ما أن تقع (طوشة) بين (عيال الجامعات) حتى تمتد إلى خارجها وتتسع لتصبح قضية بين عشائر كذا وعشائر كذا، وكالعادة يجري ترويع طلبة وطالبات الجامعة وتعليق الدراسة.
وبتكرار نفس السيناريو فان قوات الدرك تهرع إلى الموقع ويسارع المحافظ الى جمع وجهاء الطرفين في دار المحافظة، وبالطبع يتصدر النواب المشهد.. ويجري حديث ممل عن وشائج القربى، النسب والوطن والانتماء، ويجهد بعضهم في (تقزيم) المشكلة فيصفونها بطوشة بين (أولاد جهال) فينشرح صدر المحافظ لهذا الحديث فليتقط الحدث لإصدار بيان أو تصريح صحفي تحت عنوان استنكار ما جرى و(المطالبة بعقوبات رادعة للمتورطين في الاحداث)، وهكذا قام كل طرف بواجبه ونشرت الصحف، ولكن أحدا لم يدرك أننا نكذب على أنفسنا نفس الكذبة منذ سنوات وفي كل مرة نصدقها.
الذين تشاجروا أيها السادة ليسوا (عيال جامعات) وانما طلاب جامعات وهم عنوان المستقبل وعصب الدولة البشري، والذين هاجموا الجامعة والشوارع وأغلقوا محلات المواطنين وهشموا بعض المرافق العامة ليسوا أعداء للوطن ولا للدولة وانما هم أبناؤها الذين نشأوا في ظل تقاليدها وفي ظل ما يسمعونه في (تعاليل الوجهاء) حول دلة القهوة في ديوان فلان وأبو فلان.
وفي كل مرة يجمع المحافظ وجهاء الطرفين لا يمر شهر أو اثنان حتى تتجدد المشكلة، فأي وجهاء هؤلاء الذين لا يسمع أحد من (ربعهم) كلامهم!!
كان شيخ العشيرة وكبارها اذا قالوا نفذ قولهم على الجميع وأحترم قرارهم الصغير قبل الكبير، لسبب بسيط وهو أنهم كانوا لا يقولون ولا يلتزمون الا بعد تفكير ودراسة وكانوا القدوة فيما يخرج من أفواههم وأفعالهم، وكان الوجهاء الكبار من صنع أيديهم وأفعالهم الكريمة،, وليسوا من صنع الحكام الإداريين ودوائر الدولة التي أرادت صنع موظفين ومستفيدين لإسكات الناس عن الجور والمحسوبية والفساد.
من لا يستطيع أن يضبط شباب عائلته فعليه ألا يتصدى لتمثيلهم وإصدار البيانات ضد أفعالهم ارضاء لمحافظ أو وزير. وعليه الا يطالب بعقوبات رادعة لمن ارتكبوا اعمال الشعب والاعتداء.
ما يفعله (المشاغبون في الجامعات) ليس الا ترجمة عملية لما يسمعونه من آبائهم ووجهائهم في الجلسات المغلقة، وهو حديث يختلف تماما عما يقولونه أمام المحافظ والإعلام، لقد كبر هؤلاء الشباب وهم يسمعون حكايات (الطوش الكبرى) وبطولات بين العشائر فنمت فيهم نفس الروح وما هي الا شرارة حتى تستقيظ الجاهلية الاولى (يا لعبس.. يا لذبيان)،,
هؤلاء الشباب هم صورة مصغرة عن الآباء.
سنظل نضحك على أنفسنا في قاعة مبنى المحافظة ونجامل ونقول باللسان ما يختلف عما في القلب، وسنظل ننكر أن وجهاءنا – مع الاحترام – فقدوا القدرة على السيطرة والتأثير، لأن الشباب باتوا مقتنعين أن الوجهاء يستثمرون كل أزمة لتقوية وتعزيز مراكزهم عند السلطة الحكومية والديوان، وقد لايكون الواقع كذلك ولكن هي تلك قناعة الشباب كما لمستها منهم مباشرة.
ما حدث في السلط في اليومين الماضيين - مع التغييب الاعلامي - يحتاج الى تدبر عميق وحديث مباشر مع الشباب في غياب (الوجهاء)، ويحتاج الى تجاوز دور المحافظ والسيناريو الفاشل المتكرر.
لا ألوم الشباب الذين خربوا شوارع وسط المدينة في السلط وانما أحتاج الى محاورتهم وفهمهم أكثر وألوم فقط كل الكبار في بيت ودار واحملهم المسؤولية كاملة.. أيها الشباب دعونا نسمعكم ونفهمكم..
وأستنكر الوجهاء!.. فمن يسمعكم؟
رابعة العواملة
أخبار البلد -