استقبلت السلطة الفلسطينية بترحاب شديد، قرار واشنطن بتقديم رزمة مساعدات مالية لها ولوكالة «غوث»، التي لو تجددت لترمب ولاية أخرى لذبلت وعجزت إن لم تصل إلى حد التصفية النهائية.
الفاتورة الفلسطينية شديدة التواضع قياساً بفواتير الدعم الأميركي الخارجي، ولا ينظر إليها من زاوية مالية أو اقتصادية صرفة، فهي بالكاد تفي ببعض ما هو دون الحد الأدنى بكثير من الاحتياجات الدائمة والعاجلة للسلطة، خصوصاً في هذا الوقت بالذات الذي تضافرت فيه «كورونا» مع انخفاض الدعم الخارجي، وتوقف معظم مجالات الإنتاج على نحو غير مسبوق في سجل الأزمات الاقتصادية الفلسطينية منذ بدأت تجربة السلطة وعبر كل مراحل وجودها.
الدعم المالي الأميركي ينظر إليه على أنه مقدمة لاستئناف العلاقات الأميركية الفلسطينية التي يعتبرها الفلسطينيون عاملاً مؤثراً يحد ولو نسبياً من تغول حكومات اليمين الإسرائيلي تجاههم استيطانياً، وابتعاداً عن إمكانيات فتح المسار السياسي التفاوضي، ما وضع الفلسطينيين أمام حالة صعبة من الاستفراد الإسرائيلي بهم، الذي تعاظم في عهد ترمب وتواصل وإن بوتيرة أقل إعلاناً وأكثر حذراً في عهد الإدارة الديمقراطية الجديدة.
ما تقدمه أميركا وغيرها من دعم مادي أو سياسي يضع باقي ما يلزم على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، ووفق هذه المعادلة المنطقية والعملية لا يملك الفلسطينيون دفاعات كافية ولا حتى مبررات لتقصيرهم في حق أنفسهم، وإذا ما وضعنا الحالة الفلسطينية الراهنة تحت فحص موضوعي فإننا نجد ثغرات كبيرة وحتى قاتلة تعتري بناءهم الذاتي، والعنوان الأبرز فيه هو الانقسام الذي لم يجد حلاً حتى الآن، وكذلك غياب عمل المؤسسات التي تدير الحياة الفلسطينية من كل جوانبها، وفي حالة كهذه تتكاثر الأخطاء، وتبتعد الحلول، وتتعمق المآزق بحيث لا يجدي إنكارها، أو سوق أسبابها ومبرراتها.
محاولة فلسطينية تقرر أخيراً الإقدام عليها لعلها تنفع في إيجاد المخارج من الأزمات وهي الانتخابات العامة التشريعية أولاً ثم الرئاسية ثم منظمة التحرير، ورغم الإجماع الشعبي على أهميتها وضرورتها فإن شكوكاً واسعة عادت لتحيط بالعملية المرجوة، ما يوحي بقدر من التردد في مواصلتها وإنجازها رغم التأكيدات الرسمية على المضي قدماً فيها.
الأميركيون الذين انتبهوا إلى درس الانتخابات الثانية التي اتُّهموا فيها بالضغط على السلطة لإجرائها، رغم عدم تأكدهم من فوزها فيها اتخذوا موقفاً موضوعياً... «رمي الكرة في الملعب الفلسطيني» فهم أصحاب القرار في هذا الشأن مع نصيحة لا تتخذ طابع الإلزام أو الاشتراط مفادها... أن يكون اللاعبون في حلبة الانتخابات العامة ملتزمين بموقف منظمة التحرير «الاعتراف والاعتدال».
الأميركيون بذلك لا يخفون رغبتهم في فوز عباس؛ ولهذا وضعوا صوتهم في صندوقه بالدعم المالي واستئناف العلاقات، فهل هذا وحده يكفي؟ «بعد أيار يدوب الثلج ويظهر ما تحته».