية الصهيونية والدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. يصرفون النظر أو يبررون جرائم الحرب التي تقارفها آلة القتل الصهيونية ولا يتردّدون في اتهام كل من ينتقد إسرائيل وإرهاب جيشها وعنصرية كيانها بالعِداء للسامية.
"نحن لسنا إسرائيليين» قالها «12» ممثلاً فلسطينياً في بيانهم لإدارة المهرجان إثر قيامها بتصنيف «فيلمهم» الموسوم «لِيكُن صباحاً", المقتبس من كتاب يحمل الاسم نفسه للكاتب الفلسطيني «سيد قشوع", ويحكي قصة فلسطيني جاء ليكتشف هويته وانتماءه القومي بعد أن وجد القرية التي نشأ فيها. علماً أن الفيلم الذي هو إنتاج مشترك إسرائيلي/فرنسي, من تأليف وإخراج المخرج «اليهودي» عيران كولبيرن, الذي أعلن دعمه قرار أبطال الفيلم الانسحاب من المهرجان قائلاً في كلمات مُعبّرة: «فخورون جدّاً بالمشاركة في الفيلم، هم (يقصد أبطال الفيلم) ي?حبون الفيلم ويفخرون بعرضه في مدينة كان. لقد قرّروا الغياب للاحتجاج على «المحو الثقافي", أنا أفهم ذلك أضاف: وأدعم كل قرار يتّخذونه. يُؤلمني أنهم لن يكونوا هناك للاحتفال بعملهم المُذهل... لكنني أحترم موقفهم».
مضى المُخرج في شكل لافت مُنتقداً «القانون» الإسرائيلي, الذي قضى بضرورة عرض الأفلام من إنتاج صندوق الأفلام الإسرائيلي على أنه فيلم إسرائيلي, مُتسائلاً: لماذا تريد الدولة منك أن تُعلن ما هو واضح؟, كما لو أنني لا أعرف من أنا، وعليّ أن أمحو هوية الآخرين», مُستطرداً في شجاعة: لا أريد استخدام هذا الفيلم لـِ«تبييض» أي شيء تم القيام به, والأشياء التي تم القيام بها....«مُروِّعَة» ختم كولبيرن.
ما هي الأشياء المُروّعة هذه؟
هذا ما أضاء عليه بيان أبطال الفيلم الـ «12» من فلسطينيي الداخل بقولهم لإدارة مهرجان «كان»: ليس بمقدورنا التغاضي عن التناقض الكائن في تصنيف الفيلم في المهرجان على أنه فيلم إسرائيلي، بينما تُواصل إسرائيل حملتها الاستعمارية المستمرة منذ عقود, وممارساتها في التطهير العِرقي والطرد والفصل العنصري, المُوجّه (ضدّنا) وضد الشعب الفلسطيني». بل أضافوا في تركيز واعٍ وذكيّ: «أن تصنيف الفيلم كونه إسرائيلياً، يُمثل امتداداً لسياسة الاحتلال الصهيوني التي فُرضَتْ عليهم كفلسطينيين في الداخل المُحتل أن يحملوا الجواز الإسرائيل?، مُحملين في الوقت نفسه «السينما العالمية المساهمة في استدامة واقع غير مقبول, عندما تفترِض (السينما العالمية)... أننا وإنتاجنا الإبداعي يندرج في التسمية الإثنية القومية المُعرّفة بـ«إسرائيلي» ما يُشكّل إسهاماً فيها في استدامة واقع غير مقبول, فُرض علينا نحن الفنانين الفلسطينيين مواطني إسرائيل وحملة جوازها. وهي مُواطنة فرضها علينا الاستعمار الصهيوني لمواصلة قمع الفلسطينيين في فلسطين التاريخية».
موقف شجاع برؤية سياسية كاشِفة تفضح العنصرية الصهيونية, وتدين التواطؤ الغربي ببُعديه الثقافي والسياسي, وتُسجل إضافة نوعية إلى الموقف التاريخي الذي سجله الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية, في مواجهات القدس الأخيرة وحرب الـ«11» يوماً. عندما انصهر فلسطينيو الداخل مع فلسطينيي قطاع غزة والضفة الغربية, على نحو أعاد التأكيد على أبجديات الصراع وأسسه التاريخية, مجسّداً حقيقة أنه «صراع وجود لا صراع حدود» أو صفقات تطبيع لن تدوم تبريراته المُتهافتة.