ميشيل فوكو: أسئلة أخلاقيات المفكر

ميشيل فوكو: أسئلة أخلاقيات المفكر
أخبار البلد -   أخبار البلد-
 
كيف يمكن الفصل بين زلات المفكر الأخلاقية، ومشروعه الفكري والفلسفي، خاصة حينما يطرح نفسه مفكراً أخلاقياً، وفيلسوفاً ناقداً لحركة المجتمع؟ كيف يمكن تجاوز معاناته الشخصية، من اختلال نفسي وسلوكي، والتعامل مع مشروعه الفلسفي بشكل محايد، منفصل عن حياته الشخصية، في الوقت الذي تتزايد فيه الهوة بين المثال الذي يصبو إليه وواقع سيرته؟

تطرح هذه الأسئلة عند التطرق لكثير من فلاسفة ومفكري القرن العشرين، لكنها تكتسب بعداً خاصاً مع شخص مثل ميشيل فوكو (1926 ـ 1984) الكاتب الذي ملأ الدنيا وشغلت كتاباته الناس، ليس فقط في بلده فرنسا، وإنما حول العالم

من ناحية قدم فوكو رؤاه للمجتمع والتاريخ في أعمال مثل «حفريات المعرفة» و»السلطة والمعرفة» واستطاع بناء طريق نقدي خاص تجاوز فيه الفكر الماركسي الذي تأثر به لفترة من الزمان، مستخدماً طرقاً تحليلية، سرعان ما ستكون مصدر إلهام لتلامذته والمتأثرين بكتاباته في أكثر من مكان، بما في ذلك العالم العربي والمشرق الإسلامي. يكفي هنا أن نشير لتأثر إدوارد سعيد، منظر الاستشراق الأهم، بكتابات فوكو، واستشهاده بأفكاره التي كان من أهمها التأكيد على أن السلطة، أي سلطة، إنما تنتج معارف على قياسها. إدوارد سعيد سوف يبني مشروعه الناقد للاستشراق الغربي على هذه النقطة، وهو يحاول أن يحلل كيف استطاعت السلطات الاستعمارية أن تنتج أدباً وأفكاراً على قياسها، وبما يخدم مشروعها الإمبريالي

إدوارد سعيد لم يكن وحده، فيندر أن تخلو كتابة لأحد المنظرين العرب، خاصة من الحداثيين والليبراليين، من استشهاد مباشر، أو تأثر غير مباشر بأفكار فوكو، وعلى رأسها فكرة الإزاحة المعرفية، التي تدعو لإيجاد قطيعة مع الطرق التقليدية في التفكير ومع الميراث الحضاري، من أجل إعادة تعريف الحاضر، وهي الفكرة التي تجد صدى واسعاً عند من يرفضون دعوات الرجوع للتراث الإسلامي، أو جعله من المرجعيات الأساسية للنهضة المطلوبة

أما من الناحية الأخرى، فإن فوكو لم يعرف فقط كملحد مفتخر بكونه مثلي الجنس، وإنما كانت هناك شكوك على الدوام في كونه أكثر انحرافاً من ذلك. هذه الشكوك أكدها تقرير أخير لصحيفة «صنداي تايمز» تمحور حول اتهامات للمفكر الكبير باستغلال أطفال تونسيين والاعتداء عليهم، حينما كان يعيش في ذلك البلد في فترة الستينيات، ما يجعله يستحق وصف «بيدوفيل»: المهووس جنسياً بالأطفال

حسب التقرير المبني على شهادة رفيقه الفرنسي غاي سورمان، فإن فوكو كان يستغل جنسياً فقر الأطفال وحاجتهم للمال. شكّل الأمر صدمة كبيرة بين قراء فوكو ومعجبيه، الذين اكتشفوا أن الأمر يتعدى حبه لأبناء جنسه، إلى هوس أكبر يعبر في طياته عن استغلال المستعمر الأبيض ذي السلطة والثروة، لأبناء الجنوب البؤساء

بالتأكيد فإن فوكو لم يكن ليعبر عن انحرافاته في داخل بلده فرنسا، ولذلك وجد في تونس، وربما في أماكن أخرى، مكاناً خصباً لتحقيق رغباته المريضة، وهو يشبه في هذا الرسام الفرنسي الشهير بول غوغان، الذي أشار إليه التقرير والذي لم يكن يكتفي بعمل لوحات لفتيات من تاهيتي، ولكنه أيضاً كان يقوم باستغلالهن جنسياً

فكرة استغلال المستعمر لأبناء المستعمرات، ليست جديدة، وسبق أن أشار لها إدوارد سعيد في معرض حديثه عن سياسات الاستشراق وعن الثقافة الإمبريالية، خاصة حينما كان يقول، إن كثيراً من الأوروبيين كانوا متحمسين لأعمال الاستكشاف والغزو، لأسباب تتعلق بمحاولتهم البحث عن مجتمع تنكسر فيه التابوهات ويستطيعون فيه التعبير عن انحرافاتهم بلا رقيب. يتمازج هذا مع إيجاد صورة خادعة للشرق عن طريق رسومات وروايات مسلية وذات حبكة، لكن لا علاقة لها بواقع تلك البلدان

الجديد هو أن تتورط أسماء مثل ميشيل فوكو أو بول غوغان، أو أندريه جيد وغيرهم ممن يشار إليهم بالبنان، في معرض الحديث عن الفكر والفن والأدب، في هذه الفضائح الأخلاقية، فكيف يمكن احترامهم بعد ذلك، وكيف يمكن الفصل بشكل عملي بين انحرافاتهم ومنتوجاتهم، التي يعتبر كثيرون أنها شكلت إضافة للتراث الإنساني؟

موضوع استغلال الأطفال، كان يدلل على أن شخصية فوكو لم تكن فقط متحررة من القواعد الاجتماعية، ولكنها كانت مختلة أيضاً

لم يكن ميشيل فوكو مهتماً فقط بالتنظير حول الممارسات الجنسية، بل كان هو نفسه أميل للتحرر الجنسي وللانفتاح على كل التجارب، بما فيها الأكثر شذوذاً وسادية، حتى أنه ساهم في توقيع عريضة في عام 1977 تدعو إلى عدم تجريم ممارسة الجنس مع الأطفال بعمر الثالثة عشرة، وهو ما تم تمريره والموافقة عليه مؤخراً مع بعض التعديلات العمرية الطفيفة، وفق قانون «النضوج الجنسي» الفرنسي. كانت اهتمامات فوكو معروفة، ويمكن في هذا مراجعة كتاب «شهوة ميشيل فوكو» الصادر في عام 1993 لمؤلفه جيمس ميلر، لكن موضوع استغلال الأطفال واغتصابهم، شكّل رغم كل شيء صدمة، حيث كان يدلل على كون أن شخصية فوكو لم تكن فقط متحررة من القواعد الاجتماعية، ولكنها كانت مختلة أيضاً

كانت فترة أواسط القرن العشرين هي فترة التحرر من كل القيود، ففي الوقت الذي كان يناضل فيه فوكو من أجل جعل هوسه بالأطفال مقبولاً، كان فلاديمير نابوكوف، الروائي الأمريكي من أصل روسي، ينجح في نشر روايته التي ما تزال مثيرة للجدل «لوليتا» التي تحكي بإسهاب عن علاقة غريبة بين شخص بالغ وفتاة في الثانية عشرة من العمر. سوف يحظى نابوكوف بشهرة في عالم الأدب وسوف تترجم روايته لكثير من لغات العالم وعند إجابته عن سؤال الأخلاق سوف يكتفي الأستاذ الجامعي المرموق بالقول، إن روايته لا تدعو لممارسة الجنس مع الأطفال، ولا للتحرش بهم، وإن نهاية بطلها لم تكن سعيدة. شهدت الأعوام الأخيرة اندلاع كثير من الفضائح الأوروبية المرتبطة بممارسة الجنس مع الأطفال، التي كان أبطالها يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة. من أجل الفصل بين عالم أولئك المشاهير، والقواعد الأخلاقية التي تحكم المجتمعات، درج بعض الناس على اعتبار أن أولئك «النجوم» هم شخصيات «فوق إنسانية» لا تنطبق عليهم النظرة ذاتها التي تحكم عامة الناس، فلا يمكن أن نطلب منهم مثلاً الإخلاص في علاقاتهم، أو الاكتفاء بالأشكال «التقليدية» لتلك العلاقات. هذه النظرة شائعة ويمكننا أن نلاحظها في معرض حديثنا عن نجوم الفن والمجتمع، حتى في عالمنا العربي، فبشكل لا إرادي نجد أننا لا نحاكمهم بمعاييرنا ذاتها، بل ربما نعتبر أن ما يفعلونه من سقطات أخلاقية ليس أمراً مشيناً بمثل ما لو كان صادراً من شخص عادي. يذكّر هذا بما ذكره الفيلسوف الفرنسي فولتير، الذي اعتبر أن النخبة هي بطبعها غير أخلاقية، وبهذا فقد لا تنطبق عليها المعايير المعتادة لحسن الخلق

في مواجهة هذه الاتهامات انقسم المتحمسون لفوكو لثلاثة أقسام كان أهمها القسم الذي يرفض تصديق هذه الرواية، ويعتبر أنها تم تمريرها، من دون تحقق، كما يتم تمرير كل إدعاءات الاغتصاب عبر الوقوف الأعمى مع الضحية، أما القسم الثاني فهو الذي اعتبر أن كل هذا لا ينقص من مكانة الرجل في عالم الفكر والفلسفة، وأخيراً برز قسم يرى أنه ربما كان هدف الفيلسوف من خلال جميع كتبه وتنظيراته الناقدة لسلطة المجتمع وقوانينه هو تبرير جرائمه الجنسية وجعلها مستساغة. هذا القسم رأى في هذه الحادثة دليلاً إضافياً على الخلل البنيوي في المنظومة القيمية الغربية
شريط الأخبار وزارة الخارجية تدعو الأردنيين لعدم السفر إلى لبنان وتطلب من المتواجدين هناك المغادرة الحكومة: علينا مراجعة ملفات الاستثمار المحلي والخارجي القضية الفلسطينية بكل محاورها حاضرة في اجتماع الملك مع غوتيريش وفاة طفل غرقًا في بلدة جديتا بلواء الكورة "الوطني للمناهج": النسخة الأولى من الإصدارات تجريبية قابلة للتطوير والتعديل الأردن يدين استهداف مدرسة تؤوي نازحين جنوبي مدينة غزة أسفر عن استشهاد أكثر من 20 شخصا رئيس الوزراء: لن أترك أحداً دون دعم أو مساعدة لتمكينه من النجاح 6 وزراء "دولة" في حكومة حسان.. ما الهدف منهم؟ محللون وسياسيون يجيبون زخات أمطار متوقعة في هذه المناطق بالأردن الأحد الأردن يشارك بأعمال الأسبوع رفيع المستوى للدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة التربية تمنع العقود الورقية للعاملين بالمدارس الخاصة .. وثيقة بالفيديو .. القسام تنشر مشاهد من استيلائها على آلية ومسيّرات للاحتلال خلود السقاف عملت وزارة من لا شيء واستبدالها يؤكد أن الاستثمار مجرد جائزة ترضية مبيضين يرد على منتقدي درس سميرة توفيق 60 ألف حالة زواج في الأردن خلال العام الماضي إنتخاب إياد التميمي رئيساً للجنة المالية في إتحاد شركات التأمين "الصحة اللبنانية": ارتفاع حصيلة ضحايا ضاحية بيروت الجنوبية وانفجارات أجهزة النداء واللاسلكي إلى 70 شهيدا رسالة من والد احد شهداء فاجعة البحر الميت إلى دولة الرئيس: "عند الله تجتمع الخصوم" الوزير سامي سميرات يضحي بربع مليون دينار في "أورنج" مقابل خدمة الوطن من خلال حكومة حسان .. وثيقة رسائل نضال البطاينة المشفرة ...